أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 25th June,2001 العدد:10497الطبعةالاولـي الأثنين 4 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

قراءة في كتاب إمارة آل رشيد
تأليف الأستاذ محمد الزعارير2
عبد الله الصالح العثيمين
تضمنت الحلقة الأولى من هذه القراءة إشارة إلى محتويات كتاب المؤلف الكريم، الأستاذ محمد الزعارير، وما ورد في تقديم الأستاذ الدكتور عبد الكريم غرايبه للكتاب المتحدث عنه، وما ذكره الأستاذ الزعارير في مقدمته، وفي الفصل الأول من كتابه.
ولقد وضع الأستاذ الزعارير عنوان الفصل الثاني من كتابه «بروز إمارة آل رشيد» وقد يظن من يقرأ هذا العنوان بأن كاتبه سيتحدث عن كيفية مجيء آل رشيد إلى الإمارة، أو عن نشأة امارتهم. لكنه لم يقتصر في حديثه على هذا الأمر، وإنما تجاوزه إلى الحديث عن جميع أمراء آل رشيد حتى نهاية امارتهم في عهد الأمير محمد بن طلال سنة 1340ه.
ولقد ورد في هذا الفصل قول الأستاذ الزعارير )ص 49(:
«أما الظروف السياسية التي كانت عليها الجزيرة العربية ونجد عشية ظهور الحركة السلفية )يقصد دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب( فتمثلت بعدم وجود سلطة مركزية موحدة في نجد وظروف اقتصادية صعبة مما ترك أثراً واضحاً في نفوس السكان حاضرة وبادية ورسخت فيهم النزعة الاستقلالية المتمسكة بكيانات صغيرة. فالعلاقات بين القبائل النجدية كانت سيئة بصفة عامة، والقوة هي الفيصل فيما يحدث من نزاع والذي كان سببه في غالب الأحيان النزاع على موارد المياه والكلأ، وطمع البعض لاحتلال مركز الصدارة فيها».
وقد ذكر الأستاذ الزعارير في الهامش انه اعتمد في الكلام السابق على ابن بشر، وعبد الكريم رافق، وكاتب هذه السطور في كتاب تاريخ المملكة العربية السعودية. وبالرجوع الى ابن بشر يتضح انه لم يقل ما ذكر الأستاذ أنه قد ذكره.
والواقع ان الكلام الذي أورده يكاد يكون نقلاً حرفياً دون وضع ما يدل على أنه مقتبس آخره من كتاب تاريخ المملكة، وأوله من كتاب نشأة إمارة آل رشيد، الذي لم يشر اليه في هذا الموضوع. فقد ورد في تاريخ المملكة الطبعة الأولى )ج 1، ص 46(:
«وكانت العلاقات بين القبائل النجدية سيئة بصفة عامة، وكانت القوة هي الفيصل فيما يحدث بينها من نزاع.. وقد تعددت القبائل المتنازعة حول موارد المياه ومواطن الكلأ في نجد، وطمح بعضها الى احتلال مركز الصدارة في هذه المنطقة.
وورد في كتاب نشأة امارة آل رشيد )وهي الطبعة التي استخدمها في بحثه، ص 1(:
«وكان لعدم وجود سلطة مركزية في منطقة نجد عدة قرون متتالية، وللظروف الاقتصادية الخاصة بها، أثر واضح في نفوس سكانها، حاضرة وبادية، فقد رسخت فيهم النزعة الاستقلالية المتمسكة بكيانات صغيرة، وتعمق لديهم الشعور السلبي تجاه الاندماج في كيان كبير موحد يستظلون بظله».
قال الأستاذ الزعارير )ص 50(:
«عقد بين الطرفين )محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب( اتفاق مشهور كانت أهم بنوده أن تعهد محمد بن سعود بمناصرة الشيخ وتعهده لحمايته وحماية دعوته والجهاد في سبيل نشرها مقابل ألا يمنعه الشيخ من أخذ ما فرضه على أهل الدرعية عندجني الثمار، وأن يبقى الشيخ في الدرعية وأن لا يغادرها، وأن تكون أمور السياسة في الدولة بيد محمد بن سعود وذريته من بعده وأن تكون الشؤون الدينية بيد محمد بن عبد الوهاب وذريته من بعده. ولم تشر المصادر إلى تاريخ هذا الاتفاق، وانما اكتفت بالاشارة الى أن هذا الاتفاق كان شفهياً بالحلف وبحضور شهود».
وقد وضع رقماً بعد كلمة «يغادرها»، وأشار في الهامش الى أنه اعتمد في ذلك على ابن غنام وابن بشر.
أما ابن بشر فقد ذكر ما قاله الأستاذ الزعارير. غير أن هذا الأستاذ لم يكمل عبارته التي لها دلالاتها الواضحة. فقد قال ذلك المؤرخ: إن الشيخ محمد قال للأمير محمد بن سعود: «أما الأول وهو ألا يغادر الدرعية فابسط يدك الدم بالدم والهدم بالهدم. وأما الثانية وهي منعه من أخذ ما كان يأخذه من أهل الدرعية وقت الثمار فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها. فوقع تحقيق ظنه رحمه الله». وبذلك يتضح ان اجابة الشيخ بالنسبة للمسألة الثانية لم تكن كما توهمه عبارة الأستاذ الزعارير.
وأما ابن غنام فانه لم يقل في تاريخه الحقيقي ما ذكره الأستاذ الزعارير، وتنبع المشكلة من أن الأخير اعتمد على ما نشره الأستاذ الفاضل الدكتور ناصر الدين الأسد على أنه تاريخ ابن غنام، «محرراً ومحققاً». وان من المؤسف حقاً ما وقع لهذا الكتاب التاريخي المهم. لقد اجتهد الدكتور الأسد بتأييد ودعم من الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ فأضاف الى تاريخ ابن غنام الحقيقي أموراً ليست منه، بل من تاريخ ابن بشر. ومن أمثلة ما أضيف إليه وهو ليس من كلام مؤلفه هذه المسألة الخاصة باشتراط محمد بن سعود على محمد بن عبد الوهاب ألا يمنعه من أخذ ما كان يأخذه من أهل الدرعية وقت جني الثمار.
وبالاضافات التي أضيفت الى تاريخ ابن غنام، وهي ليست منه، جُني عليه جناية تستحق ممن اطلع عليها أن ينبَّه اليها. ذلك أن طالب العلم سيظن أن كل ما في هذا الكتاب المنشور على أنه تاريخ ابن غنام، «محرراً ومحققاً»، هو من كلام ذلك المؤرخ. وهذا ليس بصحيح، وبذلك يتبين انه لا يصح الاعتماد على الكتاب على أساس أنه تاريخ ابن غنام.
ولقد اعتمد الأستاذ الزعارير على كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب فيما قاله عن اتفاق الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد على أن تكون أمور السياسة في الدولة للأول وذريته من بعده، والشؤون الدينية في يد الثاني وذريته من بعده. لكن هذا الأمر لم يذكره ابن غنام، أول من أرخ للشيخ ودعوته والدولة السعودية التي ناصرتها، ولم يذكره الفاخري، ولا ابن بشر، ولا غير هؤلاء ممن هم كانوا قريبين من مسرح الأحداث، ومن المرجح جداً أن مؤلف كتاب لمع الشهاب هو حسن الريكي، لا كما ظن الدكتور أبو حاكمة انه مجهول، اعتماداً، فيما يبدو، على مارجليوث. ومن تأمل ما كتبه مؤلف لمع الشهاب عن الشيخ محمد، نسباً ونشأة وتعلماً وأسفاراً تبين له فداحة الأخطاء الواردة فيه. وكان في طليعة من فند تلك الأخطاء الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، وممن أوضح كل ذلك مفصلاً كاتب هذه السطور في رسالته للدكتوراه التي حصل عليها من جامعة ادنبرا عام 1392ه/ 1972م، وهي التي تكون أساساً لكتابه )الشيخ محمد بن عبد الوهاب: حياته وفكره(، الذي صدرت الطبعة الأولى منه في القاهرة سنة 1399ه/1978م.
وكان مؤلف لمع الشهاب قد كتب تاريخه قبيل نهاية الدولة السعودية الأولى. ولعله رأى أن حكم قادة تلك الدولة كان في ذرية محمد بن سعود، وأن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قد خلف أباه في ادارة الشؤون الدينية، فظن أن هذا كان بناء على اتفاق سابق. والواقع انه لم يكن هناك اتفاق حول هذه المسألة، بل سارت الأمور سيراً كان هو المتوقع. فالذين خلفوا محمد بن سعود في الحكم كانوا من أسرة الإمارة في الدرعية التي احتضنت الدعوة وصاحبها، وكانوا مؤهلين للحكم، علماً وخبرة، وبخاصة عبد العزيز بن محمد بن سعود الذي خلف أباه في الحكم، والذي كان تلميذاً للشيخ محمد قبل انتقال الشيخ الى الدرعية.
والشيخ عبد الله بن محمد كان في طليعة علماء نجد في زمنه، علماً وفضلاً، فكان مؤهلاً لتولي ادارة الأمور الدينية. وما دام التأهيل موجوداً لدى نسل المتبايعين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب فانه كان من غير الوارد ألا تسير الأمور كما سارت. وقد أوضح كاتب هذه السطور هذه المسألة في الجزء الأول من تاريخ المملكة.
وقد ذكر الأستاذ الزعارير «ص 71» ان المصادر اغفلت تاريخ الاتفاق «التعبير بالمبايعة هو الأصح» بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب. والواقع ان ابن غنام، وهو المدون الأول لأحداث تلك الفترة، قد ذكر أن انتقال الشيخ محمد من العيينية الى الدرعية حدث سنة 1157ه/1744م، وأن محمد بن سعود ما ان سمع بوصوله الي بلدته ووجوده في بيت ابن سويلم حتى ذهب اليه ورحب به وتبايعاً )انظر تاريخ ابن غنام الصحيح، طبعة البابطين، ج 2، ص 34(.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved