أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 13th August,2001 العدد:10545الطبعةالاولـي الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1422

عزيزتـي الجزيرة

عجبت لصداقة سنين تمحوها جهالة ساعة!!
يسافر الانسان من دار إلى دار ومن حالٍ إلي حال، يسافر من عالم صغير إلى عالم فسيح، ومن مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، ثم يختتم رحلته ويحط متاعه وترسو سفينته على شاطئ المشيب، فهو قرين السفر ولن ينفك عنه، فإما سفر حسي وإلا سفر معنوي.
ومع ذلك كله فلن يخفف عنه آلام السفر وعناء التعب إلا الصديق، ينسى آلامه وأحزانه وغربته، بسببه يقطع آلاف الأميال ويطوي الأرض طياً لعذوبة حديثه وابتسامته المشرقة وقد قيل «الصديق قبل الطريق» والناس مجمعون اجماعاً لا مرية فيه على أن الصديق من ضروريات الحياة.. لا يعرف قيمته إلا من فقده.
يغادر المرء أهله وعشيرته وموطنه الذي درج فيه.. ومع ذلك فهو يحن إليه ويشتاق.. إلى والد رباه وامِ حنت عليه وعشيرة عاش فيها.. وأتراب قضى معهم أيام الطفولة والصبا بحلوها ومرها وديار درج فيها وترعرع.
فهو يحن إلى كل هذا لأنه قضى صداقة مع هذا وذاك، ولذا فإن المرء أول ما يدرك ويعقل يبحث عن صفي وخليل يميل إليه ويصادقه، ولا عجب أن نرى ذلك جلياً في طبقات المجتمع لأن الحياة قائمة على الصداقة والانسان بطبعه لا يستطيع أن يعيش لوحده منعزلاً فإذا سافر الانسان لزمه علاقة وصداقة حتى يكون صديقه أقرب إليه من أخص أقاربه لأنه حمل معه متاعب السفر و همومه، فالصديق هو الذي يؤنسك ويخفف عنك آلامك ويشاطرك أحزانك فالصديق هو أخوك الذي لم تلده أمك..
وقلما يوجد انسان بلا صديق.. كل يميل إلى من يشابه عاداته وخصائصه ممن ينتمي إلى أبناء جلدته حتى يصطفيه من الناس. وقل لي من صديقك أقل لك من أنت.
لقد هاجر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وكان صديقه الصِّدِّيق ورفيقه أفضل هذه الأمة بعد نبيها حتى قال عنه صلى الله عليه وسلم فهل أنتم تاركو لي صاحي».
ولما وصل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم المدينة كان من أول أعماله أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، وفي غزوة أحد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتفقد الشهداء وكان من بينهم عبدالله بن حرام وعمر بن الجموح رضي الله عنهما فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنا في قبرٍ واحد أتعلم يا أخي لماذا؟ لما كان بينهما من المحبة والاخوة والصداقة فالاخوة ليست في الدنيا فقط في الأخرة أيضاً إذا كانت لله قال الله تعالى «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين» إن للصداقة والاخوة مكانة عظيمة في مجتمعنا ولن يستغني عنها أحد.
ولذا فقد تواطئ الناس في البحث عنها والاعياء في طلبها وهم مع ذلك يسيرون في غير مسارها ويلتمسونها في غير مواضعها فلله ما أقل عارفيها وما أكثر جاهليها.. ولكن لابد للعواصف أن تهب علينا فتملأ آفاقنا بالغيوم ولا بد أن يتغير مجرى الماء وأن تثير الريح الغبار وأن تتكدر الصداقة لتنقلب إلى عداوة ونزاع وكم يواجه المرء منا ما يكره ممن يحب.
صداقة سنين تمحوها جهالة ساعة
تسير سفينة الصداقة من أيام الطفولة إلى أيام الشباب ولزلة بسيطة تغرق سفينة الصداقة في أمواج البحار فتنقلب الصداقة عداء والحب بغضاً والأخضر يابساً والنور ناراً.
عجبت للأخوة تنهار بسبب سوء تفاهم أو لإشاعة مغرضة لا سيما وأننا في عصر الاشاعة وترويج الأخبار الكاذبة عجبت للحب يموت في دقائق وقد عاش أحقاباً من الزمان.. لماذا.. يبخل الأخ على صديقه بقليل من التسامح والعفو وقد عاش مع أخيه سنوات استمرت من أيام الطفولة وانتهت في لحظة غضب.. فيضيع كبيراً ما بناه صغيراً.. عاش سنوات مع صديقه مليئة بالحب والاخلاص والعطاء الأخوي الذي تجاوز عطاءات المادة إلى عطاءات الروح.. الحب يدعو إلى التسامح والتعقل..
لا بد للانسان أن يُحكِّم عقله خاصة في الروابط لأن العقل يقود إلى العدل وتفهم الواقع.. ولو حكمَّ الانسان عواطفه وشهواته لقادته إلى تقطيع علاقته ولعاش وحيداً أسيراً لنفسه..
وإلا فما الذي يجعل الزوج يعيش مع زوجته أعواماً كأنهما صديقان ولثورة غضبٍ ينسى حلو تلك السنين ليهدم عش الزوجية.
فيضيع أهله وأبناؤه «وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول» لا بد من التسامح في الصداقة وفي العلاقة الزوجية وفي الروابط الاجتماعية وفي كل شؤون الحياة.
وسفينة الحياة لن تسير برهة من الزمن إلا بالصديق والصداقة لن تستمر إذا لم تكن قائمة على التسامح والعفو لا بد للانسان أن يتنازل عن بعض حقوقه من أجل استمرار الصداقة ولن يوجد انسان معصوم من الخطأ وهيهات أن تخلو الحياة من الزلل.. ولن يقيم الانسان العدل بل يحاول المسير إلى العدل وما سمي الانسان انساناً إلا لنسيانه ولا القلب قلباً إلا لتقلبه فقد ينسى الصديق حقوق الصداقة فيخطئ عليك فلا بد من التسامح. وقد يتقلب القلب فيجفو الصديق على صديقه حتى يصبح عدواً ولا بد من التسامح.
وقد أبى الله أن يكون الكمال إلا لكتابه وأن تكون العصمة إلا لرسله.
فهد بن مطني القمعان
كلية المعلمين حائل

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved