أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 7th August,2001 العدد:10540الطبعةالاولـي الثلاثاء 17 ,جمادى الاولى 1422

عزيزتـي الجزيرة

الطائف بلاد الورد والرمان والكادي مؤهلة لاحتضانها:
وهل يُعْجِز بلادنا إعادة "سوق عكاظ" في موسمها السياحي؟!
يقال للمحل الذي يباع ويشترى فيه سوق، لأن التجارة تُجلب وتساق اليه. وقديما كان هناك ما يُسمى بأسواق العرب، ومعرض الحديث عن السياحة المحلية قادني للحديث عن هذه الأسواق وأهميتها في دعم أنشطة تلك السياحة ومردودها الكبير اقتصاديا وثقافيا بل ودينيا على بلادنا الحبيبة بلاد الحرمين الشريفين، فالسياحة المحلية أضحت درعا حصينا وهي بلا شك موئل للثقافة بمفهومها الحديث. وثمة أمور كثيرة نتساءل عن عدم وجودها ونحن نعيش عصرا سياحيا آخذا في التطور والاطراد؟! وأهم هذه الركائز الأسواق القديمة والتي نعتبرها إرثا ثقافيا تختص به الجزيرة العربية. وقادة هذه البلاد جعلوا أسواق الحاضر الزاهر تطاول فخرا تلك الأسواق القديمة فمهرجان الجنادرية مثلا هو صورة مطورة لسوق عكاظ والمربد ناهيك عن مهرجانات التسوق والفنون في جدة والمدينة المنورة وعسير..
وأسواق العرب هي أصلا منتديات أدبية كانت تقام في الجاهلية والإسلام، وأدت دورها الديني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي على أكمل وجه. وكانت هذه الأسواق هدفا للبيع وتجارة السلع المختلفة والمواد الغذائية والطيب والحيوانات بأشكالها ولم تقتصر على ذلك فقط، فقد كانت ملتقى أدبيا ومسرحا للشعر والمفاخرة والتناظر، وفيها برزت أسماء محكمي الشعر المشهورين أمثال النابغة الذبياني الذي كانت تضرب له قبة حمراء من أدم فيحكم بين الشعراء.. ومنهم أكثم بن صيفي والأقرع بن حابس وصفوان بن أمية وعبد المطلب وأبو طالب.. وغيرهم.
ومن أشهر هذه الأسواق التي تعنينا باعتبار الموقع الجغرافي والإرث الثقافي سوق عكاظ ومجَنّة وذي المجاز غير أن العرب عرفوا أسواقا موسمية أخرى في جزيرتهم العربية منها على سبيل المثال: سوق دومة الجندل وسوق هجر وسوق صنعاء.. ولكن ما يعنينا حاليا الحديث عن سوق عكاظ ويقع بين مكة والطائف وهي - الأسواق تُذكَّر وتؤنث - الى الطائف أقرب، وسمي بذلك لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضا في المفاخرة أي يقهره ويغلبه، أو أنها مأخوذة من التعكّـظ وهو احتباس النظر في أمورهم. وكانت السوق تستمر عشرين يوما أول ذي القعدة الى العشرين منه وهي أشهر أسواق العرب وأعرقها وأعظمها شأنا في الجاهلية والإسلام ناهيك عن كونها سوقا تجارية كبرى لعامة أهل الجزيرة ومرتعا لعروض التجارة كالحرير والمعادن والزيوت وكانت تستقبل تجارات من الخارج مثل تجارة أهل فارس.
ولم يكن للعرب محفل أحفل منها حتى ضرب بذلك المثل، وعكاظ سوق أدب يجتمع فيه الشعراء من كل ناحية ولهم محكِّمون، كالنابغة الذبياني ـ كما أسلفنا ـ تضرب لهم القباب وقولهم الفصل بين الأدب والشعر وفي عكاظ علقت القصائد السبع الشهيرات. وكانت مكانا لأهل الدعوات الإصلاحية، فكان يقصدها قس بن ساعدة الذي كان يخطب في الناس ويذكرهم بعظمة الخالق سبحانه وتعالى.
ويكفي السوق شرفا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد هذه السوق وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فيها الى الإسلام الحاضرين للمواسم.
وكانت شؤون هذه السوق لقيس بن عيلان وثقيف وهي سوق عامة ليس فيها عشار، وكانت تنزلها قريش وخزاعة وهوازن وغطفان والاحابيش وطوائف من أحياء العرب، يؤمونها من العراق والبحرين واليمامة وعمان واليمن.. وغيرها.
واتخذت هذه السوق بعد عام الفيل ببضع عشرة سنة ثم تضاءل شأنها بعد سنة 29 هـ بظهور حركة الخوارج فخربت بعد ذلك وهُجرت!!
كم هو مؤسف أن تكون النهاية مؤسفة لهذه السوق، ومع مرور الأجيال والقيادات الإسلامية والعرب لم يتحرك الضمير الثقافي والأدبي لأي منهم لإحياء هذه السوق ومعاودة نشاطها السابق. وهذا ما دعاني حقيقة وحق لي أن أدعو قياداتنا الرشيدة لأن تتبنّى فكرة إعادة هذه السوق لا سيما والطائف الحبيبة تقابل زوارها سنويا بحلتها القشيبة وورودها الفواحة ورمانها الممزوج بأطيابها حتى غدت المصيف الأصيف لملايين الزائرين لبيت الله العتيق وللسياح العرب والخليجيين ضيوف خادم الحرمين الشريفين الذي ضرب أروع المثل بانجازاته الخالدة ومثلها الأروع توسعته الشهيرة ـ يحفظه الله ـ لبيت الله العتيق ولمسجد رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.
وبلادنا حينما تتبنّى فكرة إعادة سوق عكاظ فإنها لا تعيد التسويق كما هو، بل حتما ستتفوق على نفسها بما لديها من مقدرات ثقافية واقتصادية وقبل هذا دينية لا تتوفر لغيرها من رواد المنطقة وأهلها. وظهر ذلك جليا في نجاح واستمرار مهرجان الجنادرية.
وحين أتحدث عن سوق عكاظ فإني أعني هذا السوق تحديداً، ولم أتحدث عن السوقين الآخرين سوق مجَنَّة، وتعقد بأسفل مكة بمر الظهران "وادي فاطمة حاليا"، ولم أتحدث ايضا عن سوق ذي المجاز "يقال انها بين مكة وعرفات. وهي في الأهمية بعد سوق عكاظ"، وذلك لأن عكاظ الأشهر وهي الأقرب للنجاح مع هذه الموجات الصيفية من السياحة المحلية، وتزايد السواح في مناطق الطائف والجنوب. ولا أحد ينكر ما لهذه السوق من أثر بارز في الدين هذا الى جانب الانتعاش الاقتصادي وتنويع السلع من مختلف أنحاء الجزيرة ومن خارجها. وسابقا كان المشجع على قصد هذه الأسواق أنها تعقد في الأشهر الحرم فكان الأمن فيها مكفولا فأمن مرتادوها وكثر قاصدوها، أما بلادنا الآن فكلها أشهر آمنة لوجود الأمن والأمان بدرجة عالية .
كما لا ننسى أثرها الثقافي والإعلامي لبلادنا. ولو كان لي من الأمر شيء لاقترحت إعادة دوري منتخبات المناطق في كرة القدم بحيث تقام الدورة في أيام سوق عكاظ "المنتظر"، ولاقترحت إقامة معارض الكتاب المخفضة ومعارض الحاسبات العالمية وأسواق المنتجات الاستهلاكية العالمية المخفضة. ناهيك عن السلع الشعبية الطائفية الشهيرة بمطبخها الشعبي وأكلاتها الشهية ومصنوعاتها اليدوية. ولكررت ما يقام في الجنادرية من فنون وأمسيات شعرية وأضفت اليها المسرحيات الخليجية والعربية المحتشمة.
وكذلك لأقمت فيها المتاحف الأثرية والعلمية "مثل متحف الأسماك العالمي، ومتحف الزواحف، ومتاحف الزهور، وحدائق الحيوانات الشهيرة" ويتم ذلك بفتح الاستثمار مع المؤسسات والشركات الاستثمارية العالمية.
أيضاً لأقمت فيها المدن الترفيهية الكبيرة وحدائق الحيوانات الكبرى على غرار ما يقام عالميا بتصميم غاباتي مدروس ينأى بعقولنا عن التقليدية البعيدة عن صناعة الدهشة.
سؤال آخر يتردد أيضا بلا تردد:
لماذا لا نقيم دور السينما؟!
إنه سؤال ملح، وهل يعني إقامتنا لهذه الدور في مهرجان مثل سوق عكاظ "المنتظر" أننا نجلب خروقا لعاداتنا وتقاليدنا؟!
إننا لا نتحدث بالضرورة عن السينما الروائية، بل نرفضها تماما، ونطلب دور السينما التعليمية والثقافية والتي يتم ربطها تكنولوجيا بمقاعد المتفرجين وسط تناغم صوتي ومرئي ليخلق تأثيرا إبداعيا يهدف الى التسلية والتعليم، وسط خلفيات مناخية رائعة مثل المطر والبرد والحر والبرق والظلام والنور.. وغيرها لتخلق أجواء صادقة ومفيدة وممتعة..
بلادي الحبيبة:
دعيني أحلم بإعادة سوق عكاظ في الطائف وخصوصا في هذا التوقيت الذي يتزامن مع موسم السياحة المحلية.
فالحلم في بلادنا ليس من الصعوبة أن يتحول الى حقيقة!!
فالمملكة العربية السعودية كدولة حديثة هي حلم كان يراود سكان الصحراء الحالمة والحارقة وها هي بعد 100 سنة تحولت الى دولة تسابق وتتقدم بلادا تتكئ على إرث ثقافي وحضاري يعود الى مئات السنين.. بلادنا الحديثة انجاز عمره "100" عام، ولكن المتأمل للإنجاز سيجد أن عمره المفترض مليون مائة عام!!
منيف بن خضير الضوي
مشرف تربوي
محرر بجريدة الجزيرة ـ رفحاء

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved