أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 24th June,2001 العدد:10496الطبعةالاولـي الأحد 3 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

بين )التروللي(..! و )التلفريك(..! و)غزلان كرا(...؟!
حمّاد بن حامد السالمي
.. أما )كرا(، فهو الجبل الشامخ العظيم، الذي )كان( يحجز بين مكة والطائف، ثم أصبح اليوم، جسرا طبيعيا يربط بينهما. إنه الجبل الذي يعد، من أعلى وأضخم جبال الحجاز، وله عند الشعراء، في الماضي والحاضر، صيت وشهرة وذكر. ويكفينا في هذا المقال من هذا المقام، بيتان من الشعر الرصين، قالهما ذات يوم، الشاعر الكبير المرحوم، أحمد بن إبراهيم الغزاوي:


كأن )كراء( في عتو )سنامه(
على )هامه( الأفلاك تجري وتلهث
كأن روابي الأرض نيطت جميعها
الى سفحه! وهو )الإباء( المؤرث

.. ويكفي )كرا( الجبل، هذا الوصف الدقيق الذي ورد في علوه وسموه وشموخه، فالأفلاك )تلهث( حول )سنامه( والروابي جميعها لا تتجاوز سفحه.!!
.. ثم قد يقول قائل، ومن أين لجبل )كرا( هذا، غزلان..؟!
.. ولكني أؤكد هنا، بأن في هذا الجبل الشامخ )غزلانا( وأي غزلان..!
.. غزلان ليست كبقية الغزلان، من تلك التي نعرفها تتقافز في المفاوز، في نفوذ الشمال، أو في دهناء الوسط، أو في الربع الجنوبي.
.. إنها غزلان، يحبها السياح وتحبهم..! والموعد جبل )كرا(، صائفة هذا العام، على أي حال..! وفي هذا مايكفي.
.. لماذا لا نترك )غزلان كرا( وشأنها بعض الوقت،
.. لنأتي الآن الى هذا الذي يطلقون عليه )تلفريك(. وكان يسمى في زمن مضى )التروللي(.. ماذا يجمع بينهما..؟ وما صلتهما بـ )كرا( وبـ)غزلان كرا(..؟
.. في الحقيقة، أن المناسبة فرضت نفسها علي في هذا المقال اليوم، فجبل )كرا( هذا الأسبوع، يعيش هو وغزلانه احتفالية من نوع جديد.. فقد تم مؤخرا تشغيل )التلفريك(، الذي يربط أعلاه بأسفله ربطا عجيبا، وعندما رأيت هذا الجبل العظيم من أعلى، شعرت بمهابة لا توصف، دفعتني الى محاولة استجلاء نتف من ماضي هذا الجبل، ومن تاريخه العريق.
.. لقد ظل )كرا( على مدى آلاف السنين، العقبة الكأداء التي تفصل بين القريتين العظيمتين ، )مكة والطائف(، حتى منتصف القرن الخامس الهجري، بعد ذلك، فإنه لا يصح وصف )كرا( بأنه )عقبة بالطائف على مسيرة يوم للطالع، ونصف يوم للهابط الى مكة( - كما قال ياقوت - لكنه أصبح جبلا يصل بين الطائف ومكة. فالسنود الحجرية في جسم هذا الجبل المهيب، ذللها حسين بن سلامة في العام )430 هـ( على وجه التقريب، وهو عبد نوبي، وزر لأبي الحسين بن زياد صاحب اليمن، فعمر هذه العقبة. ولكن ابنه سدها بعده.. ! لماذا..؟ بعض الآباء يبني ويعمر، فيأتي من صلبه من يهدم بنيانه. مثل هذا كثير في التاريخ.
.. ربما كانت عمارة حسين بن سلامه هذه، هي أول فتح في )جبل كرا(، وقد ظلت مئات السنين، معبرا ودربا للجمالة، وللذين يركبون أقدامهم في السفر بين المدينتين التاريخيتين، حتى ظهرت السيارة في الجزيرة العربية، فجاء الفتح )المبين(، وهو الثاني، حين شق طريق للسيارات عبره، يلتف مصعدا متعرجا، مثل ثعبان أسود، له بداية وليس له نهاية، يبدأ من )كُرّه( في تهامه، ولا ينتهي في )هدأته( من السراة.
وكان ذلك في العام 1385هـ. العام الذي شهد افتتاح الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، هذا الطريق الأعجوبة.
.. لكن الفتح الثالث لهذا الجبل العظيم، أتى جوا هذ المرة، عبر أسلاك كهربائية، وعربات معلقة يسمونها )التلفريك(.. فما أصل هذه التسمية..؟ ومن أين أتت..؟
.. قمت بتتبع مراحل ظهور لفظة )تلفريك(، ووجدت أن الأستاذ المرحوم أحمد بن إبراهيم الغزاوي، الذي هو )شاعر الملك وملك الشعراء( بحق، مثلما وُصف بذلك في حياته، قد يكون هو الأديب السعودي الوحيد الذي لفت نظره، خبر ظهر في جريدة )الشعب( المصرية، قبل أكثر من أربعين عاما، فعلق عليه. وكان )الخبر( يتحدث عن استخدام )التروللي( المعلق، الذي سوف يصل بين حديقة )الأزبكية( وجبل )المقطم( في مصر، وأنه سوف يكون على ارتفاع )30( مترا.
وله خطان، أحدهما للذهاب والآخر للإياب. ثم سماه الخبر بعد ذلك )التلفريك(.
.. ولعل أول ظهور لهذا النوع من المواصلات الهوائية في بلد عربي، هو في مصر. بناء علي ما تقدم. والله أعلم. وسواء سميناه )تروللي( أو )تلفريك(، فهو في آخر الأمر، )تلفريك( مثلما نرى اليوم.
.. وهنا لن أذهب مذهب شيخنا الغزاوي رحمه الله، في تعليله لاسم )التروللي(، والكلام على علاقته بالاضطراب العقلي، أو الارتباك الذهني، وأن فيه دلالة من صوت العملة، مستشهدا بقول الشاعر )الحلمنتيشي(:


إذا لم تكن لي والزمان شرم برم
فلا خير فيك، والزمان )ترللي(..!

ففي هذا المذهب الذي كان يأخذ به الغزاوي رحمه الله، في تحليلاته وتعليلاته اللفظية، إشارات لطيفة، لا تخلو من طرائف أدبية، أو فوائد لغوية، قد لا يكون لها مكان مناسب هنا.
.. لكني أذهب مذاهب بعض المراجع العلمية في هذا الشأن، ومنه - على سبيل المثال، )موسوعة المعرفة(، فهي تذكر بأن ظهور )التلفريك(، يعود الى ماقبل مئة وثلاثين عاما تقريبا، فقد تم آنذاك، ابتكار طريقة جديدة لعبور الموانع الطبيعية، مثل الجبال العالية، والأنهار والمستنقعات والغابات وغيرها. فكانت المركبات التي تنزلق على أسلاك هوائية سميكة، وتتصل بها عربات كبيرة تحمل الركاب والبضائع. واستخدمت في بادئ الأمر، لنقل البضائع والمعادن ومنهاالفحم الحجري، من مناجم استخراجها في الجبال، الى أماكن السكك الحديدية. وغير ذلك. ومن أقدم المشاريع وأطولها في العالم أجمع، ذلك الخط الهوائي لجبل )مون بلان(، بين )كور مايير( في إيطاليا، و )شامونيكس( في فرنسا. مارا فوق مجموعة جبال )موزبلان(، ويبلغ طول هذا المشروع الكبير ، )58.14( كم. ويحمل 18 مركبة )كابينة(، وأعلى نقطة يمر بها يبلغ ارتفاعها، )4200( مترا فوق سطح البحر.
.. لكن.. ما )التروللي(..؟ وما )التلفريك..؟ وما وجه الصلة بينهما.
.. إن لفظة )تروللي(، كانت سابقة في الظهور - علي ما يبدو - على لفظة )تلفريك(، فالمعاجم اللغوية القديمة، تذكر لفظة )Trolley(، أو )Trolly(، على أنها عربة )الترولي( أو بكرة وذراع الترام المحتكة بشريطه العلوي ثم شاعت بعد ذلك لفظة )Trolley Car(، عربة )الترولي( وبعدها لفظة )Trolley Bus(.
.. في المعاجم المتأخرة، ظهرت لفظة )Telpherag( ومعناها، القطار المعلق، ونظام النقل بالكهرباء بواسطة عربات معلقة و)Telpher( وحدها، عربة خفيفة معلقة بأسلاك هوائية تجري عليها، وبخاصة عربة مسيرة بالكهرباء أما لفظة )Rage(، فهي تعني الثورة والرياح والأمواج، وكل مايحظى بإقبال الناس إقبالا حماسيا ومن هنا نفهم، معنى اقتران لفظة )Rage( بلفظة )Telpher( في )Telpherage(.. تلفريك.. بأن العربة المعلقة أول ظهورها، أثارت فضول الناس وحماسهم، فأقبلوا عليها فجاءعصر )التلفريك( في أوروبا، ثم في بقية أنحاء العالم.. )تلفريك( البضائع والتجارة والنقل، ثم جاء بعده، )تلفريك( السياحة الذي عم كافة البلدان فيما بعد.
.. إن من أظهر مشاريع )التلفريك( السياحية اليوم في بلدان العالم، هو بدون أدنى شك، )مشروع تلفريك الهدا( في الطائف، الذي يعد بحق، الأكبر في الشرق الأوسط، والخامس على مستوى العالم، فهو يربط بين قمة جبل )كرا( وأسفله بطول )4200( مترا، وفارق المنسوب بين محطتيه العلوية والسفلية يصل الى )1590( مترا وهذا الرقم، مقارب لارتفاع جبل )كرا( الذي هو 2000 مترا فوق سطح البحر.
.. وهناك مزايا كثيرة لهذا المشروع الجديد الجدير بكل تقدير، وجدت أنها تدعم مكانته السياحية والاقتصادية بين المشاريع العالمية المماثلة في أنحاء العالم، فهو على سبيل المثال، يسير )52( عربة، تتيح لراكبيها استكشاف أسرار الجبل العظيم هذا من أعلى مثلما لم يحدث من قبل. ولهذه العربات، طاقة استيعابية تصل الى )1000( شخص في الساعة، في اتجاه واحد يضاف الى ذلك بطبيعة الحال، المنشآت والمرافق الخدمية في المحطتين العلوية والسفلية، التي تشتمل على فندق خمس نجوم، وفلل ومطاعم ومقاهٍ، ومتحف وحي قديم، وألعاب تزلج، وألعاب مائية ومسابح، وصالات ألعاب، وأسواق شعبية، ورحلات استكشافية عبر الجبل، إضافة الى شلال مائي كبير طوله )70( مترا.. وغير ذلك.
.. بقي علينا مسألة )الغزلان(.. تلك التي سماها الشيخ الغزاوي رحمه الله )غزلان كرا(، فهي قد أصبحت منذ بضع سنوات خلت، أحد أهم العناصر الجاذبة للسياحة في جبل )كرا( والهدا. وعلى قمته بالخصوص.
فلا ينافسها اليوم، إلا هذا )التلفريك(،أو هذه العربات المعلقة التي تسيرها الكهرباء على أسلاك متينة بين القمة والقاع، فيرى الركاب من أعلى، درب الجمالة ، ودرب )الرجلية(، وهما دربان مدرجان قائمان منذ مئات السنين، ويرون أيضا، المعسل، الشهير بمائه العذب قديما، وملف القدر العجيب، والطريق الثعباني الأعجب. وسوف تتوفر بواسطة عربات )التلفريك(، رؤية أوضح لهذه الغزلان الجبلية..! التي ربما راحت ذات يوم، تنافس السياح والمصطافين في امتطاء عربات )التلفريك(، هاته، والاستمتاع بالتنقل عبرها بين شعاب جبلها الأخضر صيفا وشتاء، أو لا يكاد يصعد أحدهم عربة، حتى يجد غزالا يافعا، أو غزالة حورية في انتظاره، في هذه العربة الزجاجية.. والغزالة أجمل وألطف، ولقاؤها مما يستحب ويستطاب على كل حال..!
üassahm2001@maktoob.com
فاكس: 7361552 02

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved