أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 1st August,2001 العدد:10534الطبعةالاولـي الاربعاء 11 ,جمادى الأول 1422

مقـالات

الكنز العظيم
د. زهدي الخواجا
رجفة الموت رهيبة، وساعة الفوت كئيبة، ورحلة الفراق حزينة، المسلم يرضى بقضاء الله وقدره، والعاقل يقبل بسنة الخالق سبحانه، والحياة دولاب لايستقر إطاره في صحن العسل، والدرب وإن طال لا يستمر بلا دوران والتفاف، والمحيط الزاخر بأمواج المياه العاتية له قعرتستقر على أركانه بقايا السفن الضخمة، والوردة الزاهية بألوانها الطيبة برائحتها سرعان ما تستسلم لوهج الشمس فتذبل أوراقها وتجف بذورها، وتذروها الرياح بين الرمال، وكل وجه جميل سيعفر في تراب القبر مهما كان متأنقاً شامخاً وأرواح الكائنات مهما طال حبل بقائها فلابد أن ينقطع ذلك الحبل، وإن طال الزمن. وفي إحدى صفحات الحياة لحظات فرح عندما يبشر المقبل بميلاد كتلة من حياة، ولكنها مربوطة بلحظات من الأسى والمرارة يخبئها الكيان لذلك المولود الذي قد يسقط فجا، وقد يطول به العمر فيذبل إلى نهاية مؤكدة المصير، ووجدت عظة في قول شاعر الحكمة:


إن حزناً في ساعة الفوت
أضعاف سرور في ساعة الميلاد

فتلك صحفات الحياة، ضحك ومرح، وبكاء وترح، تتساقط الدموع أحياناً تقرع أجراس الأسى وهي نفس الدموع التي تقرع دفوف الفرح. ولا يجوز أن نحزن للحزن، وليس كل فرح يجلب السعادة، في الحزن منصة تتسابق على بساطها عوامل الإبداع، وفي تيه الفرح تتكاثر موجودات الضياع. لا أطلب حزناً ولا أطرد فرحاً، ولكنني لا أحزن إذا طرق الحزن باب كياني، فوجود الحزن غير مقيم، وكل إبداعات نتاجي تمخضت في فترات حزني، الحزن يقودنا إلى التأمل في الحياة لنستنبط أسرار الكون فنعلم حقيقة الوجود لنحدد طبيعة المسار. فما أكثر الواجمين المعتبرين على حافات القبور، وما أكثر اللاهين العابثين عند قرع طبول الولائم. الحزن موسم للإبداع، والناجح من يستغل ذلك الموسم لقطف حقيقة نافعة، فترات الحزن منابع استلهام فكري تقودنا إلى ساحة صفاء خلف سجف من غيوم الوهم، وخداع الكيان. ولن يستطيع أحدنا أن يميِّز بين ألوان الطيف إلا إذا نظر إلى الأشعة الكونية من خلال منظار الحزن الواعي ساعات الحزن نافعة، وساعات الضيق منفعة، وساعات الفوت موعظة قيل: عند الضيق يعرف الصديق، وعلى الموائد الدسمة تتكاثر الموجودات تنشغل تلك الكائنات في التهام ما هو موجود، ويكاد صاحب المائدة ألا يميز بين تلك الكائنات السامة وتلك الكائنات النافعة، ولا أعني تلك اللدغات الهوائية، بل أقصد العواصف التي تثيرها أصلات متسترة أو مستورة. فساعات الحزن تجعلنا لا نفزع للدغة نحلة قد نجني من تحتها عسلاً، وتجعلنا كذلك لا نطرب لأجراس الأفاعي التي تضم تحت أنيابها سماً ناقعاً. في الأسبوع الفائت مات فهد بن سلمان، فحزن سلمان وحزن كل الناس لمرأى سلمان حزيناً. ومرت ساعات من الحزن تلف أجواء المنطقة، تلك قضية كونية، وسلمان القوي، سلمان المعلم كان أميراً في مواجهة تلك الساعات. لا أتصور عظمة هذا الرجل تخفى على من عرفه، وليس ممن يفرح لبوق المديح، وثقته بذاته لا تنخرها وشوشات أو نفحات عابرة. كنت أعرف من هو سلمان لا أعني ذلك الفرع الكريم من جذور أصيلة، فالجميع يعلم أن ابن سعود وأبوه ذلك الكيان العظيم اسمه عبدالعزيز آل سعود. ولكنني أعني عظيم ولائه وحبه لأبناء أسرته، وأعني ذلك الذكي اللماح الذي يعامل مواطنيه على قدر مكانتهم فكسب حبهم وضمن ولاءهم. أعني ذلك الأمير الذي فجر ألف عين للبر والخير والفلاح في عاصمة بلادنا التي عشقها الجميع فكانت رياضاً في الرياض. ياسيدي: يتهافت الناس كل الناس على تجميع نشب الحياة، ويكد البشر ويتصارع الناس على تجميع موجودات الحياة، ويتفاخرون مباهاة بأرصدة جمعوها وأنت تملك بين يديك كنزاً عظيماً ورثت إطاره وصندوقه، ورثت أركانه وأطنابه دماً نقياً صافياً كابراً إثر كابر، فأبوك عبدالعزيز فرح كل نجدي عند عودته إلى رياضه مظفراً، وأجدادك زرعوا الخير في كل أرجاء هذا الكيان العظيم فجنوا محبة وولاء ووفاء من كل مواطنيه، إنك ياسيدي ملأت صندوق كنزك بجواهر العطاء ولآلئ البر والخير، نثرت حلقاتها في أرجاء بلادنا الغالية، وفاض برّ عطائك ليشمل أقطاراً إسلامية وعربية كثيرة، فمشاعرك النابضة خيراً أنبتت حُبّا لك ولحكومتنا الرشيدة في فلسطين والبوسنة والشيشان واسبانيا وغيرها. ياسيدي: هذه الحشود الزاخرة الوافدة من أنحاء مملكتنا الحبيبة لتقديم العزاء بوفاة المرحوم سمو الأمير فهد، لم تأت معزية فحسب، إنه الولاء والمحبة، إنه كنز سلمان: ولاء الشعب ومحبة الناس. وهو الولاء الرمز لقادة هذه البلاد الكريمة، كان حضور الناس وجدانياً تمثل في الحضور الجسدي، وقد تدفقت مشاعر المحبة تجري على كل لسان، وابتهالات الرحمة للفقيد كانت صوتاً صادقاً تنبع من قلوب ملئت شغافها بصفاء المودة وخالص الولاء، إن حادث الحزن هذا كان استفتاء حّراً لأحد أعمدة الحكم في هذه البلاد الغالية، ولو وجدت صناديق اقتراع او استفتاء لكانت نسبة القائلين نعم لسلمان مائة في المائة وهذا هو كنز سلمان، ما أعظمه من ولاء بني على المحبة المتبادلة، لم يكن صاحب الكنز بحاجة إلى يافطات دعائية، ولم يكن بحاجة إلى إجراء مناظرات تلفازية، فكنز أعماله يوضح علّوهمته ونفسه الكريمة الداعية إلي كل خير أفضل من كل المناظرات، يتتبع أحوال مواطنيه فيزور مريضهم ويشارك في أفراح من يجد لذلك سبيلاً. من يقترب من هذا الباني العظيم يلمس عظيم خدماته لأسرته الكبيرة. لأبناء أمته ولوطنه الكبير، انشغل كثير من الناس بخصوصياتهم ولكنه كان أميراً شغل بقضايا أمته فكان نجاحه كنزاً عظيماً ونعم المدخرّ.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved