أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 9th August,2001 العدد:10542الطبعةالاولـي الخميس 19 ,جمادى الاولى 1422

فنون تشكيلية

احتضار القيم التشكيلية
هدى العمر
لفت انتباهي مؤخراً المعارض التشكيلية العالمية وعلى رأسها معرض بينالي القاهرة الدولي الثامن لعام 2001م والذي أقيم في مدينة القاهرة ومعرض البينالي العالمي ال 49 للفنون التشكيلية والذي أقيم في مدينة البندقية «ايطاليا» باسم «منصة البشرية»، وهذا المعرض مازال مستمراً إلى شهر نوفمبر من العام الميلادي الحالي. وما لفت انتباهي هو قرار لجنة التحكيم لهذه المعارض في اختيارهم للأعمال الفائزة ويفترض أن هؤلاء المحكمين في مثل هذه المعارض العالمية مخضرمون في المجال التشكيلي ومرشحون من قبل بلاد مختلفة لاختيار أعمال تحمل مضامين فكرية وتقنية بالاضافة إلى القيم الفنية الأصيلة والتي يخضع لها أي عمل فني ومع هذا فان معظم الأعمال التي تفوز في هذه المعارض تحتاج إلى عضلات قوية وفضلات مصانع أو أحيانا «أكرمكم الله»، مخلفات بشرية، فمثلاً في معرض بينالي البندقية الأخير فاز الأمريكي ريتشارد سيرا من ضمن 64 دولة و 286 مشاركاً بعمل أطلق عليه اسم «الصبي اليافع»، وهو عبارة عن شريط من فولاذ يزن 240 طناً وطوله 16 مترا وارتفاعه أربعة أمتار وقد عرض العمل ملتفاً حول نفسه على شكل دائري. والأمريكي ريتشارد كوبر عرض في غرفة خاصة بقايا من فيضان أحد الأنهار مثل أنابيب مكسرة وقوارير فارغة وقطع خشب مبعثرة وأحد المشاركين بنى بيتا وفنان آخر عرض شريط فيديو ساخراً. وبعضهم وضع مجموعة من السلاحف الحية على باب إحدى صالات العرض. ولعل ما لفت نظري هو عمل الفنان الياباني مستو ناكومورا الذي وضع حرف ال «م»، باللغة الانجليزية على شكل هالات القصد منها رمز لمطاعم الأكلات السريعة «ماكدونالد» تعبيراً عن السخرية من الحداثه واندفاع العالم مع موجة العولمة.وربما كان هذا العمل يصلح للعرض في وحدات التنظيم العذائي في أحد مراكز الحمية التابعة للمستشفيات.
واستوقفتني جميع هذه الأحداث التشكيلية لأتساءل أين الأصالة الآن في الفن التشكيلي المعاصر وإلى ماذا تقودنا أفكار الغرب؟ هل نهجر مراسمنا ونتجاهل أريج الألوان ونكتفي بعرض خرقة ممزقة في غرفة خالية تعبيراً عن المجاعة؟ أو نجوب الشوارع بحثا عن حيوان يعاني من المرض ونضعه في صدر قاعة عرض تعبيرا عن الرأفة بالحيوان؟ ان ما وصلت إليه الآن الفنون الغربية الحديثة ظاهرة خطيرة تمشي بخطوات ثابتة نحو طمس معالم القيم التشكيلية الأصيلة وأصبح فنان العصر يميل إلى الطرق السريعة للتعبير متناسيا أن الفن هو إطار للحياة الاجتماعية والحضارية والانسانية التي يعيشها .
ولقد أحزنني كثيرا أن أجد الفنان التشكيلي العربي يشارك في هذه المعارض الدولية بأعمال مماثلة لهذه «الصرعات الحديثة»، دون وعي بخطورة ما ينتجه من أعمال تشكيلية تتبع تقاليد مجتمعات واعتقادات بلدان أخرى وأن هذه البلدان تحمل موروثات سلوكية وفكرية تختلف عن موروثاتنا وسلوكياتنا العربية وهو الفنان العربي الذي يملك إرثاً حضارياً قوياً وصاحب حضارات علمت العالم كل أنواع الفكر والفن والثقافة.
والفن لا يحمل انعكاسا للواقع أو البيئة الجغرافية والمناخية المحيطة حولنا فقط ولكنه يحمل نظرة مستقبلية لنمط حياة جديدة ننشدها وتتماشى مع الاكتشافات والتكنولوجيا الحديثة مع الحرص كل الحرص بأن لا نضيع هويتنا العربية.والفنان العربي الأصيل قادر على المنافسة ولابد أن يكون على وعي بكل صرعة غريبة تأتي دخيلة على مفهوم الفن التشكيلي باسم الحداثة فتطرق أفكاره وإبداعه وأصوله بحبال تقوده إلى مجهول التشكيل فيفقد هويته وأصالته.
والله الموفق.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved