أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 4th August,2001 العدد:10537الطبعةالاولـي السبت 14 ,جمادى الاولى 1422

العالم اليوم

حرب «البسوس» الفلسطينية..!
عادل أبو هاشم
تعد ظاهرة تصفية المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي من أخطر الظواهر التي تنامت في خط مواز لتنامي الانتفاضة الفلسطينية الأولى «19871994م»، وهزت الساحة الفلسطينية وأحدثت فيها إرباكات حادة، وهي من أكثر القضايا التي حاولت السلطات الإسرائيلية استغلالها سياسياً وإعلامياً سواء على الصعيد المحلي أو الدولي لتشويه حركة الانتفاضة الشعبية والصاق تهمة الارهاب والوحشية بالجماهير الفلسطينية المنتفضة.
وقد نشط الساسة الإسرائيليون في الاسترسال بالحديث عن الفلسطينيين الذين يقتلون بعضهم البعض، وقامت وسائل الاعلام الاسرائيلية بمنح هذه القضية تغطية واسعة ومن وجهة نظر أحادية لحاجة في نفس يعقوب، وكان للتلفزيون الإسرائيلي حظ الأسد في هذا المجال من خلال لقاءاته التي كان يجريها مع بعض عائلات الأشخاص الذين تم قتلهم على خلفية الاشتباه بتعاونهم مع سلطات الاحتلال.
لقد اثارت عمليات اغتيال المواطنين الفلسطينيين تحت ستار اتهامهم بالتعاون مع قوات العدو الإسرائيلي ردود فعل متباينة في الوسط الفلسطيني قبل أن تتحول إلى قضية تستغلها وسائل الإعلام المعادية، لأن المجتمع الفلسطيني ذو بنية عائلية ويضع في مقدمة مبادئه قضية الشرف الوطني والخلقي، ويعتمد في مسيرته النضالية على دعائم التعاضد والوحدة والالتحام، وهي أمور سعى ويسعى الاحتلال الإسرائيلي للنيل منها، وخلق الفتن والصراعات بين الشعب الفلسطيني عن طريق استثمار قضية تصفية المتعاونين في ضرب الوحدة الوطنية.
في تلك الأثناء دعا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى وقف تصفية المشتبه بتعاونهم، ووجدت الدعوة صداها في بيانات القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة لكنها لم تجد صداها على الأرض واستمرت عملية القتل..!
وتمت صياغة ميثاق شرف تعتمده كل القوى الوطنية والإسلامية يدعو إلى وقف كل عمليات القتل والاختطاف المأساوية بكافة أشكالها، واعادة تقويم المظاهر السلبية لاسيما عمليات القتل التي طالت الكثيرين من الفلسطينيين ومنهم من لا يستحقون القتل.
وبعد عودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو، وافراج السلطات الإسرائيلية عن بعد المعتقلين، ومنهم من اتهم بقتل متعاونين مع الاحتلال، تعرض بعض هؤلاء المفرج عنهم إلى عمليات قتل من عائلات هؤلاء المتعاونين، فقامت السلطة بتسليح المعتقلين الذين أفرج عنهم لمواجهة عائلات المتعاونين!
وطالبنا أكثر من مرة بأنه ليس من المطلوب تسليح المعتقلين المفرج عنهم لمواجهة الأهالي المسلحين بالأساس، بل المطلوب وثيقة شرف تتضمن أسماء الذين قتلوا على أيدي فلسطينيين وتقديم قاتليهم للمحاكمة العلنية لمعرفة الأسباب والدواعي والظروف التي تمت فيها عمليات القتل، وهل كان ما فعله الشخص يستحق القتل أم لا؟ فإذا كان الشخص المتهم بالتعاون مذنباً فقد نال عقابه وإذا تبين العكس فيجب معاقبة قتلته الذين أخذوا دور الوكيل العام والمحامي والقاضي والجلاد في نفس الوقت!
ولم تستجب السلطة الفلسطينية لأي من المطالب التي نادت باعادة الاعتبار لبعض الذين قتلوا على خلفية الاشتباه بتعاونهم مع العدو الإسرائيلي، وكأن لسان السلطة يقول «ان كل من مات كان يجب أن يموت..!».
وفي ظل انتفاضة الأقصى والاستقلال الحالية، وفي ظل القتل اليومي والمنهجي لأبناء الشعب الفلسطيني، وتهويد القدس والتهديد باقتحام أراضي السلطة واعادة احتلالها، ظهرت ملامح الفتنة الفلسطينية الفلسطينية التي خطط لها العدو الإسرائيلي منذ سنوات عديدة، ومهد لها قبل انسحابه من غزة بكل الوسائل والسبل، بعملائه المعروف منهم وغير المعروف، بالأسلحة التي تركها خلفه، بالحصار الذي يفرضه على الأراضي الفلسطينية التي وصلت إلى حد المجاعة بالتحريض على القيادة الفلسطينية من خلال اظهارها بمظهر العاجز عن حماية شعبها!!.
إن ما جرى في مدينة خان يونس قبل أيام من اشتباكات عنيفة بالأسلحة وسقوط هذا العدد من القتلى والجرحى على خلفية قتل أحد المشتبه بتعاونهم مع العدو الإسرائيلي في الانتفاضة الأولى، وانتقام عائلة القتيل من قاتل ابنهم يعطينا دليلاً واضحاً على الفتنة التي بدأت تطل برأسها والتي تعتبر قضية العملاء أحد أبرز أسبابها. وبالرجوع إلى أسباب الفتنة نجد أن تهاون السلطة الفلسطينية في هذا المجال أدى إلى ما سبق: عندما نكتشف وجود بنود سرية في اتفاقية اوسلو المشؤومة تمنع السلطة من محاسبة العملاء، بل وادخالهم في الأجهزة الأمنية.. فهذه هي الفتنة..!عندما يعلن قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بأن أسماء وأماكن العملاء معروفة لديهم، ولا يحركون بعد ذلك ساكناً أمام جرائم هؤلاء العملاء.. فهذه هي الفتنة..!
عندما يقوم بعض المتنفذين والمنتفعين في السلطة بعملية غسيل وتبييض للعملاء، وادخالهم في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.. فهذه هي الفتنة..!
عندما يكثر الحديث عن وجود المئات من الذين قتلوا في الانتفاضة الأولى على قضية الاشتباه بتعاونهم مع الموساد الإسرائيلي بأنهم أبرياء دون محاكمة قتلتهم.. فهذه هي الفتنة..!عندما تفشل الأجهزة الأمنية في افشال أي عملية إسرائيلية واعتقال أي من العملاء الذين ساهموا في اغتيال كوادر وقادة الانتفاضة قبل الاغتيال.. فهذه هي الفتنة..!عندما يصدر حكم محكمة أمن الدولة الفلسطينية على أحد عملاء العدو، والذي ساهم في قتل اثنين من كوادر حركة فتح وجرح سبع وعشرين من المواطنين بالسجن بدلا من الإعدام.. فهذه هي الفتنة..!
ويطرح السؤال التالي نفسه:لمصلحة من ما جرى في خان يونس؟ ومن المستفيد مما حدث؟ قد تكون الاجابة عند الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي أهملت المتعاونين مع العدو الإسرائيلي طوال السبع سنوات الماضية من عمر السلطة، وانتبهت لقضايا التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي، وما تبع هذا التنسيق من أمور لا مجال لذكرها في زمن الانتفاضة الحالية..!
إن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أحوج ما يكون الآن إلى الوحدة الوطنية لمجابهة أعباء المرحلة القادمة، هذه الوحدة التي أهملتها السلطة الفلسطينية منذ دخولها الأراضي المحررة وحتى بداية انتفاضة الأقصى الحالية لأسباب يعرفها الجميع ..! لقد تحدث الكثيرون عن الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولكن هذا الحديث في كثير من الحالات «كلام حق يراد به باطل»، فالوحدة الوطنية ضرورة استراتيجية نابعة من حاجة هذا الشعب الذي مازال معظم أراضيه مغتصبة، ومقدساته تتعرض للتهويد، وشعبه يتعرض يومياً للقتل والاعتقال والتدمير. إن الوحدة الوطنية هي التي تفرض على الشعب الوقوف صفاً متراصاً أكثر من أي وقت مضى، وتغليب المصلحة العليا على كل الاهتمامات والقضايا الجانبية.المهم الا يتكرر موقف تدمير الذات على قاعدة «عليَّ وعلى أهلي»، وليس «عليَّ وعلى أعدائي»، كما حدث في خان يونس قبل أيام، ونتجنب تكرار المأساة في المستقبل، والبعد عن الاحتكام إلى السلاح بين أبناء الشعب الواحد الذي سيجر إلى ويلات كثيرة على رأسها اغراق أرض فلسطين في حمامات دم قوامها الثأرات والثأرات المضادة، ونحن نجابه عدواً واضحاً ومحدداً هدفه الأساسي القضاء على الإنسان الفلسطيني..!
* كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
aabuhashim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved