أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 5th July,2001 العدد:10507الطبعةالاولـي الخميس 14 ,ربيع الثاني 1422

الثقافية

هكذا
)11( نساء صغيرات
فهد العتيق
** في العام الماضي كنت مهموماً ببناء سكن خاص، كنت أخرج يوميا من العمل مباشرة الى الموقع، والعصر لشراء طلبات المقاول، ثم الغداء، ثم راحة، وفي المساء شراء بقية الطلبات أو اتصالات للتنسيق بين أعمال الكهرباء والسباكة وبقية الأعمال الأخرى التي تحتاج الى متابعة، وفي نفس الوقت كنت الناطق الرسمي، عفواً، السائق الرسمي للعائلة، مشاويرها، طلباتها اليومية، الى آخره..
أضف الى ذلك «هم» الزاوية الأسبوعية التي استمرت دون انقطاع رغم كل هذه الزحمة، بل كنت أراها تجدد نفسها كلما كنت أكثر انشغالا عنها، أو عندما اكتبها في اللحظات الأخيرة، فأحيانا عندما تأخذ وقتك كاملا لانجاز كتابة زاويتك فإنها تأتي أقل مما تتوقع، وأحيانا في «عز» الظروف والانشغال تأتي - هذه الزاوية - بأفكار لم تتوقعها وبروح جديدة. المهم هنا أنه وسط هذه الزحمة وهذه الانشغالات، كانت هناك امرأة صغيرة لم أحسب لها حسابا، فقد كنت صديقا وفيا ومهما لغادة الصغيرة قبل مشروع البناء، ولاحظت هي انشغالي عنها، وبدأت في تأنيبي بشدة، لأنني لم أعد أحضر لها كل ما تريد، أو كل ما تعودت عليه ولم أعد التفت لها كثيرا، وبدأت «لهجتها» تأخذ طابعاً عدوانيا معي، وبدأت أحيانا تضربني حين أصل متأخرا ومتعباً منتصف العصر، وأظن أنها فقدت ذلك الجو الاحتفالي وفقدت ذلك الاهتمام الكبير، وبعد تلك الحادثة التي ضربتني فيها حاولت أن أغير من طريقتي معها.
وأذكر أنني ذات عصرية ساخنة من العام قبل الماضي دخلت البيت وأنا أمثل دورا جديداً، لم أكلمها، صعدت الى غرفتي مباشرة، غيرت ملابسي، قلت في نفسي: مثل هؤلاء النساء الصغيرات بحاجة الى طريقة جديدة في التعامل، طريقة يفترض أن تكون أقل لينا حتى تعرف على الأقل شيئا مهما، وهو أنه ليس بكل الأحوال تتحقق كل طلباتها، يفترض ان تعرف أن هناك ظروفاً في الحياة يجب ان نتكيف معها، يجب ان تعرف أنني رجل طيب وأحبها، ولكنني لست كذلك دائما، وهي تعرف كيف دافعت عنها عندما قالوا لها ذات مرة «دلوعة بابا»، والآن علينا جميعا أن نبدأ أسلوباً جديداً في الحياة ومتوازناً، كل هذه الهواجس كانت في «دورة المياه» وأنا أغسل متاعب هذا اليوم العالقة بشعر رأسي، كان الماء بارداً وكنت أشعر أنني استطيع اقناعها بكل تلك الأفكار رغم عمرها الصغير، فلغة التخاطب بيننا دائما واضحة وكأنها بين ندين كبيرين في العمر وفي التجربة.
بعد هذه الهواجس نزلت الى الأسفل للغداء، ولم أجد غادة، سألت أمها قالت لي أخذت حقيبتها وملابسها وتريد أن تذهب الى خالتها وأنها قالت بالحرف الواحد: أخبري «بابا» أنني لن أعود مرة أخرى الى بيته!!، ورنت كلمة «بيته» في أذني بقوة، وتساءلت: ألهذه الدرجة وصلت الأمور، بيته وليس بيتنا؟!.
بدأت أشعر بالاحباط وبدأت انسى كل تلك الهواجس التي دارت بيني وبين نفسي وانا ابدل ملابسي قلت انها الآن قطعت علي الطريق من بدايته وبدأت اظن انه من الصعب ان تتغير طريقة تعاملي مع غادة من الصعب ان احاول تغيير ما تعودنا عليه سوية من الخطأ محاولة تغيير كل ذلك، الصح ان تظل مكانة غادة كما هي مهما كانت الانشغالات الصح ان تظل غادة رقم واحد دائما على حساب اشياء كثيرة مهمة، الصح ان تظل العلاقة بيننا كما كانت مليئة بمشاعر الحب والاحتفال والبهجة حتى لو عدت الى المنزل منهمكا ومتعبا، الصح ان اظل انا كما انا وتظل غادة كما هي «دلوعة» صغيرة لا تنتهي طلباتها وأنا لا تنتهي متاعبي ومباهجي معها.
ذهبت اليها في الغرفة الاخرى دخلت وجدتها جالسة على حقيبة ملابسها تنظر في الفراغات المظلمة امامها بانتظار خالتها قلت لها: انا آسف، لم ترد، اقتربت منها قبلت رأسها ويديها قلت لها: لن اتأخر بعد الآن وسوف احضر كل ما تريدين وسوف تخرجين معي الى كل مكان قالت: كذاب، قلت: والله العظيم، قالت: «عطني فلوس اشوف»، اعطيتها ما في جيبي اخذتها ووضعتها في حقيبتها ثم قالت: «نشوف» لكنها لم ترض عني بعد، حتى عادت المياه لمجاريها بعد عدة ايام وبدأت من جديد أضعها في سلم الاولويات والاهتمام وبدأت ادرك انك تستطيع ان تحاول تغيير اي شيء الا امرأة صغيرة لها نور خاص كأنك على وشك ملامسته أحيانا.
روح أخرى:


تعال.. او نأتي سويا،
فهذا قدر في الجبين،
يكون الحلم من صنعك،
وتكون انت آخر الحالمين،
قدر في الجبين،
ان ترى،
وتكون آخر الشاهدين.
تعال او نأتي سويا،
ترسم طيرا يحلق في الاعالي،
ترسم موسيقى،
ترسم ابنة الجيران،
وتنام.

ص ب: 7823 الرياض: 11472
fahad.ateq@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved