أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 7th July,2001 العدد:10509الطبعةالاولـي السبت 16 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

الأمير عبدالله يدير الأزمة الثالثة ببراعة
د. عبدالله بن موسى الطاير*
تتسم السياسة السعودية بهدوئها وانها سياسة تعمل دون إثارة أو ضجيج على تحقيق مصالحها الوطنية والقومية والأممية والإنسانية، وهي رغم عدم ميلها إلى تسجيل المواقف المعلنة ذات الشعارات الملهبة لعواطف الناس تتمتع هذه السياسة بعمق وتتمحور حولها معظم الطروحات السياسية التي تخص قضايا مهمة مثل قضية الشرق الأوسط او الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف.
لكن هذه السياسة خرجت عن صمتها في ثلاث ازمات كانت الأمة فيها بين ان تكون أو لا تكون اول ذلك حرب رمضان عام 1973م والتي قادت فيها المملكة الدول الإسلامية والنفطية والعربية لتسجيل نصر عظيم وابلاغ العالم رسالة محددة أن الاسلحة جميعا مشرعة ومشروعة عندما يصل الأمر إلى استهداف الكيان ويتعرض للمبادئ، وقد كانت السياسة السعودية آنذاك هي الكلمة المسموعة والصوت السعودي هو السائد في غير سفسطة ولا تهور ولا تفريط، وقد كان الملك فيصل يرحمه الله هو مهندس الموقف.
أما ثاني المواقف التي خرجت فيها السياسة السعودية عن صمتها التقليدي فهو اجتياح القوات العراقية للكويت وطرد شعب وتقويض كيان دولة، وكان لابد للمملكة من ان تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتقف مع المظلوم في وجه الظالم، وكان لها ذلك حتى عادت الكويت حرة مستقلة، وقد كان الملك فهد يحفظه الله هو فارس التحرير الذي تحمل من اجل قراره التاريخي الكثير من العناء والجهد، ولكنه في سبيل مبدأ هذه البلاد وصل بالسفينة إلى بر الأمان.
وعندما وصل التعنت الإسرائيلي إلى مستوى لا يمكن السكوت عليه، واصبح مصير القدس والمسلمين والعرب في فلسطين لعبة في يد المجرمين امثال شارون، كان لابد للمملكة ان تسجل موقفا للتاريخ، وهذه هي المناسبة الثالثة التي تخرج فيها المملكة عن سياستها الهادئة لتقول لا وبالصوت الذي يسمعه الأصم. وقد كان الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بطل هذا الموقف. وعلى الرغم من ان هناك من يحاول اجترار تفسيرات غير ناضجة لهذا المسلك السياسي السعودي وهناك من يحاول توظيفه لمرض في نفسه، فإن أدوات السياسة السعودية ايا كانت وتيرة ادائها تستند إلى وعي سياسي متوازن يحكمه العقل والمنطق والضمير، ففي تحليل لوكالة رويترز باللغة الإنجليزية ما نصه «إن ذلك البطل العربي الاصيل لا يمكن ان يغض الطرف عن حقيقة ان إسرائيل تهين العرب، ومع ذلك فإنه واقعي يتعامل مع الأمور بحكمة تخدم مصالح بلده»، وهي تعني بذلك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز.
وتواصل الوكالة: «ان هذا الرجل القوي الصلب، رغم هذا الغضب الذي يبديه، يترك القنوات الدبلوماسية التقليدية مفتوحة»، وهذا يعطي انطباعا بمدى وعي ومسؤولية السياسة السعودية التي لا تتصرف من أفق ضيق وبطريقة تكتيكية في غياب استراتيجية تحمي مصالح الوطن والأمة، فالأمير عبدالله وبحسب الوكالة نفسها يستجيب للمتغيرات من حوله، ويتفاعل مع الغضب العربي العارم ويشعر بآلام الفلسطينيين ولكنه لا يجازف بعلاقات بلاده ومصالحها، وقد كان هذا واضحا في حديثه لجريدة الفايننشال تايمز عندما اكد ان الزيارة لأمريكا التي لا تتم اليوم تتم غدا، المهم المصالح واجواء الزيارة التي تضمن نتائج مثمرة، وقد وصف البترول في نفس حواره مع الجريدة بأنه سلعة استراتيجية ليس اكثر، وهو يبعث الاطمئنان عند المنتج والمستهلك ويحافظ على استقرار السوق العالمية والاقتصاد الدولي، ويقرأ بفكر ثاقب وتوازن مثالي البيئة القريبة والبعيدة من حوله.
فالسياسة السعودية التي تعبر عنها تصريحات الأمير عبدالله بن عبدالعزيز تبعاً لتحليل وكالة رويترز «تعكس بصدق الغضب السعودي، وتؤكد على دور المملكة ومسؤوليتها كمهد للإسلام وثقل عربي لا يمكن تجاهله»، ولقد أسَر الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والحديث هنا للوكالة نفسها أفئدة العرب والمسلمين بمواقفه من إسرائيل ومن مؤيديها»، ولقد كانت اكثر تصريحات الأمير عبدالله إلهابا لمشاعر الأمة عندماقال «دع شارون يعمل ما بدا له، فربما يكون اليوم له، ولكن غداً إن شاء الله سيكون لنا، وكل قطرة دم سفكت على الأراضي العربية سيدفع من سفكها الثمن»، وهذه العبارة إذا ما توقفنا حيالها تحمل مضامين ايمانية، واستراتيجية وتاريخية لا يمكن تجاهلها.
فإذا قرأنا حديث الأمير عبدالله لصحيفة الفايننشال تايمز نجد ان الأمير قد واجه الإعلام الغربي بمفاهيم خارجة عن السياق المعرفي والثقافي الغربي، ولكنها أمور تؤثر في سياساتنا واعرافنا الدبلوماسية، ومثلما فُرض علينا ان نتلقى الكثير من المفاهيم الغربية، عليهم هذه المرة ان يستمعوا وبإنصات لما لدينا، ومما طرحه الأمير عبدالله من مفاهيم: الدين، ومكانة القدس بالنسبة للمسلمين وخصوصا عندما قال:« إن القدس جزء من ضمير كل مسلم.. يتخلى عن الاهتمام به فقط حين يفتقد مثل هذا الضمير»، والمفهوم الثاني هو الأنفة، وهو شيء مسقط من قاموس السياسة الغربية، التي دائما ما تعرف السياسة من خلال المصالح فقط، فقد بدا هذا المفهوم واضحا حينما قال: إنه طالما فكرت إسرائيل في نفسها تحكم المنطقة وتملي ارادتها على شعوبها فلن يتحقق الاستقرار، وقوله: «لا يهمني من يحكم إسرائيل بقدر ما يهمني احترام إسرائيل التزاماتها»، وثالث المفاهيم التي قدمها الأمير عبدالله من وجهة نظر سعودية هي الضمير الإنساني والأخلاقي الذي يتعامل به الغرب فقط عندما يحقق مصالحه، فإذا تعارض مع مصالحه فإنه يشطب من قائمة الأولويات.
لقد عمل الأمير عبدالله في حواره على تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة، ومنها القومية، فالرجل يفرق بين قومية حقيقية تقوم على مبادئ واضحة، وأخرى عمياء مضلة، وهو يرفض الثانية في تعامله مع القضية الفلسطينية. واوضح الدور الأوروبي في قضية فلسطين، بأن «أوروبا تتحمل مسؤولية اخلاقية وسياسية، فجذور ما تعاني منه المنطقة يعود إلى مرحلة سيطرة استعمارية أوروبية»، وذكر الغرب بدوره الاخلاقي في ظل ما يعلنه من قيم إنسانية، ومن المفاهيم التي صححها سموه هو ان النفط سلعة اقتصادية استراتيجية ليس أكثر، وهو بذلك يضع حدا للتكهنات هنا وهناك.
وتعمد الأمير عبدالله ان يضع الأمور في نصابها الطبيعي، حيث أكد على الأبعاد الإنسانية لما يمارس من قهر واضطهاد في فلسطين وهي ابعاد يفترض ان الغرب من أكبر المدافعين عنها والحامين لها، كما اشار إلى حقوق الإنسان التي يوليها الغرب كل الاهتمام، وكأنه يتساءل عن التعريف المنطقي لهذه الحقوق، ولنا ان نتساءل معه عن طبيعة مصطلح حقوق الإنسان الذي يوظف لحماية حقوق المجرمين ويتجاهل الضحايا.
وتحدث في غير إجابة عن الموقف الاخلاقي للغرب، وعن خطط السلام وإسرائيل ومدى جديتها في احترام التزاماتها.
والتساؤلات التي نسجها الأمير عبدالله حول جدية إسرائيل في بحثها عن السلام تساؤلات مبررة خصوصا عندما تتهم المملكة بالتشدد في عملية السلام. نحن جادون في اعادة الحق لأصحابه، وعودة القدس إلى الحظيرة الإسلامية، وعودة الأرض إلى أصحابها ليس لدينا في المملكة مطالب شخصية، ولكننا لا نساوم على هذه الثوابت، فهل إسرائيل جادة؟ «وهل المتشدد هو من يؤمن بالسلام العادل واحترام المواثيق والعهود ام من يتحدث عن تدمير السد العالي، وشن الحروب ووصف العرب بالثعابين، ويدعو إلى احتلال وتدمير السلطة الفلسطينية كما جاء على لسان وزراء ومسؤولين إسرائيليين». لقد أطلق بول فنزلي عضو مجلس الكونجرس الأمريكي لمدة ربع قرن تقريبا وصف الدولة الخارجة عن القانون على إسرائيل، ووصف جيمس مورات عضو الكونجرس الديمقراطي زيارة شارون إلى امريكا بأنها بحث عن رخصة للقتل.. ولعلي هنا أشير إلى الأساس الذي تقوم عليه سياسة الدولة الصهيونية في مقتطفات من كتابهم المقدس والمحرف بالتأكيد «التلمود» حيث يحدد علاقة اليهود بغيرهم من مسلمين ونصارى على «ان اليهود احب إلى الله من الملائكة، هم من عنصر الله، كالولد من ابيه» وهم بذلك يضعون مكانتهم السامية فوق كل البشر، وفضلهم على غيرهم محدد على نحو ان «اليهود يفضلون الامميين «غير اليهود» كما يفضل الإنسان الحيوان، والأمميون جميعاً كلاب وخنازير، بيوتهم نجسة كحظائر البهائم» إذاً فلا غرابة ان يصفنا بعض رجال الدين اليهودي بأننا ثعابين، فذلك الوصف يعتبر معتدلاً جداً، أما طبيعة العلاقة مع المسلمين ومع امريكا وأوروبا فهي علاقة دينية بحتة، ولكن لعبة المصالح يمكن ان تسترها بما هو أقبح منها، تلك العلاقة تؤكد على انه «يحرم على اليهودي ان يعطف على الاممي لأنه عدوه وعدو الله، فكل خير يصنعه يهودي مع اممي هو خطيئة عظمى، وكل شر يفعله معه هو قربة إلى الله يثيبه عليها»، إذاً فاليهودي الذي قتل محمد الدرة وقتل الأطفال في المهد يتقرب بذلك إلى ربه، وهذا ما يبرر وحشية اليهود الذين يتقربون بذبح المسلمين في فلسطين. وإذا عدنا مرة أخرى إلى موقف المملكة من الأحداث الجارية نجده كما قال الأمير عبدالله «لا ينظر إلى القضية من منطلق قومية عمياء، ولا من منطلق عاطفي اهوج، ولكنه موقف تمليه مصلحة المنطقة ويؤطره الضمير».
وها نحن وللمرة الثالثة في عهد الدولة السعودية الثالثة نقود السياسة والدبلوماسية العربية والإسلامية باقتدار، لنبرهن اننا الركن السديد الذي يأوي إليه المسلمون عندما تختلط الأوراق، وتنعدم الرؤية ويصبح المجال مجال اتخاذ مواقف تحدد مصير القضايا العربية والإسلامية.
*/ واشنطن
aaltayer@aol.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved