أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 4th August,2001 العدد:10537الطبعةالاولـي السبت 14 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

أم الفقيد وعظم الصبر
مريم شرف الدين
الفراق والموت قدران لا ينفصلان في آثارهما عن بعضهما البعض.. فكل منهما يشعرنا بالحزن والالم والتوجع. ويخلف جراحاً غائرة عميقة في قلوبنا لغياب أو فقدان من نحبهم الا ان مثل هذه الجراح لاتندمل الا بالصبر وقوة الايمان والمثول لقضاء الله وقدره وما كتبه علينا لانه جل وعلا هو الحي الباقي الذي لا يموت.
ليكون هو من أحد الفضائل العظيمة التي احاط بها الله عباده ورحمة من رحماته تدخل السكينة والاطمئنان في قلب كل مؤمن يبتلى بمثل هذه المصائب تمنحنا اياها العناية الالهية.. ليجعلنا نتلمس وجوه الخير فيما يبتلينا الله به وقت الشدائد نفحة روحانية تحضنا بهذه المكرمة التي تهون علينا ذلك وتجعلنا نستند عليها لنتجاوز مدارات هذا الوجع.
عندما اختطف الموت صاحب السمو الملكي الامير فهد بن سلمان بن عبد العزيز.. شعرت بحجم الحزن الذي تغشى والدته صاحبة السمو الاميرة سلطانة السديري شعرت برعشة هذا الوجع تسري الى أوصالي.. انتابني هاجس غريب تجاه هذه الام العظيمة،، وهي تشرع نوافذ الحزن لاحتضان كل التأوهات المثقلة بوجع هذا الحدث الجلل وتوقف نبض اللحظة التي تحتاج الى قوة خارقة من الصمود امامها.. لان مشاعر الام تختلف عن مشاعر أى انسان في هذا الوجود.
أجل يا سيدتي شعرت بفؤادك يئن بين الضلوع.. تلمست دموعك التي تعبر عن شفافية البوح لنتوقف عند مرافئ الوجدان وكلما انسدلت دمعة من عيني سموك.. كنت اشعر برجع تلك الآهات وهي تتمزق بداخلك وتدمي قلبك لاسترسل في قراءة هذا البوح الذي لا تُقرأ أو تُتلمس معانيه الا في عيون المحبين.
اشعر بخطواتك المثقلة بالحنين التي امتزجت بالشوق ويعتصرها الالم وبقدر هذا الوجع الذي استحوذ مساحة في كيانك ومخيلتك وفكرك يا سيدتي.. بقدر ما اجدك تتحاملين على نفسك حتى لا يستحوذ عليك الجزع وتشعرين بعظم هذا المصاب.
امام هذه العاطفة الكبيرة ،والجياشة والحنان المفعم بالدفء.. وما يجعل كل من عرف سموك يتلحف به من زمهرير الشتاء.. تذكرت حديثك لي قبل أكثر من 16 عاماً.. عندما ابديت رغبتي لسموك لاجراء حديث خاص بمناسبة صعود صاحب السمو الملكي الامير سلطان الى الفضاء .. تذكرت وعد سموك لي بالفوز بهذا اللقاء بعد عودة سموه سالماً الى الارض.. وعودة سموك من مكة بعد الالتزام بالحرم والتفرغ للصلاة والدعاء حتى يحفظه الله ويعيده سالماً الى وطنه وأهله. فقلب الام وعاطفتها تبقى هي العامل المحرك لمواجهة اي من هذه المواقف.
وكما شعرت آنذاك يا سيدتي..فانني اجدك الآن وامام كل المشاعر التي تكمن بداخلك.. تقفين مزهوة بايمانك وصبرك العظيم.. الذي منحك المقدرة للتعامل مع مثل هذه المواقف.. وفراقك الحالي لحبة القلب وقرة العين الامير فهد تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته وصمودك أمام هذه الفاجعة جعلتِ الصبر شفاء للنفس الحزينة والقوة التي يعينك وقت الشدائد الى جانب آلام المرض الذي تعانين منه امومتك العظيمة يا سمو الاميرة سلطانة.. تجعلني أسأل الله سبحانه وتعالى ان يعوضك خيراً عن مصابك.. ويصبِّر فؤادك وان يكون هو البلسم والشفاء للنفس الحزينة.. ويحسن لك الاجر والثواب.. وكما قال: سبحانه وتعالى )وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون( صدق الله العظيم.
الى سلطان وسارة وأحمد وريمة..
لقد كنتم واحة فرح في حياة والدكم رحمه الله.. واذا غاب الأمير فهد فهو عاد الى بارئه وجميعنا سنمضي على هذا الطريق ولم يبق الا وجه ربنا ذو الجلال والاكرام..
لم تجف هذه الواحة أو تنضب من الحياة بل ستينع ثمارها.. فهناك مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد وصاحب السمو الملكي الامير عبد الله ولي العهد وصاحب السمو الملكي الامير سلطان النائب الثاني وصاحب السمو الملكي الامير سلمان.. بل وكل آل سعود سيكونون لكم وجدٌ.
لان الكل يملك عاطفة جياشة تجاه والدكم طيب الله ثراه فرضها باخلاقياته العالية وانسانيته وتواضعه مع الآخرين والدليل على هذا المحبة الكبيرة التي تجلت واضحة امامنا وكيفية التفاف الجميع من حولكم، وحضور تلك الوفود التي حضرت لمواساة جدكم الامير سلمان في فقيد الوطن غرة عينه .
عزاؤنا لكم..وقلوبنا معكم وعلينا جميعا ان نبتهل بالدعاء ان يتغمد روح الفقيد برحمته.. وان تقر عينا والدتكم بكم.. التي أصبحت مسؤوليتها كبيرة.. مسؤولية تتطلب منكم النضوج والتعامل معها بالعقلية الرصينة المتزنة التي تجعلها تشعر بعدم عظم المسؤولية.
كما أسأله سبحانه وتعالى ان يحفظكم في كنفه وتحت رعاية جدكم صاحب السمو الملكي الامير سلمان الذي يشعرنا بشموخه رغم تلك الآلام التي يحاول اخفاءها بينما هي تتجاوز حدود هذا الكون.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved