أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 10th August,2001 العدد:10543الطبعةالاولـي الجمعة 20 ,جمادى الاولى 1422

شرفات

أشرف فقيه في مجموعته القصصية الثانية يكرس مرة أخرى لأدب الخيال العلمي
البطل في «حنيناً إلى النجوم» هو الأفكار العلمية
المجموعة دعوة للحب والعمل والإبداع
رغم شح الثقافة العلمية في حياتنا الثقافية كأن وسطنا الثقافي لا يريد أن يحرك ساكناً تجاه هذه القضية التي جعلت من الغرب صناعاً للحضارة ورواداً للتقنية والعلوم مهرة في العلوم الطبية والفلكية والفيزيائية والكيميائية وغيرها.
ونحن وإن وجدنا العذر لمجتمعاتنا في بداية تكوينها حول عدم جديتها في تأسيس ثقافة علمية فإننا لا نعذرهم اليوم، وقد تكاثرت النخب العلمية والجامعات وارتقى مستوى الوعي العام لهذا الموضوع.. لا نعذر مطلقاً، بل نأسف لأن النخب مازالت تعيش عصر النهضة العربية الذي اهتم رواده بالعلوم الانسانية وأهملوا العلوم الطبيعية ومازال طموح الكثيرين اليوم أن يكون الواحد منهم إما شاعرا أو ناثراً أو حتى مطرباً في وقت نعرف جميعاً أنه لن يضيف لنا شيئاً مثلما أضاف لنا أحمد زويل مثلاً.
إن سيادة الثقافة الأدبية أوجدت جيلاً يجد صعوبة بالغة «مع الانضباط العلمي والتحليل الموضوعي والتدريب التقني والعمل التجريبي والمثابرة العلمية الدقيقة».
إذا أدركنا هذا الأمر أدركنا «اشكالية التنمية.
هذه بعض الهواجس التي راودتني وأنا أقرأ مجموعة قصصية من أدب الخيال العلمي للشاب أشرف بن احسان بن جعفر فقيه بعنوان «حنيناً إلى النجوم» والصادر في الرياض عن مطابع الاصطفاء من الحجم المتوسط بلغ عدد صفحاتها «214» صفحة.
وهي الإصدار الثاني للمؤلف إذ سبقتها مجموعة «صائد الأشباح وقصص أخرى» عام 1997م.. والواقع ان مجموعة «حنيناً إلى النجوم» فيما تحمله من قصص الخيال العلمي إنما تكرس توجهاً بدأه أشرف فقيه في مجموعته الأولى أنها في الواقع محاولة جادة في تأسيس ثقافة علمية تحتاج تقدير عال.
المجموعة تضم سبع قصص متنوعة جعلت من الخيال العلمي مادة لاحداثها، فالأفكار العلمية كانت هي «البطل» التي أدهشتنا كثيراً.
المؤلف أحدث علاقة وطيدة بين الإنسان والفكرة العلمية وجعلهما في تفاعل مستمر من أجل الانجاز الذي يعود نفعه على كل البشر ومن أجل ايجاد بيئة واسعة تنمو فيها الثقافة العلمية ومن أجل المزيد من اختراق المجهول.
لقد كان للزمن الجديد الذي أحدثه أشرف بخياله أثر بالغ في نفس المتلقي لأن يخرج من نمطيته المعتادة ويعرف أن الانجاز يبدأ بخيال مجنون.
إنها الأفكار اللؤلؤية التي لا تظهر إلا عندما نفكر بطريقة مختلفة حسب أفكار أشرف الخيالية، المجموعة التي تمثل «ضالتنا» وسط غابة من المجموعات القصصية «الأدبية» التي تهتم بالبعد النفسي والسلوكي والعقلي.
تفتتح المجموعة بأقصوصة عن «الحياة في كوكب المريخ» حيث تصف رحلة علمية إلى المريخ وبالتحديد وضع الهبوط على هذا الكوكب الذي تصل درجة حرارته إلى 300 درجة مئوية تحت الصفر بصورة يتجمد معها غاز ثاني أكسيد الكربون حيث تبدأ المحاولات المرهقة التي يبذلها طاقم الفريق في عملية الهبوط وسط أجواء جليدية تنذر بخطر قادم، ولكن الفريق «الرجل الآلي ديموس وشهاب وسديم» ينجح بعد محاولات صعبة في الهبوط على سطح المريخ بعد استخدامهم لأفكار تقنية أذابت جبالاً من الجليد المتراكم.
هذا الهبوط الناجح مكّن الفريق العلمي من اكتشاف المريخ عن قرب عادوا بعدها إلى الأرض بحصيلة وافرة من المعلومات ولكن بعد أن خسروا «شهاب» زميلهم النشط الذي قتله الصقيع أثناء تجاربه العلمية.
يترك لنا المؤلف في هذه القصة تفاصيل واسعة عن كوكب المريخ بعضها تفاصيل معروفة وبعضها تفاصيل في عالم الخيال يمكن أن تحدث في يوم من الأيام.. حيث تجعلنا هذه التفاصيل الدقيقة في تواصل دائم مع هذا الكوكب الأحمر الذي حير العلماء كثيراً.. وأشرف يريدنا كذلك أن نحتار معهم، أن تلوب في أعماقنا الأسئلة، بحثاً عن بعد فلسفي في تأمل الوجود، وامعاناً في التحديق في المجهول حتى نكون مشاركين في صياغة موقفنا العلمي إلى جانب مواقف العلماء.. إن اشرف يدفعنا في اتجاه الزمالة العلمية، يقتلعنا من خورنا وكسلنا إلى كتف العاصفة، إلى المغامرة واللعب مع الخيال نافذة العقل إلى الإبداع.
في قصة «ليجمع الخردة» نجد المؤلف قلقاً على الكون جراء التلوث الذي اصابه بفعل الانسان الذي جعله حقلاً لتجاربه.. بصورة جعل مخلفات المركبات الفضائية وقطعها المتناثرة في كل مساحات الكون تسبح بحرية في الفضاء مشكلة خطراً أكيداً على الآخرين.
ما دعاه لفكرة طموحة بطلها رائد فضاء اخترق الكون بمركبة فضائية تشبه صدفة سلحفاة مغلفة بجسم مغناطيسي تجذب بقوة مخلفات البشر إليها من أجل بيئة فضائية أكثر أماناً.. فيما يقابل رائد الفضاء أخطاراً مزعجة أثناء عمله أخطرها لوح شمسي ارتطهم بمركبته ولكنه تخلص منه بصعوبة عن طريق الأذرع الميكانيكية المزودة بها مركبته.
قصة «أنا وشاهر والأرنب» تناقش فكرة خيالية طالما فكرنا فيها كثيراً ونحن صغار وهي كيفية نفاذ انسان من جدار صلب إلى الجهة الأخرى وكانت الرسوم المتحركة تدهشنا كثيراً عندما تفعل ذلك.
المؤلف تطرق إلى هذه الفكرة بصورة حاذقة اتكأ فيها على حقائق علمية.. فالقصة تحكي تجربة علمية لطاقة اشعاعية فريدة ابتكرها فيزيائي متمكن كفيلة أن تحيل الجسم الصلب إلى مادة هلامية تبتلع الأجسام الصلبة الأخرى، وهذا ما حدث بالضبط للأرنب الذي ابتلعته أرضية غرفة التنشيط الاشعاعي التي جربت فيها تجربة هذا النوع من الطاقة الاشعاعية كما ابتلعت في ذات الوقت ساقي العالم الفيزيائي وكادت تودي بحياته لولا أنه خلص نفسه بصعوبة، يشرح «شاهر» صديق الفيزيائي هذا الحدث المدهش الذي أحدثته التجربة في مكان التجربة فيقول:«تسمح الطاقة الجديدة لأي جسم بأن يصبح شفافاً.. ذا كيان هلامي وغير متماسك يمكنه بسهولة أن يخترق مادة الأجسام الأخرى من الطرف للطرف قبل أن تعود ذراته للتقارب وتتجمع من جديد».
قصة «فريق أمن الشبكات» تؤكد قدرة العقل البشري العالية على التواصل تقنياً مع أجهزة الكمبيوتر.. من خلال الرغبة الفطرية في حب الانسان بالتفوق والسيطرة التي جعلها المؤلف محوراً أساساً لهذه القصة.. وذلك من خلال ربط عقل ثلاثين رجلاً بشبكة كمبيوتر مركزية عن طريق أجهزة لاسلكية وضعت في مؤخرة رؤوسهم.. ولكن أحد العابثين بأمن المعلومات استطاع أن ينفذ إلى هذه الشبكة بنفس التقنية ويعبث بها مما جعل الفريق العلمي في صراع عنيف معه لاكتشافه وابعاد خطره.
المؤلف يصف هنا قدرات خارقة للعقل البشري عندما يرتبط مباشرة بالكمبيوتر عن طريق أسلاك خاصة بهذه العملية.
أراد المؤلف من قصة «مسلّمي» أن يبرز جوانب خافية من العالم السفلي لمجتمع العلم الذين يجتمعون عادة من أجل تجارب معملية بالغة السرية.. وهذا ما حصل بالضبط ل«مُسلّمي» الذي خضع لتجارب الطب النووي دون ارادته من أجل تطبيقات التأثير الاشعاعي على النسيج الحي حيث أراد العلماء الذين اجتمعوا حوله تغيير ملامح وجهه داخلياً وخارجياً.
المؤلف يعكس من خلال «مسلّمي» الذي قاوم هذه التجارب صورة هذا النوع من العلماء السريين الذين يقتلون الانسان من أجل مجدهم العلمي المشكوك في نزاهته.
«حنيناً إلى النجوم» قصة تحكي امكانية تزاوج أصحاب الأطباق الطائرة مع أهل الأرض.. وذلك من خلال مشروع علمي نفذه طائر عندما أنزل فتاة منهم للأرض وأعادها بعد انتهاء التزاوج الأمر الذي نتج عنه وليدة صغيرة لم تتحمل أمها «شفتالي» حملها فماتت أثناء ولادتها.
المؤلف ركز على المتابعات العلمية لهذا الحمل من خلال أجهزة بالغة الدقة وفق تجربة ذات شروط قاسية.
في القصة «نيّف وعشرون حياة» يصنع المؤلف «حياة افتراضية» من خلال جهاز يستخدمه الانسان عوضاً عن القراءة فيغوص في أعماق حياة الكون مثلما حصل ل«مضر» عندما تم ترشيحه من المجلس الأعلى ليجرب هذا النوع من الحياة عن طريق أحدث الأجهزة العجيبة القادرة على نقل الانسان لعوالم أخرى.
إن «مضر» عندما طاف بكوكب زحل في حياة افتراضية كان يؤكد على مدى القدرة الهائلة للعقل البشري القادر على فعل الأعاجيب طالما أنه جدّ في استخدام عقله ذي الطاقة الهائلة.
هذه الرحلة الميتافيزيقية لحمتها ودمها فيزيقي، أي أنها بلا طبيعيتها طبيعة طالعة من نسق الواجدان الانساني في تجلياته في سموات الفن، وأشرف فقيه كان يزج بنفسه في رمضاء الطبيعة وفي زمهريرها، في وله الانسان للانعتاق من أسر المكان والزمان وفي انتمائه وحنينه له، لقد أراد أشرف في مجموعته هذه أن يقدم كشفاً ليبقى قلبه العاشق للانسان والأرض، وكنا نلمس القشعريرة التي تسري في حروفه وهو يتوجس وقع الخطر القادم من جور الانسان ومن لا مبالاته وغشامته وامتهانه لقيم النقاء والاخاء.. أشرف في مجموعته بدد صرخته في السطور لعلنا نسمعها وهي تحفزنا أن نترفق بأمنا الأرض وأن نحب بعضنا بعضاً وأن ندير عقولنا شطر العلم لصالحنا ولصالح وطننا جميعاً، الأرض التي إن داهمها الخطر ذهبنا هباء منثورا.. نعم «حنيناً إلى النجوم» قصص من الخيال العلمي لكنه دعوة للمحبة والعمل والابداع، خوف منا وخوف علينا.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved