أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 3rd July,2001 العدد:10505الطبعةالاولـي الثلاثاء 12 ,ربيع الثاني 1422

فنون مسرحية

جامعة الملك سعود تغلق شعبة المسرح وترحل الأكاديميين
رسالة حزينة بين أنقاض شعبة المسرح
* الرياض - خاص:
عثرنا بين أنقاض شعبة المسرح بجامعة الملك سعود التي حجبها قسم الإعلام مؤخراً على رسالة وداع حزينة كتبها الدكتور جمال قبّش أستاذ المسرح بالقسم وآخر المرحلين من القسم يشرح فيها تداعياته حول سقوط المسرح الأكاديمي في صرح ثقافي مهم.. بلغت 45 نسخة موجهة لكل أفراد القسم وكل المعنيين بالمسرح.
هنا النص الكامل للرسالة
الأخوة الزملاء في قسم الإعلام المحترمين
سلام الله عليكم وبعد،
وكما يقال فإن لكل بداية نهاية، وها أنا في أيامي الأخيرة معكم. في هذه المناسبة أتوجه إلى كل فرد فيكم مصافحا إياه وبحرارة وشاكراً على هذه الأيام التي قضيناها معا، لقد كانت وبالفعل أياماً غنية.
أسعدت بالتعرف عليكم، بالتواجد والعمل معكم. ولكني، أقولها وبصراحة أغادركم وأنا حزين لأنني أغادر في اللحظة التي تم فيها القضاء وبشكل نهائي على شعبة المسرح. لقد أخذ القرار «بقتل» شعبة المسرح )وهنا أفضل استخدام كلمة «قتل» بدلا من «الحجب»، وكنت وللأسف كباقي الزملاء شاهدا على عملية القتل هذه!!! ومع ذلك لم يحرك أحد ساكنا...!!!؟؟؟ قيل لي، وبشيء من اللوم والاستغراب، انني وقعت وكباقي الزملاء على قرار «القتل» أو الحجب هذا!!! وعندما سألت وتحريت عن محضر هذا القرار لم أجد له أي وجود؟؟؟؟ ولكن هل يعقل أن أقوم بالتوقيع على مثل هذا الأمر؟؟؟؟
لقد فقد قسم الإعلام أحد «أطفاله» ولم نقم الحداد اللازم لذلك أو حتى لم نشيعه إلى مثواه الأخير! كان قسمكم يسير على «أربعة شعب» وهاهو الآن يعرج دون أن يشعر بذلك أحد. عندما كان يذكر اسمها بين أخواتها في القسم، فإن اسمها لا يذكر ودائما إلا في الأخير!! لقد كانت هذه الشعبة ضعيفة هزيلة، ربما لأنها لم تجد التربة الخصبة والمناسبة والدعم الكافي والعناية الجيدة لكي تعيش وتبقى.
قد يقول قائل: ليس هناك من طلبة في هذه الشعبة الفقيرة، وإن هذا هدر للمال والطاقات!! وأنا أجيب بأن الأكاديميات المتخصصة في هذا المجال إن كان في العالم الغربي أو العربي، لا تستقبل إلا أعدادا قليلة من الطلبة سنويا ) من خمسة إلى عشرة طلاب في العام(، ولا تستقبلهم إلا بعد امتحان شرس لثقافتهم ،موهبتهم، وأن هذا لايتم إلا بعد مسابقة يعلن عنها مسبقا في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة. وقد يقول آخر أنه ليس بالإمكان أن يكون هناك مسرح بدون نساء، وهنا أجيب بأن جميع مسارح العالم الغربية وحتى العربية قد مرت بمثل هذه الظروف، ومع ذلك استطاع المسرح أن يصمد ويتابع رحلته عبر التاريخ ولم يقف في طريقه أي عائق: لقد كتب شكسبير «روميو وجوليت» وهو يعلم بأن دور جوليت سيقوم به ولد يافع! ومع بداية المسرح في سوريا، أي قبل 150 عاماً تقريباً، اعتمد المسرحيون هناك على أولاد يافعين أيضاً، بل أنهم كانوا يجلبون الممثلات من بيروت، وهذا ما نراه يحدث الآن في الأعمال الدرامية التلفزيونية السعودية حيث نرى المخرجين السعوديين وبعد كل هذا الوقت من الزمن، يقومون بإحضار ممثلات من سوريا؟؟؟
أقول، وبكل صراحة، انني كنت مبهورا من الصروح الحضارية في بلادكم والمسارح التي شاهدتها والمجهزة بأفضل المعدات المناسبة هي أفضل بآلاف المرات من المسارح الموجودة في العالم العربي وربما في بعض دول الغرب، ولكني ، وهذا ما حز بنفسي، لم أر الإنسان السعودي المجهز علميا وفكريا ومهنيا لقيادتها وإدارتها. وفي جامعتكم الموقرة والتي تعد من أجمل الصروح العلمية النيرة التي شاهدتها في حياتي، نرى أن أكبر قاعاتها هي قاعة المسرح، ولكن وللأسف هي من أكثر القاعات إظلاما طيلة العام الدراسي!!!
كلنا يعلم ما للمسرح من دور في عملية الاتصال والتواصل، ما للمسرح من دور في التربية والفائدة والمتعة، وما للمسرح من دور في عملية البناء والتعليم والتحضر... وهنا أذكر ما قاله سقراط في هذا الأمر عندما سئل: متى علينا أن نبدأ بتربية أطفالنا؟ فأجاب وبدون تردد: قبل ان يولدوا بمئة عام. وهنا استغرب الحضور وقالوا: كيف ذلك؟ فأجاب سقراط: علينا أن نربي أباءهم وأجدادهم قبل ان يولدوا.
إن قوة الإنسان السعودي من قوة الإنسان العربي، وقوة المسرح السعودي من قوة المسرح العربي والثقافة العربية. لهذا أتوجه إليكم، إلى كل فرد فيكم، وإلى مجلسكم الموقر من أجل وضع هذا الموضوع على بساط البحث ومناقشته بكل جدية وضمير نابع من المسؤولية والحس الوطني العميق، فإما إن تلغى شعبة المسرح وبشكل نهائي )حتى يتسنى لجامعات أخرى في المملكة إنشاء شعبة أو قسم لديها للمسرح، لأن حجب الشعبة يقطع الطريق على جامعات أخرى بتبني فكرة إنشائها لديهم( أو ينظر وبكل جدية بالمعايير الواجب اتخاذها من أجل إعادة بنائها وتكوينها وبشكل صحيح، لأن قوة وأهمية قسمكم لايكمن إلا بتواجدها وحضورها.
وبعد كل هذا، أرى فيكم من سيبتسم أو يضحك عند سماع أو قراءة كلماتي هذه، وأرى فيكم من يفكر ويتأمل، وهناك ومن دون أدنى شك من لا يبالي بما يحدث!!!
لقد كنت حريصاً على بقاء هذه الشعبة حية، لأنني كنت متأملاً ان تعود للحياة، كنت متأملاً أن يعطى لها جرعة للبقاء، جرعة للحياة... ولكن هذه الجرعات لم تكن إلا جرعات قتل وفناء!!!
وبدلا من أن تمنحني الجامعة والممثلة بقسمكم الموقر كتاب شكر على عملي معكم طيلة هذه السنوات، فإن طريقة فسخ عقد العمل معي كانت وبكل صراحة فجة وغير متوقعة كنت أتمنى أن يطلب مني تقديم استقالتي بدلا من هذه الطريقة الفجة والتي أراها غير إنسانية بعد هذا العمر الذي قضيته معكم في خدمة القسم!!! صحيح أننا ندرس كيفية التواصل «الإنساني» للطلبة، ولكن على ما يبدو، أننا لا نعرف كيف نتواصل فيما بيننا؟؟؟
قبل الختام، أود أن أشكركم على الحفل الذي أقمتموه من أجلنا نحن الذين ندرس المسرح، لم يحدث قط أن أقام القسم وعلى مدى أسبوع حفلين متواصلين للتوديع، ولم يحدث ان شاهدنا أغلب الزملاء، وحتى لانقول الجميع، في مثل هذه الحفلات، إننا لم نرهم مجتمعين وبمثل هذا العدد في أي من اجتماعات القسم!!! إن دل هذا على شيء فإنه يدل وعلى الأقل في نظري عن مدى حبكم لإغلاق شعبة المسرح، وان حضوركم، وبهذا الحشد الكبير، لم يكن ، وعلى الأقل بالنسبة لي، إلا تشييعا لشعبة المسرح لمثواها الأخير؟؟
أرجو ان تعذروني على صراحتي، وصراحتي هذه ناتجة عن إيماني بأهمية المسرح في بناء الإنسان.
في اللحظة التي ستقرؤون فيها رسالتي هذه، أكون فيها قد غادرت بلادكم العزيزة.
وفي النهاية يجب ان تعلموا بأن المسرح باق وإلى الأبد لأنه الحياة.
الدكتور جمال قبّش
الرياض 2/4/1422ه.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved