أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 25th June,2001 العدد:10497الطبعةالاولـي الأثنين 4 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

نحو قرار استراتيجي في مسألة الإدارة..
القرار والمعادلة.. من يقضي على من؟ الروتين أم المواطن؟
د. علي بن شويل القرني
ماذا نريد من الروتين؟
هل هو غاية أم وسيلة؟
هل هو غاية نتوق إليها؟ أم هو وسيلة ننطلق منها لأهداف أخرى؟
لماذ يتشبث بهذا الروتين الموظف، ولماذا يمقت المراجعون هذا الروتين؟
أكثر من نصف مليون موظف حكومي يتعشعشون على الروتين الذي يصنع منهم أهمية كبرى، ويعطيهم الصلاحيات التي تضيف إليهم وتبرز مواقعهم وتجسد مكانتهم الاجتماعية بين الناس وبين الموظفين أنفسهم.. الروتين هو لعبة صنعتها البيروقراطية الحديثة لتنظيم الأعمال، ومع مرور الوقت تنامت هذه البيروقراطية وتعاظم شأنها إلى أن وصلت إلى مستوى مقيت ودرجة غير مقبولة بلغة العصر والتقدم والتطور الذي يشهده العالم.
نعم.. لقد تأسس الروتين الذي نحمله اليوم على قاعدة التأثر الذي اكتسبناه من الإدارة العثمانية ثم الإدارة المصرية وزدنا عليه بمفاهيم الإدارة السعودية كذلك.. وهكذا فنحن نراوح مكاننا غير مبالين إلا بمزيد من التعقيد وبمزيد من الاجراءات التي تطول ولا يمكن ان تقصر.. وتنمو ولا يمكن ان تتقلص.. وهكذا فكل يوم تضاف مهمة أو يزاد شرط أو نتوج فيه تعقيدا جديدا إلى قائمة التعقيدات السابقة.. وهكذا نقيس نجاحاتنا الإدارية بالكم الهائل من التوقيعات التي نضيفها إلى أوراق المراجعات.. فكلما زادت هذه التوقيعات وما يسبقها من تأشيرات فنحن بخير والحمد لله.. ويعني ذلك نجاح الإدارة في ان تحقق هدفها في تنظيم العمل والذي تفهمه على انه اشراك كل الموظفين في اتخاذ القرار ومراجعته والتحقق منه..
وهنا في هذا المقام أشير إلى محورين أساسيين في عمليات التجريف الروتيني من طمأنينة وراحة المراجعين مواطنين ومقيمين.. أولاهما انعدام الثقة في المراجع، وثانيهما تهرب الموظف من مسؤولياته.. أولهما يبرر مزيدا من التعقيدات، وثانيهما يعزز فكرة الخوف من اختصار الروتين.. مبدأ الشك وانعدام الثقة يفضي إلى مقاضاة المراجع ومحاكمته، ومبدأ الخوف من اتخاذ القرار يؤدي إلى رفض التطوير ومراجعة الأنظمة واختصار اجراءاتها من طرف الموظف.
* أولاً: الحالة الشكية:
ننطلق في تعاملاتنا مع المراجعين من مبدأ الشك إلى أن نصل الى حالة الثقة.. وليس من مبدأ الثقة حتى نصل إلى حالة الشك .. وهذا خطأ فادح نرتكبه مع الأجيال الحالية والأجيال المستقبلية.. فنحن ننمي فكرة الشك في مجتمعنا اكثر من أن ننمي فكرة الثقة.. وكلما زادت الاشتراطات الإدارية في معاملاتنا ومراجعاتنا ونمت تعقيداتها كلما يعني هذا أننا ننطلق من رؤية شكية نحو الآخرين وموقف ارتياب من الناس الذين نتعامل معهم، مواطنين ومقيمين.. ومن جرب الاجراءات الإدارية في الدول المتقدمة والتي ربما سبقتنا إلى صناعة الروتين الإداري وتخلت عنه لظروف العصر ومستجدات الحياة، يلاحظ ان منطلق التعامل يبدأ بفكرة الثقة.. فانت موثوق فيك وبكل المعلومات التي تقدمها حتى يثبت انك غير ذلك.. وهكذا وبناء على هذا المفهوم لايتم طلب اشتراطات كثيرة واجراءات معقدة لانهاء احتياجات الناس ومتطلباتهم الحياتية..
ونحن على الرغم من كوننا نعيش في مجتمع اسلامي فاضل والحمد لله إلا أننا نعمل عكس القيم التي نتوقعها في الناس.. وكأننا نقول بأن الإسلامية التي نتصف بها هي غير جديرة بالتصديق.. وكأننا ندعو فعلا إلى فصل الدين عن الحياة.. فأنت مسلم صحيح لكن أثبت أنك موثوق فيه.. أثبت ذلك بخطاب حسن سيرة وسلوك.. وبخطاب من العمدة.. وبشاهدين.. وبتصديق من امام المسجد.. وبتوصية من عملك.. وخطاب مخالصة من الغرفة التجارية أو الإدارة التي تنتسب إليها.. ثم أضف إلى ذلك ان تكون أوراقك أصلية ومصدقة من الجهات الحكومية المعنية، ومن الجهات الأهلية ذات العلاقة.. ومختومة بختم الإدارة العليا.. الخ..
أما هم في مجتمعاتهم المادية غير المسلمة فهم يكرسون مبدأ الثقة والمصداقية دون التفكير في الهوية الدينية أو العرقية أو الجنسية لمن يتعامل معهم.. ودون أن تكون هناك متطلبات تتم عن شكهم وارتيابهم في الآخرين مهما كان هذا الآخر.. وهكذا فنحن نعمل مع تلك المجتمعات في اتجاهات متعاكسة أحياناً.. فحري بنا أن نكون متساهلين أكثر وهم متشددون أكثر.. وواثقين اكثر وهم مشككون اكثر.. ولكن لعبة الروتين هي التي قلبت موازين العلاقة بين إداراتنا وبين مراجعينا..
ثانياً: التهرب من المسؤوليات..
إذا دخلت في حوار مع موظف مهما كانت رتبته ومقامه الوظيفي لتسأل لماذا هذا التعقيد والتباري في تطوير اساليب تعقيدية تعجيزية في بعض الأحيان؟ فالإجابة تطرح قضيتين متلازمتين، أولاهما أن الروتين يولد الحاجة إلى الموظف، وثانيهما كون الروتين يعمل كحصانة تحمي الموظف من المساءلة والاستجواب..
1 - نعرف ان كثيرا من الوظائف يتعشعش حولها وعليها الروتين.. فكلما زاد هذا الروتين زادت الحاجة للوظائف الحالية واستحداث وظائف جديدة حتى يمكن الايفاء بأعباء ومسؤوليات هذا التعقيد الإداري..
2 ان موضوع اختصار الاجراءات الإدارية عادة لا تكون غير واردة في ذهن الموظف، لان ذلك يعني تقليص عدد الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية تجاه هذا الموضوع.. فالتواقيع العشرون التي تحملها هذه المعاملة والتي قد يظهر منها خمسة على سطح الورق وتختفي الأخرى في أصل المعاملة هي المسؤولية عن هذه المعاملة.. وأي اختصار يعني ان المسؤولية ستتحدد في شخص أو اثنين فلماذا نعرض أنفسنا إلى هذه المسؤولية المباشرة وفي يدنا خيار ان نلج بأكبر عدد ممكن من الموظفين في دائرة المعاملة الواحدة.. مبدأ «تضييع الدم بين القبائل»..
* ماذا نريد؟
هذا هو سؤال كبير ويحتاج إلى قرارات كبيرة.. باختصار نريد تسهيل المراجعات للمواطنين فبدلا من ان يقضي أياما في متابعة شأن معين نريده ان يقضي يوما.. وبدلاً من ان يقضي يوما نريده ان يقضي ساعة واحدة.. ولربما دقائق لانجاز مهمة وقضاء شأن معين له؟ هل يمكن ان نستصدر قراراً عاما في كل شؤون الدولة باختصار اجراءات المراجعات إلى النصف؟ أي القضاء على خمسين في المئة من الروتين.. هل يمكن ان نسعى إلى تحقيق ذلك كمرحلة من المراحل؟ فيما أظن ان ذلك ممكن إذا صدرت التوجيهات العليا بذلك.. ونحن نعلم فعلا ان القيادة العليا في بلادنا والحمد لله حريصة كل الحرص على تسهيل اجراءات المواطنين وراحتهم.. ونذكر في هذا السياق توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في ضرورة انهاء اجراءات المواطنين المتعلقة بالديوان الملكي وديوان سمو ولي العهد.. وكتبت في حينها مقالا عن ان «يوم الحكومة بسبعة أيام» وليس يوم الحكومة بسنة كما نتناقله في مجالسنا وشؤوننا الخاصة.. واليوم نحتاج فعلا إلى قرار حاسم في مسألة الروتين الذي يقض راحة المواطن ويعكر صفوه وراحته، ويقلق يومه ومستقبله.. ونحن نعلم علم اليقين ان مسألة الروتين هو صناعة الإدارة الدنيا وليس الإدارة العليا.. ولهذا فتوجيهات القيادة العليا في هذا الاطار تحسم القضية لصالح المواطن.. ثم يأتي سؤال هل القضاء على نصف الروتين يعني اختصار خمسين في المئة من الوظائف الحكومية؟ هذا سؤال مهم ولاشك ان ذلك سيؤدي إلى توفير كثير من الوظائف التي ربما يتم توجيهها إلى إدارات أخرى نحن نكون في أمس الحاجة إليها.. ونكون في نفس الوقت قد اتخذنا قرارا يصب في مصلحة المواطن كما تعودنا على ذلك من قيادتنا الرشيدة.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved