أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 20th July,2001 العدد:10522الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,ربيع الثاني 1422

شرفات

عالم الحيوان في شعر المتنبي:
قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها شجاع بن محمد الطائي المنبجي:
الى القابض الأرواح والضيغم الذي تحدث عن وقفاته الخيل والرجل
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الضيغم: من اسماء الاسد، قيل : لانه يضغم الناس، اي يعضهم. والمعنى: يقول : اشكو الى قابض الارواح لكثرة غزواته ووقائعه وقتله الاعداء . والخيل: اي اصحاب الخيل. والرجل: جمع راجل. يريد: انه شجاع كثير الوقائع.
ورد في لسان العرب: الضغم: العض غير النهش وضغمه: عض عضاً دون النهش، وقيل: هو ان يملأ فمه مما اهوى إليه صنيعاً. وقيل : هو العض ما كان. والضغم: العض الشديد، ومنه يسمى الاسد ضيغماً، والضيغم والضيغمي: الاسد مشتق من ذلك. وقيل: هو الواسع الشدق منها.
نعتقد بان شاعر العربية المتنبي يختار كلماته بدقة متناهية، فهو عندما شبه ممدوحه بالضيغم، واختار لنعته هذه الكلمة الضيغم فإنما كان يقصد بان ممدوحه لشدته وقوة بأسه يشبه الاسد الواسع الشدق الذي يضغم اكبر شيء من فريسته ثم يلتهمها او يلفظها.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:


ما به قتل أعاديه ولكن
يتقي اخلاف ما ترجو الذئاب

يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد: ما يقتل اعاديه ليستريح منهم، لانه قد امنهم لقصور عزمهم عنه، ولكنه قد عود الذئاب عادة من إطعامه اياها لحوم القتلى، فيكره ان يخلفها ماعودها.
ورد في لسان العرب لابن منظور: الذئب كلب البر، والجمع أذؤب، في القليل، وذئاب وذؤبان، والانثى ذئبة، وفي حديث الغار: فيصيح في ذوبان الناس، يقال لصعاليك العرب ولصوصها: ذوبان، لانهم كالذئاب. وارض مذأبة: كثيرة الذئاب.
وذئب الرجل اصابه الذئب. ورجل مذءوب: وقع الذئب في غنمه.
ويقول المعلوف (1932م): فصيلة (عائلة) الكلاب Canidae، فصيلة من اللواحم اي آكلات اللحوم، للواحد منها اربعة براثن في كل من رجليه واربعة او خمسة في كل من يديه، وهي تشمل الكلاب الاهلية والذئاب وبنات آوى والثعالب. والفرق بينها وبين السنانير انها لا تجمع اظافرها في اكمام، كما تفعل السنانير بمخالبها، ولا تصعد الشجر كالسنانير، ولا تقبض على فريستها باظافرها بل تطاردها وتقبض عليها بانيابها. والذئاب انواع. والذئب المألوف اسمه العلمي Canis lupus.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها علي بن منصور الحاجب:


أسد فرائسها الاسود يقودها
اسد تصير له الاسود ثعالبا

شبه ابو الطيب في بيته هذا اصحاب ممدوحه بالاسود، يقودها ممدوحه الذي في شجاعته وبطشه كالاسد، ولهذا فحتى اعداؤه مع شجاعتهم وبأسهم تصير امامه في حومة الوغى كالثعالب، وهنا فقد استخدم الشاعر الفروق المختلفة بين الاسد والثعلب ليضرب بها المثل بالفروق بين ممدوحه ورجاله وبين اعدائه. والثعلب حيوان من فصيلة الكلاب، اصغر من ابن آوى، كث الذئب. والفرق بينه وبين ابن آوى في حدقته، فهمي اهليجية ( المعلوف 1932م). والثعالب انواع vulpes sps. والثعلب حيوان يتغذى على الجيف والطيور والارانب.. وغيرها وهو حيوان حذر سريع الهرب.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سعيد بن عبدالله الانطاكي:


يا صائد الجحفل المرهوب جانبه
إن الليوث تصيد الناس أُحدانا

يقول العكبري عن هذا البيت: الجحفل: الجيش العظيم، والمرهوب: المخوف، واحدانا: جمع واحد، والاصل وحدان. والمعنى: قال ابو الفتح: انت تصيد الجيش كله، والليث يصيد الناس واحداً فواحداً.
يمدح ابو الطيب في بيته هذا الانطاكي ويصفه بالشجاعة والفروسية، ولهذا فهو يهزم الجيش المخوف لوحده، بينما الليوث الضارية تصيد الناس واحداً فواحداً. وهنا فقد تطرق شاعرنا الى سلوك الحيوانات المفترسة، فهي في غالب عمليات افتراسها تركز على فريسة واحدة منعزلة. والليث: الشدة والقوة. والليث: الاسد، والجمع ليوث، والليث: الشجاع بين الليوثة. وقال عمرو بن بحر (الجاحظ): الليث ضرب من العناكب، قال: وليس شيء من الدواب مثله في الحذق والختل، وصواب الوثبة والتشديد، وسرعة الخطف والمداراة، لا الكلب ، ولا عناق الارض، ولا الفهد ، ولا شيء من ذوات الاربع (ابن منظورلسان العرب 1417ه1997م).
وقال المتنبي في قصيدة قالها في صباه، وقد اهدى له عبيدالله بن خرسان هدية فيها سمك من سكرلوز في عسل:


اقلُّ ما في اقلها سمكٌ
يلعب في بِركةٍ من العسل

يقول العكبري عن هذا البيت: البركة: الحوض . والجمع: برك. والمعنى: يقول: اقل شيء في اقل هذه الهدية، سمك بهذه الصفة، واراد بالبركة الاناء الذي كان فيه العسل، ويريد انها كانت عظيمة.
لقد عين الشاعر في بيته هذا الهدية التي بعثها اليه ممدوحه، وهي سمكة في بركة من العسل . ونعتقد بان الشاعر عندما قال: سمك يلعب في بركة من العسل، فانه يشير بذلك بان معيشة وحياة السمك دائماً تكون في الماء، سواء كان الماء مالحاً او عذباً.
والاسماك تتبع الحيوانات الفقرية، وهي انواع لا حصر لها. فهناك اسماك غضروفية، وهي اسماك بحرية كبيرة الحجم عادة، ذات فكوك، هيكلها الداخلي غضروفي واجسامها مغطاة بحراشف ، ولها زعانف زوجية، وفتحة الفم مزودة بأسنان قوية، وتقع على الجهة البطنية، وعلى جانبي الفم توجد فتحتا الانف اللتان قد تتصلان بالفم بميزابين. وتتنفس الاسماك الغضروفية الاوكسجين الذائب في الماء، بواسطة خياشيم غير مغطاة توجد على جانبي الجسم. اما اجناسها فمنفصلة، والتلقيح داخلي مثل كلب البحر والقرش. وهناك اسماك منقرضة. وهناك اسماك شعاعية الزعانف، وهي اسماك هيكلها الداخلي عظمي، وهناك اسماك مخاطية، دائرية الفم، الخالي من الفكوك. ويعيش معظم الاسماك في المياه المالحة، وبعضها في المياه العذبة، وبعضها بين المياه المالحة والعذبة.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:


يا بدر يا بحر يا غمامة يا
ليث الشرى يا حمام يا رجل

يقول العكبري في شرح هذا البيت: الشرى، هو طريق في سلمى كثير الاسد، تنسب اليه الاسود. والحمام : الموت. والمعنى: يقول: انت في جمالك بدر ، وفي جودك بحر وسحاب، وفي اقدامك وشجاعتك ليث، وفي اقدامك على قتل الاعداء موت، وقد جمعت هذه الصفات وانت رجل.
لقد اشار الشاعر في بيته هذا الى الاسد الليث والى مأسدة كانت معروفة في الزمان الغابر، وهي طريق في جبال سلمى، وجبال سلمى احد جبلي طيء، وهما اجا وسلمى، وهذه منطقة معروفة في المملكة العربية السعودية.. ولكن لا يوجد اسود الآن في جبال سلمى. والسؤال الذي يبحث له عن جواب هو لماذا؟
وقال أبو الطيب في قصيدة قالها في صباه:


وخضرة ثوب العيش في الخضرة التي
ارتْك احمرار الموت في مدرج النمل

يقول العكبري عن هذا البيت: خضرة ثوب العيش: استعارة من خضرة النبات، والنبات اذا كان اخضر كان رطباً ناعماً، ويحمد من السيف ما كان مشرباً خضرة (وصف ابو الطيب سيفه في بيتين سابقين لهذا البيت)، واحمرار الموت : شدته وموت احمر، اي شديد، وأصله من القتل، وجريان الدم. ومدرج النمل: مدبه، وهو حيث درجة فيه بقوائمه، فآثر آثاراً دقيقاً. والمعنى: جعل النصل (نصل سيفه) مدرج النمل، لما فيه من آثار الفرند (الفرند: جوهر يستدل به على جودة السيف كالآثار والنقط).
فيقول : طيب العيش في السيف، اي في استعماله والضرب به.
لقد بين لنا الشاعر في بيته هذا بان هناك فرقاً بين خضرة النبات وخضرة السيف القاطع الذي تتغير خضرته الى حمرة في جوهره، لقطعةهللرقاب، وسيلان الدم عليه، وكأنها في مدرج النمل. ويعتقد علمياً ان النمل اثناء دبيبه على الارض يفرز مواد كيميائية يتعرف بها على طريقه عند ذهابه الى عشه وايابه اليه، وهنا نلاحظ من بيت الشاعر هذا دقة ملاحظته ومعرفته بدقائق الامور عندما اشار الى مدرج النمل وقرنه بما يلمح من آثار ونقط على ظهر السيف الحاد المصقول جيداً.
وقال المتنبي في قصيدة قالها يهجو بها قوما توعدوه:


اماتكم من قبل موتكم الجهل
وجركم من خفة بكُمْ النَّمْل
ؤلَيْدَ ابي الطيب الكلب مالكم
فطنتم الى الدعوى ومالكم عقل

يقول العكبري عن البيت الاول: المعنى: يريد انكم موتى بجهلكم قبل مفارقتكم الدنيا، وان كنتم احياء، ولا قدر لكم ولا زنة. فلخفة أحلامكم. وقلة قدركم وعددكم، يجركم النمل. والسفيه: الخفيف العقل يوصف بخفة الوزن ، كما ان الحليم الرزين يوصف بثقل الوزن بالجبال وشبهها. ويقول العكبري عن البيت الآخر: وليد : تصغير ولد، وهو هاهنا بمعنى الجماعة. والولد: يقع على الواحد والجماعة الذكور والاناث.
والمعنى: يقول : يا وليد ابي الطيب الكلب، وهو صفة له (للكلب)، كيف فطنتم الى الدعوى، وهو الادعاء في النسب، الى نسب لستم من ذلك النسب، وانتم لا عقل لكم تفطنون به، فكيف فطنتم الى الادعاء؟
لقد استخدم ابو الطيب في بيتيه السابقين صنفين من الحيوان ليصف بهما ويذم من توعدوه، وهما حيواني النمل والكلب. وقد ورد في لسان العرب لابن منظور: النمل: معروف واحدته نمْلة ونمُلة. وارض نملة: كثيرة النمل. وطعام منمول: اصابه النمل. والنملة هي التي لها قوائم تكون في البراري والخرابات، وهذه التي يتأذى الناس بها هي الذر وهي الصغار. والكلب: كل سبع عقور والكلب: معروف واحد الكلاب، قال ابن سيدة: وقد غلب الكلب على هذا النابح، وربما وصف به، يقال: امرأة كلبة.
ويقول المعلوف (1932م): النملة دويبة من غشائية الاجنحة، وهي اجناس وانواع كثيرة. وورد في الموسوعة الامريكية (1985م): يوجد عدة انواع من النمل. والنمل عبارة عن حشرة تعيش في مجتمع منظم راقي التنظيم والتطور. ويمكن ان تحتوي مستعمرة النمل على اعداد قليلة او مئات او الوف او حتى ملايين من الاعداد. ويوجد في كل مستعمرة ملكة، او عدد من الملكات. والشغل الرئيسي للملكة هو انتاج البيض، اما اغلب اعضاء او افراد المستعمرة فهم عبارة عن شغالات ، وهي جميعها اناث مثل الملكة. وتقوم الشغالات ببناء العش، والبحث عن الطعام والعناية بالصغار ومقاومة الاعداء. اما الذكور فهي تعيش في المستعمرة لفترة معينة، وعملها الوحيد هو التزاوج فقط مع الملكات الصغيرات. ويبلغ طول اكبر انواع النمل اكثر من 5،2 سنتميتر، واقلها تصل الى حوالي 1،0 سنتميتر . وعلى الرغم من صغر حجم النمل فإن النملة الواحدة تمتلك قدراً هائلاً من القوة، بحيث انها تستطيع سحب اشياء اكبر من حجمها بخمسين مرة وجركم من خفة بكم النمل ويقول شكر (1405ه1985م): النمل حيوان معروف بحرصه على الغذاء يتخذ قرى تحت الارض فيها منازل ودهاليز. وغرف وطبقات منعطفة يملأها حبوباً وذخائر للشتاء. وسميت النملة نملة لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها. وكنيته: ابو مشغول، والنملة ام توبة، وام مازن، يقول المعلوف (1932م): الكلب من فصيلة الكلاب CANIDAE، فصيلة من اللواحم، اي آكلات اللحوم. والكلاب انواع متعددة.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها علي بن ابراهيم التنوخي:


منعَّمة ، ممنَّعة، رداحٌ
يكلف لفظها الطير الوقٌوعا
وقال ايضا وفي نفس القصيدة:
احبكِ او يقولوا جرَّ نمل
ثبيرا وابن ابراهيم رِيْعاَ
وقال الشاعر ايضا وفي نفس القصيدة:
فَحِد في ملتقى الخيلين عنه
وان كنت الجَبَعْثَنَةَ الشَّجِيعا

يقول العكبري في شرح البيت الاول: الرداح: ضخمة العجيزة ومنه : كتيبة رداح، اي ثقيلة السير لكثرتها. والرداح: الجفنة العظيمة. والمعنى: يقول: هي منعمة لا يقدر عليها أحد، وكلاهما عذب، اذا سمعتها الطير تتكلف الوقوع اليها، لعذوبة كلامها.
ويقول العكبري عن البيت الثاني: ثبير: جبل عظيم معروف بالحجاز، وقد ذكره الشعراء في اشعارهم. والمعنى: يقول : احبك الى ان يقولوا: جر النمل ثبيراً، او اخيف ابن ابراهيم، وهذا مستحيل. والمعنى: لا ازال احبك، لان الجبل لا يجره النمل، والممدوح لا يرتاع، ويقول العكبري عن البيت الثالث: الخبعثنة: من اوصاف الاسد، وهو الشديد والشجيع: الشجاع. والمعنى: اذا التقى الجمعان فحد وتباعد، وان كنت قوي القلب كالاسد . ويقال : ان الخبعثنة النمر، وهو أوقح السباع، ويقول ابن منظور في لسان العرب: الخبعثنة: الناقة الحريزة . وتيس خبعثن : غليظ شديد والخبعثن ايضاً من الرجال: القوي الشديد. وقال ابو عبيدة: الخبعثنة من الرجال الشديد الخلق العظيمة، وقيل: هو العظيم الشديد من الاسد.
لقد ربط ابو الطيب في بيته الاول من ابياته الثلاثة السابقة بين حسن وعذوبة كلام محبوبته والطير، فالطير اذا سمعت كلامها تتكلف الوقوع اليها. وهنا فقد اشار الشاعر الى خاصية تتمتع بها بعض الطيور، وهي طربها للصوت الحسن اضافة لذلك فان بعض الطيور تعرف اصوات اصحابها وخصوصا طيور الصيد والقنص. ونظر شاعرنا المتنبي في بيته الثاني الى حجم النملة الصغير جداً، واتخذه كمثل من المستحيلات، فالنملة لا تقدر ابداً على سحب وجر جبل ثبير، وهذا يماثل ما عليه ممدوحه من الشجاعة والإقدام، وهذا يجعل من المستحيل اخافته، وهذان المستحيلان يماثلان حب الشاعر لصاحبته، فهو ثالث المستحيلات بأن يتخلى عن حبها. اما في البيت الثالث فقد وصف الشاعر ممدوحه التنوخي بالشجاعة والاقدام، ولهذا فعدوه يفر من امامه في الحرب حتى ولو ان عدوه يماثل الاسد في الشجاعة والاقدام.
د. عبدالرحمن الهواوي

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved