أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 1st August,2001 العدد:10534الطبعةالاولـي الاربعاء 11 ,جمادى الأول 1422

مقـالات

مثل هؤلاء لا يموتون بل هم أحياء عند الله وفي وجدان أمتهم
د. محمد بن عبدالله آل زلفة
الأعمار آجال مكتوبة لا يعلم توقيتها إلا من بيده الحياة والموت.. والمؤمن يعرف انه ليس إلا وديعة مؤقتة لا يعرف متى يستعيد المودع وديعته، وله في كل ذلك شؤون، وهو القادر وحده، والعالم وحده متى يستعيد ودائعه كما يعلم سبحانه خير الإنسان في تقديم أو تأخير أجله.
فجعت بلادنا بفقدان واحد من خيرة شبابها سمو الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز وفجع والده ووالدته واخوانه واخته، وفجعت حرمه وأبناؤه وبناته، وفجع كل أفراد أسرته الصغيرة الأسرة المالكة وفجعت أسرته الكبيرة الأسرة السعودية برمتها لنبأ وفاته، وفجع مجهولون كثيرون من فئات مختلفة وطبقات لا نعرفهم، ولكنهم يعرفون مواقفه وعطاءاته الخيرة، وفجع محبوه وأصدقاؤه في كل صقع من المعمورة.. فجعنا جميعاً لأننا نحبه.
لماذا لأننا نعرف يقيناً انه كان يحبنا جميعاً.. ذرفنا الدموع عليه لأنه خسارة كبيرة، وعلى مثله تذرف الدموع ومن أجله تسكب العبرات، كان يعمل الخير بسخاء وبدون دعاية، كان ينفق كل ما يملك في سبيل الخير، وبدون منٍّ ولا أذى، كان يتحسس أحوال المحتاجين، وبصمت المؤمن الصادق كان يداوي جراحهم ويذهب أحزانهم بفيض من العطاء.
كان صديقاً للفقراء والأيتام والمعوزين، كان مسكوناً بهم أمته ومستقبل أبناء وطنه، كان يؤلمه ما يؤلمهم، ويفكر في شؤونهم. كان يفكر في مستقبل الشباب، ويولي الشيوخ جل اهتمامه وعنايته ورعايته ويرعى الأيتام رعاية ابوية صادقة، كان يعرف أن في مجتمعنا محتاجين إلى عمل الخير، وان طرق أعمال الخير كثيرة وليست مقصورة على من يتولى منصباً رفيعاً، أو من بيده سلطة، ولذلك آثر التنحي عن منصبه القيادي ليتفرغ للعمل الخيري على طريقته الخاصة وهو في حل من كل مناصب المسؤولية. لقد آثر ان يكون وزيراً للفقراء والمحتاجين، وزيراً وأباً بديلاً لكل الأيتام، وأخاً لكل أم جار عليها الزمن، ورافداً لكل شيخ تخلى عنه الأبناء وانهكته السنون.
لقد كان رحيماً بالغرباء الذين أجبرتهم ظروفهم على العيش بيننا من ذوي الدخول المتدنية. لقد كان هيئة عليا عامة لعمل الخير.
لك الله يا فهد سيفتقدك كل هؤلاء الذين عرفوا فضلك واحسانك، وبرك الصادق بهم دونما أذى لمشاعر كبريائهم، لأنك كنت كبيراً عالي الهمة، كريم النفس تحرص على كرامة الإنسان، لأنك تؤمن بأن أغلى ما لدى الإنساني كرامته، لأن الله كرَّمه، وفعلك للخير الإنساني يرتكز على هذا المبدأ الخالد الذي فرضه الإسلام، واختار الصالحين من أمثالك لتنفيذ ما أراده الله للإنسان من تكريم. لقد كنت مدرسة للاحسان ولحفظ كرامة الإنسان مع حداثة سنك وان تفعل كل هذا فليس والله بمستغرب وابوك سلمان بن عبدالعزيز.
في ليلة إعلان نبأ الفاجعة وفاة الأمير فهد بن سلمان ذهبت وكالعادة من ليلة كل أربعاء من الأسبوع للاجتماع مع بعض الاخوة في مقهى متواضع في أحد الفنادق القديمة بمدينة الرياض، فكان حديث ذلك المساء منصباً على النبأ الفاجعة، فأسر إليَّ أحد رواد الجلسة وأكبرهم سناً وأكثرهم مداومة على هذه الجلسة منذ سنوات بأن سمو الأمير فهد بن سلمان خصص للعاملين في هذا المقهى من بلدان إسلامية مختلفة ومعظمهم من كبار السن هدية سنوية، وأحياناً نصف سنوية، وانهم دائماً يدعون له بالمثوبة والأجر، وقال لي انه كان بنفسه يأتي ليعطيهم المقسوم، ويتحدث إليهم بلطف وأدب الأمير الأصيل الواثق من نفسه وخلق المسلم الصادق المتواضع يعطيهم.. يطيب خواطرهم ويذهب احزانهم على استحياء وكأنه هو الذي يأخذ منهم.. أي فهد كنت يا ابن سلمان وأي إنسان كنت يا حبيب الفقراء والمعوزين والمحتاجين.
لهذا فجعت البلاد بأسرها لفقدانك، ولهذا خرجت الآلاف للصلاة عليك في مسجد جدك الإمام تركي بن عبدالله ورافقتك إلى مثواك الأخير في مقبرة العود ودموعها تذرف لفراقك، وقلوبها وألسنتها كلها تتضرع إلى الله ان يجزيك خيراً وان يجعل مثواك جنات الخلد التي أعدت للصالحين، وانت بحول الله منهم يا فهد القدوة لعمل الخير.
ولهذا امتلأت الساحات المحيطة بقصر والدك العظيم، وضاقت الصالونات والمجالس بحشد جماهيري لم أر له مثيلاً، وعلى مدى أيام العزاء الثلاثة وهم يقدمون واجب العزاء وصادق المواساة للأب العظيم الذي ذرفت دموعه غالية لفقدك، فأحزنت كل القلوب فازدادت قامة ذلك الرجل العظيم شموخاً في أعين أمته، لأنه ضرب المثل الأروع لمعنى الأبوة.
أما انا فلا أدعي شرف مقابلتك بشكل شخصي عدا تلك المقابلات العابرة، ولا ادعي شرفاً بأنني هاتفتك أو انت هاتفتني، ولكن تعود معرفتي بك من خلال تميز أدائك أثناء غزو صدام حسين لدولة الكويت الشقيقة حينما كنت عضداً لابن عمك ونائباً له في إمارة المنطقة الشرقية، فظلت تلك الصور الخالدة في وجدان من عاصر تلك الأزمة بكل أبعادها ولم تتغير رغم ترجلك لصهوة المسؤولية باختيارك رغبة منك يرحمك الله للتفرغ للعمل الخيري، ووجدت من أبيك واخوتك ووالدتك المؤازرة التامة في سبيل أعمال الخير، وهذا هو الباقي للإنسان بعد وفاته وعربون في التقرب إلى الله عند ملاقاته.
فلك مني خالص الدعاء بالرحمة والمغفرة ولك يا سلمان خالص العزاء. ولك يا أم فهد صادق الدعاء بالصبر والتجلد والاحتساب وألهمكم الله يا آل سلمان جميعاً الصبر والسلوان.
«إنا لله وإنا إليه راجعون».

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved