أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 7th August,2001 العدد:10540الطبعةالاولـي الثلاثاء 17 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

نحو مؤسسات للارتقاء السلوكي في المملكة
اللواء م. عبد الله بن دليم البدراني
لقد عانى المجتمع الإنساني وما يزال يعاني من معضلات عديدة يغالبها فتغلبه أحيانا «ويتغلب عليها أحيانا» أخرى وسيبقى في كفاحه معها الى ما يشاء اللّه.
ومن هذه المعضلات ما هو خارج عن كيانه ومنها ما هو في ذاته ولعل من أهم المشكلات الاجتماعية فشل المجتمع في استكمال التوافق بينه وبين بعض أعضائه إما لتباطؤ التطور في عاداته وأخلاقياته وإما لنقص تنشئة بعض أعضائه فيصدر منهم تصرفات لا تنسجم معه يعدها مشكلة تحتاج الى المغالبة.
وقد انتهج المجتمع الإنساني في مغالبته لهذه المشكلة ما يعكس بدائية المفهوم وسذاجته. وذلك بالانتقام والتعذيب والإيلام على أساس أن العضو هو المسؤول مسؤولية تامة عما بدر منه. ولكنه بذلك لم يتغلب عليها في مراحل التاريخ المتعاقبة. بل بقيت ملازمة له بازدياد مستمر مثبتة فشلا اجتماعيا « آخر ليس على مستوى حدوثها أصلا، وإنما على مستوى علاجها أيضا».
والآن في العصور الحديثة لاح في الأفق مفهوم أوسع لهذه المشكلة، لا يلقي بالمسؤولية بأكملها على عاتق الفرد، وإنما يحمل المجتمع أيضا مسؤولية في ذلك فنتج عن هذا التصور الجديد أسلوب جديد، ألا وهو أسلوب يهدف الى أن يصحح الفشل في التنشئة الاجتماعية بإعادتها مرة أخرى في مؤسسات اجتماعية متضمنة جزاء يتواءم مع مسؤولية الفرد عما بدر منه.
وتبلورت مجهودات المجتمع الدولي في هذا المجال في بداية النصف الأخير من القرن العشرين الميلادي الى استخراج وثيقة دولية هامة سميت بقواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين وهي لا شك مستوى من المعاملة يعكس معنى إنسانيا يجب ألا تقل عنه في أي دولة.
وقد تبنى معهد الدفاع الاجتماعي في روما التابع للأمم المتحدة دراسة موضوع بدائل للسجون نظرا لوجود أزمة عالمية في المعاملة داخل المؤسسات العقابية وعدم وجود برامج للمعاملة بصورة فعّالة تعمل على تحقيق أهداف السجون في الاتجاهات المعاصرة وهي إعادة تأهيل الجاني على الحياة الاجتماعية.
والمملكة العربية السعودية تسعى دائما الى تطبيق ما يمليه الفكر الإسلامي النير في هذا المجال فحكومة خادم الحرمين الشريفين ووزارة الداخلية وإنما تسعى الى تطوير وتحسين أوضاع السجون في المناطق كما أن اللوائح والنظم في المملكة العربية السعودية لا تقف في معاملتها للبحث عن حد الوثيقة الدولية التي وزعتها الأمم المتحدة على الدول بل تتجاوزها الى مستوى أفضل وهذا طموح من قبل ولاة الأمر حفظهم الله.
ومشاركة مني فإنني أطرح على اللجنة العلمية لندوة الإصلاح والتأهيل بدراسة تغيير الاسم السجوني الى الاسم الارتقائي ترميزا للتحول من النظرة الكلاسيكية القديمة الى النظرة الجديدة وتعميقا للمفهوم السليم لمغزى هذه المؤسسات لدى العاملين فيها ونزلائها وبقية أفراد المجتمع لما لذلك من أثر في التصور وتأثير في الانطباع والسلوك والتطوير.
إن الاسم الجديد الذي اقترحه هو «المديرية العامة لمؤسسات الارتقاء السلوكي في المملكة العربية السعودية» وهذه التسمية أرى أن تكون بديلا عن الاسم السجوني أو «الإصلاحي» الذي أطلقه بعض العلماء كتسمية خاصة للصورة الحديثة للنظام التدريجي لاهتمامه بوسائل التأهيل والتعليم، والتوجيهية نحو العمل المنتج وتقوية الصلات بين النزيل والمجتمع الخارجي بما ابتدعه من أساليب حديثة كالإفراج الشرطي والإجازات والسماح للنزيل بالعمل بالمؤسسات الخارجية وإتاحة الفرص أمامه لكل ما من شأنه إعادة الثقة بنفسه اليه.
وهذه التسمية ترمي الى اهتمامات المؤسسة المهنية بالنزلاء من تنمية للشعور وتحسين للسلوك لدى النزلاء ليس لإصلاحهم فقط بإعادتهم الى مستوى كانوا عليه، وإنما قد يكون برفع مستوى سلوكهم الى مستوى سابق مقبول، والى أعلى من ذلك، فمن المرجح نجحت المؤسسة في عملها أن يخرج النزيل أفضل مما كان عليه قبل سبب دخوله لها.
إن تسمية الارتقاء السلوكي الجديدة ذات دلالة عضوية حية تضفي الحيوية والتفتح على المؤسسة المعنية بالنزلاء ونظامها المتبع داخلها ولا تجعل نجاحها في التهذيب والرقي بسلوك النزلاء واقفاً عند حد. وذلك على خلاف تسمية «المؤسسة الصلاحية» أو «النظام الإصلاحي» حيث إنها ذات دلالة ميكانيكية آلية تعوزها الحياة وتوقف غرض المؤسسة عند حد الإصلاح الى حالة سابقة للنزيل، ولا ترقى كثيرا عن مدلول المؤسسة المغلقة وأنظمتها في حين أن تسمية الارتقاء السلوكي ترقى الى مفهوم المؤسسات المفتوحة وأنظمتها الحديثة وتتشمى مع مدلولاتها ومراميها، كما أنها أجدر بالنزيل بصفته كائناً حياً، يضاف الى ذلك أنه مما لا ريب فيه أن للألفاظ تأثيرا على التصور والتصرف وذلك لما للألفاظ من تأثير على الجهاز العصبي، فالإدراك الذهني منشأ «تصور» لدى الإنسان يقوده الى تصرف معين.
«فتفكير الإنسان» كما قال ستيوارت شيز في كتابه «قوة الكلمات» يتبع المسارات المبسوطة في لغته.. لذلك لا يخفى ما لهذه التسمية الجديدة من أثر في تطور وسلوك العاملين في هذه المؤسسات ونزلائها، ومالها من تأثير إيجابي على انطباع المجتمع وتفهمه لوظيفة هذه المؤسسات، إضافة الى أن التسمية الجديدة اسم على مسمى كما يقول المثل العربي فاسم «المديرية العامة لمؤسسات الارتقاء السلوكي» أفضل وأصح من اسم «المديرية العامة للسجون» واسم المجلس الأعلى لمؤسسات الارتقاء أفضل وأحدث دلالة من المجلس الأعلى للسجون واسم «مؤسسة الارتقاء السلوكي» بمنطقة «كذا» أحسن وأصح من «سجن منطقة كذا» ففي التسمية الجديدة دلالة أصدق وحافز أقوى الى ما يراد أن يكون على مسماه ولكل شيء من اسمه نصيب كما قال الشاعر العربي في هذا المعنى:


وقلّ إن أبصرت عيناك ذا لقب
إلا وجدت له معنى من اللقب

* مدير شرطة حائل سابقاً

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved