أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 15th July,2001 العدد:10517الطبعةالاولـي الأحد 24 ,ربيع الثاني 1422

وَرّاق الجزيرة

النجديون وعلاقتهم بالبحر
نشطت في الآونة الاخيرة الدراسات التي تناولت النجديين ونشاطاتهم خارج منطقتهم نجد، وهي نشاطات تجارية في غالبها اذ انه نتيجة لما عاناه النجديون وما شهدته نجد في قرون خلت من شظف في المعيشة ونقص في الاموال والثمرات فقد اندفع العديد من سكانها الى الهجرة والاغتراب عنها سنوات طويلة بحثا عن الرزق الكريم وطلبا للمعيشة فذرعوا البيداء وشقوا الطرق وركبوا المخاطر متجاوزين البحار الى ما وراءها عسى ان يظفروا بدراهم معدودة يعودون بها الى اهليهم في نجد وقد عبر عن هذه الظاهرة العديد من الشعراء النجديين في قصائد باكية شاكية كتبوها بدموع المحاجر صوروا من خلالها حياة الغربة والبحث في دروب المجهول وعبروا فيها عن مدى الشوق والهيام لديار نجد ومن سكن الديار. ومن هذه الدراسات التي تناولت النجديين ونشاطاتهم خارج نجد الدراسة التي انجزها الاستاذ الباحث عبدالله بن عبد العزيز الضويحي وقدمها في كتابه النجديون وعلاقتهم بالبحر الذي صدر مؤخرا ونفذت نسخه من المكتبات في فترة وجيزة نظرا لما تمثله هذه الدراسة من اهمية لدى النجديين اضف الى ذلك انها تناولت موضوعا لا يزال بكرا. وقد تفضل الاستاذ الباحث اذ اهداني - مشكورا - نسخة من كتابه وحيث سئلت عن الكتاب وطلب مني مرات عدة من قبل عدد من الباحثين والمهتمين فسألقي الضوء على المحاور التي تناولها المؤلف في كتابه. صدَّر المؤلف كتابه في تقديم عذره واعتذاره عن تقصيره في لمّ شتات الموضوع واشباعه وعدم ذكره للكثيرين ممن مارس مهنة الغوص من ابناء نجد وعدم توسعه في ذكر الكثير من قصصهم المثيرة مع البحر وذكر ان ما أورده في كتابه ماهو الا نزر يسير مؤملا اكمال البقية في الطبعة القادمة وعلى الرغم من هذا الاعتذار الجميل الا ان الكتاب من وجهة نظرنا اضافة مهمة للمكتبة التي ظلت بحاجة ماسة لمثل هذه الدراسة وموضوعها الاكثر اهمية. اعتمدت الدراسة في اغلب فصولها على العمل الميداني اذ قابل المؤلف العديد من ابناء نجد خاصة ابناء مدينته مرات الوشم الذين سبق لهم استخراج اللؤلؤ من قاع البحر ومغاصاته كما قام بزيارة الخليج العربي حيث زار قطر والبحرين والتقى بالباحثين هناك وزار مراكز التراث الشعبية والمتاحف في الدولتين الشقيقتين. اشتمل الفصل الاول على تعريف للغوص لغة واصطلاحا ثم اعطى تعريفا لكل مفردة من مفردات الغوص مثل: الايداء وباوره والبشارة والثقل والجرجور والجلاسة والخطفة والخور والدشة والديبل والزيبل والسالفة والسيب والسكوني وسمبوك والسيف والشملول والشاذوب والطواش والفنطاس والقرقور والقلاف والمركب والمقدمي والهيرات والنوخذة والهور، وغيرها من مصطلحات الغوص ثم تطرق الى مواسم الغوص وذكر ان للغوص موسمين: الاول وهو الموسم الكبير ويبدأ من شهر يونيو الى نهاية شهر سبتمبر والموسم الثاني يبدأ من منتصف شهر ابريل ويستمر لمدة اربعين يوما ثم تناول الباحث مغاصات اللؤلؤ والتي اصطلح الغواصون على تسميتها بالهيرات وذكر ان اشهر اللآلىء في العالم ما يتم استخراجه من المياه المالحة الدافئة وذكر ان اشهر مغاصات اللؤلؤ توجد في البحر الاحمر والبحر الكاريبي في الوقت الذي توجد افضل انواعه في منطقة الخليج العربي وقد حدد الباحث المغاصات في الخليج العربي وذكر انها تبدأ جنوبا من ساحل الامارات وبالتحديد مما يلي جزيرة ابو موسى المتاخمة لإمارة الشارقة ثم تنعطف المغاصات بمحاذاة الساحل مرورا بجزيرة حالول ثم تستمر امام ساحل قطر وارخبيل الجزر البحرينية ثم قبالة الساحل السعودي الى قرب الكويت. كما أفرد المؤلف فصلا عرّف فيه البحارة او افراد طاقم السفينة كالنوخذة والمقدمي والسيب وغيرهم وذكر منهم النهام وهو مطرب السفينة الذي يقوم بالغناء اثناء قيام اعضاء الطاقم بادوارهم واعمالهم ثم تحدث عن الكيفية التي يتم بموجبها توزيع الارباح على العاملين وتوسع الباحث بذكر كيفية وطريقة الغوص استنادا لمقابلات اجراها الباحث مع عدد من اولئك الذين مارسوا الغوص ومما يحمد للمؤلف انه افرد صفحات تحدث فيها عن سنة الطبعة التي حدثت في عام 1343ه تلك السنة التي لا تزال محفورة في ذاكرة ابناء الخليج العربي واصبحت فيما بعد حدثا يؤرخ فيه اذ انه في ليلة ليلاء من ليالي الخليج المخيفة وبينما كانت المراكب والاشرعة موجودة على سطح البحر وفوق المغاصات بعيدا عن الساحل وكان عليها البحارة ينتظرون الصباح القادم عندئذ هاج البحر وتعالت امواجه وتلاطمت جوانبه بامر الله فتلاطمت المراكب وعلاها الماء وتعالت الصيحات وصعدت الدعوات الى الله العلي القدير كي يكشف الغمة الا ان حكمته اقتضت ان تغرق المراكب فمات خلق كثير في تلك الليلة فسماها اهل نجد «سنة الطبعة» اي ان مياه البحار قد طبعت المراكب وحيث قد نجا من نجا من ذلك الهول فقد حرص الكاتب على ان يسجل قصائد اولئك الناجين الذين انشدوها بعد ان من الله عليهم بالنجاة وعادوا الى بلادهم بعد ان شابت رؤوسهم وتفطرت قلوبهم فمن اولئك الشاعر ناصر بن كليب الكثيري القائل.


الطبعة الخطرة خطرها وطاني
موج البحر في غبته مطلحبّه
عمري غدا مير الله وقاني
كله سؤال اللي ضناها تحبّه

وكذلك قول الشاعر ناصر بن حماد التميمي القائل عن سنة الطبعة:


انا ما تهيا لي بعمري وهالني
احذا ليلة سودا على اللي سرى بها
يوم على الديبل تطبع بها الخشب
كم واحد جت قدرته ما درى بها
ضربنا بنصف الليل نصف من الشهر
شهر ربيع الاول ابعده حسابها
دالوب غريبة من العمر امطبعة
ثلاث ساعات تنفض ربابها
في رأس تنورة دفنت جنايز
وفي سيف جدة يذكرون الغثاء بها

ومما يحمد للمؤلف ايضا انه حاول ان يحصر اسماء الرجالات من ابناء مدينته مرات الذين شاركوا في عمليات الغوص في سنوات متفاوتة اذ اورد قائمة تضمنت اكثر من )100( شخص وأملي ان يستمر على هذا النهج في محاولة حصر اسماء البقية الباقية من ابناء نجد الذين عملوا على الساحل وغاصوا في قاع البحر سنين عددا.
وفي الفصل الخامس تحدث المؤلف عن الغوص في شعر شعراء نجد الذين ودعوا نجدا وهم على غير علم ودراية بالغوص وما يحيط به من مخاطر اذ فوجئوا بواقعه الاليم ولم يكن لهم من بد الا ركوب البحر والمغامرة اضافة الى حنينهم الدائم الى نجد والى شوارد الريم في مجاهل نجد واغوارها يقول الشاعر محمد البحيري من اهالي المذنب.


يا من يوديني من السيف للريف
نجد هواي وكل من طاع لي شور
لي ديرة بين الخشوم الهاديف
مريقب العيفار والحزم والقور
جمالهن ما لا محن به ولا شيف
ورجالهن هم سترهن دونهن سور

اما الشاعر عبد المحسن المقحم من اهالي الزلفي فقد فوجىء بحياة اهل الغوص حيث لم يجد له مكانا يقضي فيه حاجته فقال عن الغوص:


المهنة القشرا ولا فيه طوله
وانا اشهد انه يالنداوي رزاله
اسلومهم قشر ولا هم رجوله
وابن الحمولة بينهم واعزتا له
بالغوص ما يسوى الفحل ربع صوله
راعيه قسمة ما يحوش النفالة
يرفع هدومه فوق راس البلوله
ما ثمن الفشلة وربعه قباله
والفرض ما صلوه لين افرغوا له
طاعوا ابليس وحطهم له زماله

وما من شك في ان للغوص تأثيراً كبيراً على الرجالات الذين مارسوه طويلا اذ عادوا الى بلادهم نجد وقد تأثروا بشيء من العادات والتقاليد واللهجات غير الموجودة في نجد وعاد بعضهم محملا بالكتب وببعض الادوات والطبخات الشعبية الساحلية وقد حاول الباحث جاهدا ان يحصر الكلمات التي عاد بها البحارون الى بلادهم نجد فمن تلك الكلمات التي اوردها الباحث اذكر: الاستكانة، البابور، الترمس، الجواتي، الدقوس، الفنر، الكروة، الكشة، وغيرها من الكلمات والمفردات التي اصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من اللهجة النجدية المحلية. وفي الفصل السادس اورد المؤلف اشهر قصائد الغوص لشعراء الخليج العربي فقد اورد قصائد للشاعر علي بن جاسم آل ثاني والشاعر الكويتي عبد المحسن الرفاعي والشاعر فهد الجري والشاعر ناصر بن حمضان والشاعرة الزلفاوية موضي العبيدي والشاعر مرشد البذالي وفهد ابو رسلي وغيرهم من شعراء الخليج العربي. كما حرص المؤلف على تضمين كتابه لعدد من الصور الفوتوغرافية ذات الصلة بالموضوع المطروح للبحث فقد اورد صورا قديمة للسفينة وللبحارة ولبلدة الجبيل القديمة وصورة اللؤلؤ وصورة تذكرة هوية )جواز سفر( للمواطن عبد العزيز بن دعيج صادرة في 3 محرم 1350ه كما نشر صوراً لكراسات محاسبة الغواصين. وفي الختام جزيل الشكر والتقدير للاستاذ الباحث عبد الله الضويحي على هذا المبحث الجاد فقد توالت في السنوات الاخيرة اطروحاته المهمة ذات العلائق بالتاريخ النجدي وآثاره وآدابه والامل كبير في ان يواصل رسالته وان يتحفنا بدراسة عن مواطنه شاعر مرات الكبير الشاعر حمد الحجي رحمه الله الذي اتحفنا بقصائد شاكية باكية ومضى الى ربه وما انصفناه.
بقلم: محمد بن عبد الله السيف

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved