أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 8th August,2001 العدد:10541الطبعةالاولـي الاربعاء 18 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

رؤى وآفاق
علماء الرحلة والأسفار
د. عبد العزيز بن محمد الفيصل
اقترن علم بعض علماء المسلمين بالرحلة والأسفار، فتلك الفئة من العلماء لا تستقر في بلد إلا وترحل إلى بلد آخر، وتنقلها لم يثنها عن العلم وتحصيله، ومن المعروف أن علماء المسلمين الأوائل لا يقتصرون على نوع واحد من العلوم وإنما يشمل تحصيلهم العلوم الشرعية والعربية وتقويم البلدان والتاريخ وعلم الفلسفة والنجوم، ومن المؤكد أن كتب أولئك تصحبهم أينما رحلوا وحيثما اتجهوا، لأن العلم لا يتممه ولا يكمله إلا الكتب، فحفظ الإنسان مهما بلغ لا يمكن أن يغنيه عن الكتب. والرحلة في طلب العلم معروفة عند المسلمين، فيرحل طالب العلم من بخارى إلى مكة أو المدينة، أو من مصر الى الشام أو العراق، وقد تكون الرحلة من أجل الاستقرار في قطر اسلامي آخر كما فعل أبو علي القالي عندما رحل من العراق إلى الأندلس، وحمل معه مكتبته التي حفظت كثيراً من مؤلفات علماء المشرق، فتلك الرحلات كثيرة، وهي إما لطلب العلم أو الاستقرار في بلد آخر، وهذه لا نقصدها لتلك الفئة من العلماء، فعلماء الرحلة والأسفار اتخذوا الرحلة ديدنهم، فهم لا يستقرون في بلد مدة إلا ويرحلون منها إلى غيرها، فمن أولئك عمارة اليمني، فقد جمع بين التجارة والعلم، فتنقل بين عدن وزبيد، ثم انتقل إلى الحجاز، وأقام بها، وخدم أمير مكة، وانتقل بعد ذلك إلى مصر، ثم عاد إلى الحجاز، ورجع مرة أخرى إلى مصر وخدم الفاطميين، ولم تشغله الرحلات عن العلم والتحصيل، فهو مؤرخ وأديب بالاضافة إلى شاعريته، ومنهم أمير القلم والسيف أسامة بن منقذ، فهو أمير وشاعر وفارس ومؤلف، اتخذ الرحلة والأسفار منهجه مع تحصيل العلم وصحبة الكتب، فقد نشأ في قلعة شيزر في زمن الاضطراب في بلاد الشام، فوالده أمير القلعة، والمقاتلون المدافعون عنها من الأسرة نفسها، وقد ذكر أسامة بن منقذ طول الحصار من قبل الباطنية، وأثر نساء آل منقذ في الدفاع عن القلعة، وقد غادر أسامة قلعة شيزر القريبة من حلب إلى دمشق فأقام بها مدة ثم انتقل إلى مصر، وأقام بها ثم عاد إلى الشام، وقد حارب الصليبيين، وعاشرهم، وعرف أحوالهم، ونقل إلينا كثيراً من عاداتهم في كتابه الاعتبار، وقد أمضى عمره في الحرب، ومع ذلك فقد أسهم في التأليف، فَعُدَّ من المؤلفين فله من الكتب لباب الآداب، والمنازل والديار، وكتاب الاعتبار، وديوان شعر، وقد أودع تجاربه الحربية كتابه الاعتبار، وبما أن تلك التجارب لها علاقة بالصليبيين الموجودين في بلاد الشام في زمن أسامة فقد اهتمت الأمم الأوروبية بكتاب أسامة الاعتبار، وترجمته في عصرنا هذا الى لغاتها من أجل الاطلاع عليه، ومما دونه في كتابه عدم النخوة والغيرة عند الصليبيين، فليست عندهم غيرة على محارمهم، ومما دونه في كتابه طِباعُ الحيوان، فيذكر انه شاهد جرو أسد انهزم لما حمل عليه خروف، ومما قدم كتابه الاعتبار ووضع له هذه المنزلة أن أسامة لم يؤلفه الا في سن متقدمة، فقد ألفه وهو يدنو من التسعين، وله شعر يدل على ضعفه وتقدمه في العمر من ذلك قوله:


فاعجب لضعف يدي عن حملها قلماً
من بعد حَطْمِ القنا في لبة الأسد

ومن أولئك ابن بطوطة محمد بن عبد الله الطنجي الذي جاب أقطار المغرب ومصر والشام والحجاز واليمن والبحرين وفارس والعراق وبلاد الترك والهند والصين وجاوة وأجزاء من أفريقيا، هذه الرحلات التي استغرقت سبعاً وعشرين سنة لم تصرفه عن العلم والتحصيل، فهو فقيه ومؤرخ وشاعر، وكتبه تصحبه في رحلاته الطويلة، وقد دون مشاهداته في كتاب سماه «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» وهو المعروف برحلة ابن بطوطة، وكتاب رحلته مطبوع ومترجم إلى اللغات الأوروبية.
ومنهم ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، فقد انتظمت رحلاته بلاد الأندلس غرناطة واشبيلية، وبلاد المغرب، وتونس، ومصر، ولم تثنه تلك الرحلات عن التحصيل والتأليف، فقد تولى قضاء المالكية، وألف كتابه الكبير (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر) وقد اشتهرت مقدمة هذا الكتاب لما أودع فيها المؤلف من الآراء الجديدة التي تعد أساساً لعلم الاجتماع، وقد اهتم الأوروبيون بمقدمة ابن خلدون وترجموها الى لغاتهم.
هؤلاء من أشهر العلماء المسلمين الذين جمعوا بين الرحلة والتأليف.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved