أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 1st August,2001 العدد:10534الطبعةالاولـي الاربعاء 11 ,جمادى الأول 1422

الثقافية

التجديد الروائي عند الكاتبة غادة السمان
إنِّ التجديد الروائي عند الكاتبة غادة السمان ارتبط بالحرب وما رافقها ارتباطاً يشير الى استجابتها العميقة لحركة التطور في الواقع الغربي، تلك الحركة التي أخرجت الى السطح ما كان مختفيا في القاع، ودعت الى ضرورة تجديد مظاهر الحياة مثلها من خلال رواية «بيروت 75» و«كوابيس بيروت» ولقد كانت رواية «بيروت 75» الأولى أعطت صورة لبيروت وتنبأت بقدوم الحرب، وتمثل التجديد في الجوانب التالية:
- في البناء الفني للرواية وفي استخدام الحوار الداخلي بشكل متكرر في استخدام لازمة تتكرر باستمرار ووفرت ايقاعاً خاصاً للرواية، وشكلت مفاصل هامة لتطور أحداثها وأشخاصها، وفي استخدام «الكابوس» وخاصة عند رصد التطورات مع فضح الواقع غير الانساني، وفي الرمز الذي يتمثل في المصباح السحري وفي «السلحفاة» التي ترمز الى الانغلاق الى الذات. وفي استخدام امكانات المطبعة الفنية كالخط الغامق، والعادي والأقواس، مع اللغة الشعرية الموحية المكتنزة عاطفة مشوبة.
وفي الرواية الثانية «كوابيس بيروت» قدمت الكاتبة صورة للحرب نفسها والتي فجرت الرواية عندها، وحققت الخطوات التالية عن طريق تجديد الرواية:
1- ان الرواية ليس فيها فصول وأقسام أو ما شابه ذلك من تقسيمات منطقية للرواية، لذا يقوم البناء الفني للرواية على أساس الكوابيس ثمة مجموعة كبيرة من الكوابيس تصل الى مئتين وستة كوابيس، عدا الأحلام والملاحظات ومشاريع الكوابيس في آخر الرواية فتقول الكاتبة عن ذلك «أليست الكوابيس درجة متقدمة من درجات الوعي؟» أليست الكوابيس يقظة مرفهة والجنون وعياً مطلقاً. فهذا دليل على أن الكوابيس شكل من أشكال وعي الواقع في حالة استثنائية. فهي بناء فني يتضامن في تكوينه مع صورة الواقع الذي أوحى به، كما تمكن مسألة أخرى هي ارتباط ولادة هذا الشكل المعني بانهيار واقع وفسح المجال أمام مجيء واقع آخر. وبناء على هذا لا يمكن تفسير الكوابيس على أنها تعبير عن الهلوسات التي رافقت ذلك النوم المذعور تحت الرصاص والردم والقتل بسبب وبلا سبب أو على أنها هواجس تفلت من طبقات الوعي المخدر الذي يشله الخوف». لأن في هذا تضييقا للمجال الذي اتسعت له هذه الكوابيس ورؤية تقف عند بعض من كل. فليست الكوابيس مجرد تعبير عن الهلوسان والمخاوف بل هي أحلام ورؤى وأحداث وصداها تجمع النوم واليقظة والوعي واللاوعي والواقع والحلم والذات والموضوع والموت والحياة والغربة والانتماء. انها شكل مناسب للتعبير عن وضع يجمع المتناقضات كلها. وهو شكل ابداعي فجرته الحرب ودفعته ليتقدم نحو تحقيقه تاريخاً على صعيد الرواية.
إنَّ الكوابيس قد تأخذ شكل القصة القصيرة، أو الحوار الداخلي، أو الحلم، أو الوصف التسجيلي أو الانشاء الوجداني أو الحوار أو التخييل أو شكل السيرة الذاتية أو الوصف الفوتوغرافي أو الايقاع أو اللازمة المتمرددة أو الرمز، ولكن تلك العناصر لم تحتفظ بشكلها التقليدي بل انصهرت في الكيان الفني الجديد لتكتسب طابعاً مغايراً، وفي هذا سر قيمتها.
2- استخدام امكانات المطبعة كلون الحروف والأقواس والخط الأسود الذي يفصل بين المراحل في الرواية.
3- استخدام الحوار المسرحي المرتبط بأحداث ومواقف محددة ولكنه قصير.
4- الرمز ويبدو قريب التناول، أميل الى البساطة، من أمثلته في الرواية «حظيرة الحيوانات الألفية» وكأنها رمز للشعب البسيط المستسلم.
5- استخدام الأحلام سواء ما يسمى منها حلماً كما في آخر الرواية، أما لم يسم حلماً كالكابوس «14».
6- بعض الكوابيس تصلح لأن تكون قصائد شعرية قائمة بذاتها، وهي مكتوبة على شكل القصيدة، من أمثلة ذلك ما جاء في الكابوس «7».
- إنه الشاطىء حيث كنا.
- أهذا موج أم دمنا.. إنه الريح..
- أنها صيحات الطيور المهاجرة.
- إنه السقوط في فك الاحتقار المتشنج.
- إنه ظلك تحت الرمل.
- إنه حبك الساكن بين الموجة والموجة.
- تعال إلينا.
- وعد الى مسقط رأس الفراق.
- أنموت معاً.
- أو ننجو معاً..».
7- ان المرأة التي تقمصتها الكاتبة لم تقم بالحدث المعروض بل نقلت انطباعها عنه، لذا ليس في الرواية بطولة حسب المعنى التقليدي للبطولة الروائية.
والأبطال كثيرون، ولعل الموت هو البطل البارز في الرواية، والحدث مفتت، تارة يعرض كما هو وأخرى كما ينطبع في النفس، والسرد تقليدي لا وجود له.
8- استخدام اللازمة لخلق الايقاع، وهذه سميت فنية وكانت بارزة في رواية «بيروت 75» وفي رواية «كوابيس بيروت» لتحقيق جو شاعري موحٍ، يختزن شحنات انفعالية كبيرة وطاقة من تخييل عظيم.
ويضمن التمحور حول نقطة محددة تريدها الكاتبة والأمثلة كثيرة ففي الكابوس «14» تتكرر عبارة «شاهدت» ذات الدلالة التنبؤية وفي الكابوس «92» تتكرر عبارة «وأعرف كيف يمكن للماء أن يكون حزينا» وعبارة و«أشهد».
فتجديد الرواية في سورية ينحو منحى التجديد الغربي ويعتمد مفاهيمه ووسائله ويستخدم مصطلحاته وأسسه بعد أن كاد النقاش يميل الى أصل الرواية العربية غربي وبدأت قضية تجديد في الرواية تطرح بعد أن عرفتها أوروبا وأمريكا منذ أكثر من نصف قرن.
وانَّ علاقة التبعية للغرب حددت مسار تطورنا في جوانبه المتعددة، وكذلك أفق ذلك التطور، وصارت الرواية من خلالها غربية في طابعها الفني، فمنعها من أن تكتشف طريقها الخاص، وحرمها من هويتها المميزة إلا أن تكون تلك الهوية دلالة على علاقة التبعية للغرب.
وبما أن حركة التحرر الوطني العربية تنزع الى فك علاقتنا بالغرب فهي لم تتمكن من تحقيق هدفها لذلك كان التجديد الروائي ينطلق من معطيات الرواية الجديدة الغربية بشكل عام ومحاولة حركة التحرر الوطني تركت آثاراً على الرواية فجعلت محاولات تجديدها تتم من قبل الكتّاب الذين حملوا رايتها وهمومها وعملت هذه المحاولات لتطويع معطيات الرواية الجديدة في الغرب للتعبير عن قضايانا المختلفة نوعياً.
د. هند حتاحت

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved