أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 9th August,2001 العدد:10542الطبعةالاولـي الخميس 19 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

مرافىء الواقع
د. فهد حمد المغلوث
هل فكرت يوماً ان تفرغ نفسك وتستجمع قواك وتتجه نحو مرافىء الواقع أينما كانت وبكل ما فيها من حقائق مؤلمة وتفاصيل قد تكون مُرّة ربما يصعب عليك تقبلها بسهولة.
هل فكرت في مواجهة الحقائق التي تمر عليك يومياً دون ان تشعر بها او تلتفت إليها رغم أنها من حولك من كل جانب وعلى مرأى منك؟ لابد ان نعترف شئنا أم أبينا أننا نكبر مع كل يوم يمضي ومع كل ساعة تنقضي وان الأيام تجري بسرعة دون ان نحس بها وانه في الوقت الذي نحقق فيه مكاسب في هذه الدنيا فإننا نخسر أشياء اخرى كثيرة في الجانب الآخر ومن دون ان ندري!
نخسر تضحيات لا عدَّ لها دون ان يقدِّرها احد او يلتفت إليها او يشكرنا عليها ولو من قبيل المجاملة!
نخسر تنازلات كثيرة على حساب أنفسنا وصحتنا ووقتنا ومالنا من اجل ان نحظى ولو بشيء بسيط جدا يرد لنا اعتبارنا او يجعلنا نعيش في سلام وهدوء ونحتفظ بكرامتنا واحترامنا لأنفسنا؟
قد تنظر لما نقوله بشيء من المبالغة ولكن ماذا لو فكرت بكل شيء اخذته او حصلت عليه هل فكرت كم كلفك كل ذلك؟ ولا اقصد هنا الناحية المالية فقط وان كانت مهمة وهل بالفعل هنئت واستمتعت به كما كنت تتمنى؟ ام ان حصولك عليه كان لهدف آخر؟ وما تبعات ذلك عليك فيما بعد؟
إنها حقيقة مزعجة بالنسبة للكثيرين ولا نشك ولكن الى متى يظل الانسان منا يكابر نفسه ويتجاهل أبسط الحقائق؟
نحن مع الاسف لا نحس بحقيقة ان الأيام تمضي وانها محسوبة من عمرنا. لا نحس بها الا حينما نرى من هو أصغر منا مثلا، الا حينما نعود الى مذكراتنا الشخصية ونفتحها ونتصفحها ونقرأ ما فيها ونتذكر تلك الايام الخوالي التي ولَّت ولن تعود بالكيفية التي نريدها!
لا نحس بجريان الأيام الا حينما نرى اطفالنا الصغار يكبرون فجأة امام أعيننا وتصبح تلك الفتاة الصغيرة المدللة شابة في مرحلة المراهقة او بداية مرحلة النضوج وكذلك الشاب وتزداد مطالبهم ويكبر همُّهم وتكثر مشاكلهم.
لا نحس بهذه الايام تجري الا حينما نرى مؤشرات جسدية مختلفة تبدأ في الوضوح علينا دون ان نستطيع إخفاءها او تجاهلها!
فهذه الفتاة الصغيرة المدللة التي كانت تهوى اللعب بعرائسها وتسبح في خيالاتها البريئة لم تعد كذلك، بل تغيرت اهتماماتها وبدأت تتجه لمن هم في مثل سنها وبدأت تكثر الاهتمام بنفسها بل حتى ان مجرد اطلاق اسم الطفلة عليها اصبح يضايقها رغم ان بداخلها طفلة صغيرة ما زالت بحاجة لمزيد من الدلال والحنان الطفولي والعطف.
بل وحتى الفتاة المراهقة وجدت نفسها هي الاخرى فجأة في سن الجامعة وفي مجتمع مختلف عما تعودته. وجدت نفسها في صراع لم تعهده من قبل، صراع بين كونها تريد ان تعيش عالم الفتاة الصغيرة الحرة التي تفعل ما يحلو لها ببراءة دون مساءلة وبين احساسها بأنها كبرت وأنها محط انظار الجميع وأنها قد تكون غداً في منزل آخر غير منزل والدها الذي تعودت عليه وألفت العيش فيه مع بقية افراد اسرتها.
وهنا يبدأ الخوف من المجهول ومن المستقبل الذي لا تعرف ماذا يخبئه لها من مفاجآت واحداث ومواقف لا تستطيع مواجهتها بمفردها او تحملها لكونها اكبر من قدراتها.
وهكذا الوضع مع الابن لا يختلف كثيراً عما هو الحال مع الابنة الا في الاختلافات المتعلقة بالشباب واهتماماتهم وطموحاتهم التي قد تفوق قدرات الآباء على تحقيقها حتى في المنظور البعيد.
صحيح ان الانسان يكبر مع الايام في اشياء كثيرة وهذا لا يعني فقط الاشياء السلبية او المؤلمة ولكن هذا معناه أننا ننضج ونكون اكثر فهماً للحياة واكثر وعياً بها واكثر قدرة على العطاء من ذي قبل.
ومعنى هذا أيضاً ان الانسان منا يكبر عقله ويعالج الامور التي تعترض حياته بمنطق الحكمة والعقلانية بما فيها من تنازلات وتضحيات صعبة أحياناً من اجل ان تسير دفة الحياة ومن اجل ان يحافظ على ما لديه بأقل الخسائر الممكنة وهذا هو المعنى الحقيقي للتفاوض في تسيير دفة شؤون الحياة المختلفة بأقل خسارة ممكنة.
ولكن ماذا يعني أننا نكبر؟ هل يعني هذا ان نظل كما نحن؟ وهل تبقى الظروف كما هي لا تتغير؟ أبداً، ان هذا يعني ان نظرتنا للامور من حولنا تتغير ولكن للأجمل، وهذا هو المفترض. اشياء كثيرة كنا نتضايق منها في السابق ولكن مع مرور الايام تتبدل هذه النظرة القاصرة او الوقتية او المثالية لتصبح اكبر وعياً وشمولية وعقلانية.
ان الواقع حينما يستمر معنا طويلاً يجبرنا بإرادتنا وبغير ارادتنا ان نغير مفاهيم كثيرة وان نقدم تضحيات وتنازلات كبيرة من اجل ان تسعد بقية حياتنا ومن اجل ان يكون لنا ولو جزء بسيط يجعلنا نعيش في هدوء وسلام.
الواقع رغم مرارته أحياناً على النفس يجعلك تعرف قدرك لدى الآخرين بشكل افضل فأنت في مرحلة عمرية من حياتك تقدم اشياء افضل وافضل من المراحل العمرية السابقة، ليس لأنك تكبر مع مرور الايام، بل لأنك تشعر أحياناً أنك موضع تقدير واحترام ممن هم حولك لذلك فان كل ما تقدمه لهم وتعطيهم إياه لا تحزن عليه لأنك تجد نفسك فيما تقدم.
الواقع يقول إنني طالما اكبر وانضج فلمَ الحقد والحسد والانانية والغيرة القاتلة؟ والى متى تستمر؟ أليس من الاولى ان يستبدل كل ذلك بأشياء أخرى اكثر جمالاً وروعة كالايثار وحب الناس والتضحية.
والواقع يقول ان التعقيدات التي تسير عليها في حياتنا اليومية لا بد ان تستبدل بالبساطة وخفة الروح وعدم اللجوء الى التفسيرات والتأويلات المسبقة او الخاطئة.
مرافىء الواقع إن شئت هي شواطىء ممتدة متصلة بعضها ببعض وكل شاطىء يقودك الى حقيقة ينبغي عليك ان تعيها جيداً وتعمل بمقتضاها قبل ان تنتقل الى الشواطىء الاخرى والتي ما ان تنتهي فيها حتى تدرك انك انسان مختلف في كل شيء، انسان كان يتمنى ان يكون على هذه الصورة من قبل ومن سنين طويلة.
مرافىء الواقع تعني شئنا أم ابينا أن المشاعر الصادقة بداخلنا لشخص او اشخاص ما، لا يمكن أن تتبدل للأسوأ بشكل مفاجىء ومن دون تبريرات منطقية عقلانية والا فإن تلك المشاعر لا تستحق ان تسمى مشاعر حقيقة بل هي مشاعر مزيفة او وقتية إن شئت .
وأخيراً فان مرافىء الواقع هي محطات ضرورية لابد ان نتزود منها بما يجعلنا قادرين على مواصلة دروب الحياة والعيش فيها بحب وسعادة وعقلانية.
ذلك ان الحب الحقيقي لكي يبقى متوهجاً متقداً لا بد ان يمر على مرافىء الواقع المتمثلة بالصدق والتزود من الجماليات الكثيرة التي اوجدها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون بكل ما فيه من كائنات حية وجماد.
فالجماد في حد ذاته هو جماد شيء ثابت، ولكنه يمكن ان يكون متغيراً بإضفاء بعض اللمسات الفنية الجمالية عليه وهنا لن يصبح متغيراً فحسب بل حياة تنبض بالحيوية وتعج بالحركة.
ان مرافىء الواقع كثيرة في حياتنا بل هي اكبر واكثر من ان تحصى، وما عليك ان اردت ان تكون صادقاً مع نفسك فابحث عنها واجلس معها، حادثها، تواصل معها وسوف تشعر بقيمتك وان هناك اولويات يجب عليك ان تضعها في قائمة اهتماماتك قبل الامور الاخرى والا اصبحت حياتك عبئاً لا حب فيها ولا مشاعر وبالذات حينما تكون مشاعرنا ومشاعر غيرنا في قائمة الاولويات ومع ذلك نهملها ونتجاهلها ونقدم عليها أموراً أخرى اقل منها شأناً.
يا سبحان الله وهل هناك شيء اجمل من المشاعر الصادقة؟ هل هناك شيء اعذب من الاحساس بالآخرين قبل ان يشعروك بحاجتهم لهذا الاحساس؟
وهل هناك شيء أقسى من ان يكون من يحبنا ويخاف علينا ويسأل عنا بيننا ومعنا ولا نحس نحن بذلك او لا نحافظ عليه ونتمسك به؟
بل هناك شيء أمرُّ على النفس من ان تكتشف فجأة خسارة ما بين يديك واعز الناس لديك في الوقت الذي كان بإمكانك الإبقاء عليه بإذن الله ولكن مرة اخرى إنها مرافىء الواقع بكل ما فيها من مد وجزر وبكل ما فيها من مشاعر متناقضة.
همسة:
مع كل يوم يمضي..
ومع كل ساعة تمرّ..
ومع كل لحظة تنقضي..
اكبر ويكبر معي حبي لك..
تزداد مساحته بداخلي..
تخضرُّ أوراقه..
تزدان أجواؤه..
بأهازيج الفرح الوردية..
وعطور الشوق الولهة..
* * *
اكبر.. وتزداد بداخلي الرغبة..
في ان اعرفك اكثر..
في ان اقترب منك اكثر..
في الا افترق عنك..
في ان اظل معك..
ولو من بعيد..
حينما تغيب..
حينما تسافر..
ولو قليلا..
ولو على ذكراك العطرة..
علني اشعر بالراحة..
بالاطمئنان .. والسعادة..
كون من بجانبي ومعي..
ليس اي انسان..
بل الخير بكل عطاءاته..
والود بأجمل صفاته..
والحب بأعذب نغماته..
* * *
فيا لتلك المشاعر الصادقة..
والاحاسيس المرهفة..
والعواطف الجياشة..
حينما تجتمع كلها..
حينما تشكل اضمومة ورد جميلة..
لا ترمز لأمل واعد فحسب..
بل لآمال خالدة..
* * *
قد تخال مشاعري..
مبالغة.. مجاملة..
قد تسميها ما شئت..
ولكنها بالنسبة لي..
اكبر من ذلك بكثير..
انها مرافىء الواقع..
التي اعيشها..
كي اؤكد حبي لها..
وكي أبقى على صلة بها..

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved