أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 1st August,2001 العدد:10534الطبعةالاولـي الاربعاء 11 ,جمادى الأول 1422

الاقتصادية

السعودة ، ، ، ، ، الأسئلة الصعبة
د، عبدالله بن موسى الطاير
لم تكن اياما من البؤس وإن كانت من القسوة بمكان، فقبل انبثاق خيوط الفجر الأولى يكون الراعي في مرعاه والحامي في مزرعته والباني فوق جداره والملقف يحمل أحجاره والنجار في دكانه، وما هي إلا لحظات تتسلل خلالها الشمس إلى منزلة الضحى فيلتف الجميع لتناول طعام الإفطار الذي أعدته أيد أمينة مرابطة عاملة في الخطوط الخلفية من أمهات وزوجات وأخوات وبنات، وعندما تستوي الشمس في كبد السماء ينزل الناس لصلاة الظهر ثم الغداء على ما تيسر، وبعد ذلك استئناف العمل حتى مغيب الشمس، ، حينها يأوي الناس إلى بيوتهم يلبسون الليل ويغتسلون في تعب النهار ولا يكاد العشاء يحل إلا وقد تناول الجميع طعام العشاء واستعدوا للصلاة ثم النوم، هذا هو يوم اقتطعته من دفتر الزمن يعود تاريخه إلى عام 1398ه، أي ليس بالبعيد جداً، ولكنه يوم حقيقي في عمر عمي وخالي وابن عمي أما والدي فقد كان من الموظفين في الأرض،
وأذكر جيداً كيف كانت الشمغ واللحف ترمى على فلان وعلان وذلك حتى يتنازل عن الباني الفلاني ليعمل لدى فلان من الناس، لقد كنت أعيش في وسط يسكنه أكثر البنائين شهرة في تهامة عسير، وكانوا لا يتوقفون يوما واحدا عن العمل ويتناوب الناس عليهم من بارق شمالا إلى الدرب جنوبا ومن رجال ألمع شرقا إلى البرك غرباً، لقد كانوا خبراء بمفهوم العصر والتحف المعمارية التي أنجزوها لا تزال شاهدة عيان،
باختصار كان الراعي سعودياً والفلاح سعودياً والباني سعوديا والنجار سعوديا والجزار سعوديا والصانع سعوديا والذي يحفر البيارة سعوديا والذي ينظف المرضى في مستشفى أبها العام ويكنس الطرقات وينظف دورات المياه سعودياً، ولم يكن هناك عنصر أجنبي إلا في وظائف لا يستطيع السعوديون القيام بها،
إنني أحاول أن أعصر ذاكرتي لعلها تسعفني باطلال شخص بدين في المنطقة التي أسكن فيها والقرى المجاورة، كان الناس من الرشاقة والقوة والنشاط بحيث انهم يستعصون على المرض إلا مرض الموت، قارنوا الوضع بما نحن فيه الآن من نعمة! وفي الوقت نفسه لعلنا ننظر في الجوانب السلبية لما سمي بالطفرة الاقتصادية،
ليس من شك أن الحياة لم تعد بتلك البساطة التي كانت عليها، وأنا أدرك هذا ولم أسق ما تقدم من باب البكاء على الأيام الخواليا، ولكني فقط وددت أن أشير إلى أن العمل كان كله في يوم من الأيام يدار بأيد سعودية بل ومن خيرة الناس دينا وحسبا ونسباً وأخلاقاً ولم يكن أحد يترفع عن العمل ولم يكن يلام أحد سوى ذلك الذي ينام حتى تطلع الشمس،
قد تغير عالم اليوم تغيرا مذهلاً شمل المفاهيم والعادات والتقاليد وذابت الحواجز بين الثقافات وخسرنا تقريباً معظم خصوصيتنا لصالح المد الثقافي العالمي الذي يعمل على عولمة كل شيء، ولأننا جزء من العالم كان لا بد أن نتأثر بسلبيات الحضارة وإيجابياتها، ولأننا أمة لها حضارة وتاريخ وتقاليد كان لا بد أن نعاني لأننا لا نستطيع أن نلبس أي ثوب يفصل خارج نطاق قناعاتنا وبالتالي نَمَتْ الازدواجية في حياتنا وتعقدت مشكلاتنا بدرجة استعصت معها على الحلول المستوردة وهي الآن بحاجة إلى حلول تنطلق من رؤيتنا وتستفيد من التجارب الناجحة للآخرين دون مساس بطبيعتنا وخصوصيتنا،
إن البطالة واحدة من المشكلات التي كتب علينا أن نعاني منها، وهي ظاهرة عالمية تعاني منها جميع دول العالم دون ا ستثناء ولكن بنسب متفاوتة، وفي الإحصائيات الواقعة بين الأعوام 1977 و1999م نجد أن نسبة البطالة إلى عدد السكان قد وصلت إلى 5، 11% في إيطاليا و11% في فرنسا و6% في بريطانيا و7، 4% في اليابان و2، 4% في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي نسب ليست بالقليلة إذا علمنا أن سكان أمريكا مثلاً يصل إلى 424،921،283 شخص،
وتصل في إيران نسبة العاطلين عن العمل إلى 25% من عدد السكان و30% في كل من ليبيا والسودان واليمن )إحصائية 93م بالنسبة للسودان و95م بالنسبة لليمن(، و19% في المغرب، وما بين 25 30% في الأردن رغم تأكيد المصادر الرسمية على أن النسبة لا تزيد عن 15% و18% في لبنان و15% في البحرين، هذه النسب الكبيرة في الوطن العربي والإسلامي تتحدث عن نفسها عن صورة المستقبل، وتؤكد مصادر جامعة الدول العربية ان 32 مليون عربي سوف يكونون بلا عمل بحلول سنة 2010م،
وليست لدي إحصائية مؤكدة عن المملكة ولكن تخرصات هنا وهناك تقول إن النسبة في حدود 15% بينما ترتفع إلى 25% في أوساط الخريجين، ولسنا بحاجة إلى دس رؤوسنا في الرمال، فمشكلة العاطلين عن العمل حقيقة بغض النظر عن الأرقام ونسبتها وكون هناك عوامل ربما تكون ذات خصوصية في حسابنا لدرجة البطالة ونسبتها في المملكة،
نحن نسمع ونرى ونعايش بدرجات مختلفة هذه المشكلة ولكن هذا لا يمنع أن هناك من يتفرج عليها وكأنها عند قوم آخرين، إن التخطيط السليم والاستراتيجي سيقود إلى حل جذري للمشكلة ولكن على أي مخطط أن يجيب عن التساؤلات التالية بمنتهى العلمية:
1 كم عدد العاطلين عن العمل في المملكة؟
2 ما الأسباب التي جعلتهم لا يعملون؟
3 منذ متى وهم عاطلون؟
4 هل أعدادهم تتزايد أم ثابتة أم هي في انخفاض؟
5 هل هم من الرجال أم من النساء ما نسبة كل فئة؟
6 ما النطاق العمري للعاطلين عن العمل؟
7 هل هم مؤهلون للعمل أم غير مؤهلين؟
8 هل هم العائلون الوحيدون لاسرهم ام ان هناك من يعمل من افراد الاسرة؟
9 هل يتركزون في منطقة واحدة من البلد أم منتشرون وما أعدادهم في كل منطقة؟
الاجابة عن هذه التساؤلات هي مفتاح الحل ولكنها ليست الحل بكل تأكيد، وفي الوقت نفسه علينا ان نلقي نظرة على العدد التقريبي للسكان وهو حاليا يصل إلى نحو 22 مليون شخص، و43% منهم اقل من 15 سنة أي حوالي )9 ملايين نسمة(، وهذا هو مكمن الخطر لأن ذلك يعني اننا يجب ان نعمل على حلول جذرية وليس على توفير مسكنات موضعية أو مؤقتة، وتبلغ طاقة العمل في المملكة العربية السعودية حالياً نحو 5، 7 ملايين نسمة منها مليونا سعودي والبقية من غير السعوديين، كما أن 63% من قوة العمل تعمل في قطاع الخدمات، هذه الارقام ليست مزعجة بل هي في واقع الأمر باعثة على التفاؤل وتشير إلى أن مشروع السعودة ناجح متى تضافرت الجهود في تفعيله،
السؤال الذي نطرحه أو علينا أن نطرحه هو: ما الطريقة المناسبة لتفعيل عملية السعودة؟
سؤال من ا لتعقيد والتركيب إلى درجة لا يستطيع أحد أو جهة بمفردها أن تزعم أن لديها جوابه، وفي حديثي عن قريتي، مع تضاؤل أسس المقارنة، علينا ان نتساءل عما إذا كان بإمكاننا أن نعود إلى الماضي؟ ليس لنعيش في جلبابه وإنما لنتصور أنه كان واقعا معاشا، ولنعد طرح الأسئلة مرة أخرى: هل من الممكن أن يصبح العامل الذي يحمل الاسمنت والطوب سعوديا؟ هل من الممكن أن يعود البناء سعودياً؟ هل من الممكن أن يكون النجار والحداد سعوديين؟ هل من الممكن أن يكون الراعي والفلاح سعوديين؟ هل من الممكن أن يكون العامل والساعي والمنظف سعودياً؟ هل من الممكن أن يكون السائق والحارس سعوديين؟ هل من الممكن ان تكون الخادمة سعودية؟ أسئلة اعترف ان بعضها وان بدا ممكنا على الورق فانه على ارض الواقع من الصعوبة بحيث انه لم يتحقق وان تحقق فانه سيقلب المعادلة رأساً على عقب، من جانب آخر هل ستوفر وظيفة الحارس والخادمة والساعي والمنظف والعامل دخلا مناسبا يقيهم شر الحاجة ويجعلهم يعيشون مستوري الحال؟ سؤال آخر ليس في وسعنا ان نجيب عنه الآن ولكن توافر حد ادنى للاجور، والتأمين الالزامي والخدمات الصحية سيجعل الاجابة اكثر امكاناً، وهناك مصيبة المصائب ومركز كل المتاعب وهي تركة مقيتة من مخلفات ما يسمى بالطفرة والمتمثلة في ادارة او سباك او بناء او سائق؟ ثم هل يكفي الدخل ليعيش فلان او علان في فيلا او دور او شقة ديلوكس؟ لقد وضعت الطفرة معايير لمستوى المعيشة في السكن والمركب وطريقة الانفاق وهي معايير ومستويات لا تتناسب مع ظروف جديدة تتطلب الحد الادنى من الرفاهية، ولكن نحن نتعامل مع ما يتيحه لنا الواقع وليس مع خيارات، وعلينا ان نعيش في حدود المتاح وان نغير تبعا لذلك نظرتنا الى العمل والدخل والانفاق وساعات العمل ونوع المهنة وان نتعامل بواقعية اكثر، وعلينا في سبيل التعامل مع هذه المتاحات ان نسأل انفسنا: هل نحن بدع في هذا الكون؟ هل نحن نتمتع بمواصفات خاصة تختلف عن مواصفات بقية الشعوب في اغنى الدول وافقرها؟ ربما سيطر علينا هذا الهاجس يوما ووضعنا أنفسنا فوق الكل وتعاملنا بعنجهية مع الجميع واحتقرنا العمل ونظرنا بازدراء لبعض المهن والعاملين فيها! ولكن هل كنا على صواب حتى نتمادى؟ بالتأكيد لم نكن على صواب وعلينا ان نغير من انفسنا ومن نظرتنا للامور من حولنا،
ففي امريكا والغرب عندما تقف في طابور الصراف لتدفع قيمة ما اشتريته يقف قبلك في الدور رجل أو امراة يدفع ثم يسجل رقم الشيك الذي دفعه ومبلغه وتاريخه ويحسب كم تبقى من رصيده ولا يهمه اذا كنت مستعجلاً او تود ان تطير، الذي يهمه ان يضبط حساباته هو، هذا الشخص قد يكون استاذا جامعيا وقد يكون خبيرا وقد يكون موظفا كبيرا وقد يكون فقيرا، ثم انظر الى نفسك وانت تقذف بالريالات في وجه المحاسب لا تنظر في الفاتورة ولا تنتظر احيانا المتبقي إن كان يقل عن ريال، تنفق ولا تدري كم بقي في حسابك ولا ما اذا كنت تستطيع ان تصمد دون استدانة إلى نهاية الشهر، تفكر في شيء فتذهب لتشتريه لأن فلاناً اشتراه لبيته دون ان تحسب حقيقة دخلك وواقع مصروفاتك، كم هم الذين يجلسون إلى أنفسهم ويحسبون الدخل والمنصرف وينظرون ما اذا كانت دخولهم تؤهلهم للبقاء في المستوى الاجتماعي الذي يعيشون فيه! هذا ليس من قبيل جلد الذات وانما من باب تلمس مكامن الضعف فينا والعمل على اصلاحها،
الطريق طويل ويحتاج الى تغيير الكثير من المفاهيم وتعويد الناس على انماط جديدة للحياة تختلف كلية عما عهدوه من قبل، تغيير يبدأ بالتربية في البيت قبل المدرسة ويمر من خلال مراحل التعليم المختلفة ويشارك فيه امام المسجد والاعلام بشرط ان يبتعد قادة الفكر في المجتمع عن بعض التناقضات التي تربك المجتمع، عندها نستطيع بناء مجتمع يستجيب لخطط الدولة ويتعامل بواقعية مع المتغيرات الاقتصادية ويصبح المجتمع منتعشاً اقتصادياً، إن البطالة لها مسببات تتجاوز احادية المسؤولية والدولة ليست وحدها المسؤول عن اصلاحها اذا كان البقية يطلون عليها من مقاعد المتفرجين، هؤلاء المتفرجون هم البيت الذي لا يربي وينمي في ابنه او ابنته حب العمل والحرص عليه وانه ليس هناك عيب في العمل، والمدرسة التي لا تعلم الناشئة قيمة العمل ولا تنمي سلوكياته بشكل إيجابي تجاه المهنة، والمسؤول الذي يغش الوطن فيعمل على التمييز بين شبابه وشاباته يوظف فلانا لانه موصى عليه ويرفض فلانا رغم انه الاكثر صلاحا للوظيفة، وصاحب الشركة او المؤسسة الذي يفضل ان تفقد البلد نحو ثلث ميزانيتها السنوية على حوالات للخارج على ان يضحي في سبيل تأسيس اقتصاد سعودي يقوم على سواعد أبناء الوطن، ان السعودة خيار استراتيجي سيوفر لنا ملايين الوظائف متى استطعنا التغلب على نمطية التفكير وغيّرنا النظرة الخاطئة للمهنة ووطدنا علاقة قوية بين المواطن ورب العمل، لا اود تحميل رجل الاعمال المسؤولية فله مخاوفه المبررة ولا اود تحميل الدولة المسؤولية فهي تجتهد باجهزتها المعنية فالامر يحتاج إلى توظيف اجهزة اخرى للتكامل في اداء المهمة، ولا اريد تحميل المواطن الذي يبحث عن وظيفة المسؤولية فمن حقه ان توفر له اسباب الحصول على عمل، الجميع مسؤول ولكن علينا ان نحفظ لكل صاحب حق حقه، ولعل اهم مخاوف القطاع الخاص هي التدريب ومناسبة الشاب للعمل وهذا امر مقدور عليه ولعل صندوق التدريب يسهم في تدريب الشباب داخل الادارات والشركات المعنية بحيث يدفع مبلغا للشركة مقابل تدريبها لهذا الشاب او ذاك وتوضع معايير موضوعية للتدريب تكون حكما بين الحكومة والقطاع الخاص والشاب بحيث تقوِّم قدرات الشاب بعد الدورة وما اذا كان مناسبا للعمل لدى هذه الشركة، ، انني مع ا لتدريب داخل أروقة العمل وليس في معاهد خارجية الا في بعض المهارات الاساسية التي لا بد من توفرها اما الجو المناسب للتدريب فعلى رأس العمل لمدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر يشارك فيها صندوق التدريب ورب العمل، كما ان الالتزام من قبل المواطن بالعمل واستمراريته فيه احد مخاوف رب العمل، واقول انه متى هيئت الفرصة المناسبة للمواطن وحصل على عمل، فعلينا ان نضع لكل موظف ملفا ورقما مركزيين يتم من خلالهما تجميع تقارير الاداء عن الموظف فاذا فرط في وظيفته ولم يكن اهلا للمسؤولية يصبح هو الجاني على نفسه وتقدم الفرصة لغيره من الجادين ونحن بهذا نكون قد ساعدنا القطاع الخاص في القضاء على المستهترين ووفرنا الفرص لمن يستحقها فعلاً،
لست من المتشائمين بيد انني لست مغرقا في التفاؤل، فالامر يحتاج إلى الكثير من التخطيط والجهد والتفكير الاستراتيجي، ذلك ان المشكلة ليست آنية يمكن حلها بالمسكنات الموضعية، انها مستمرة وعلينا ايجاد حلول جذرية لها،
aaltayer@aol، com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved