أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 14th August,2001 العدد:10547الطبعةالاولـي الثلاثاء 24 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

من أدب المربين
كتاب «بوح الذاكرة»
للدكتور عبدالعزيز الثنيان
د. موسى بن عيسى العويس
درج كثير من رجال السياسة والاجتماع، وأصحاب الفكر حينما ينتهي بهم المطاف أو يوشك على تدوين سوانح من ذكرياتهم المثيرة والأثيرة، والتجارب الغنية التي أحاطت بحياتهم ولوّنتها.
تلك التجارب ليست في الواقع كل ما مرّ بتلك الفئات، لكنها الأهم في تاريخ حياتهم، والأجدر بالتفاتة الأجيال إليها، سواء ما اقترن منها بالانتصار، أم ما سوى ذلك.
وكتاب «بوح الذاكرة» الذي نحن بصدد الحديث عنه، تتمثل فيه بعض المواقف التربوية والاجتماعية، التي اقتنصها المؤلف من حياته الإدارية، لينصب منها للقارئ موازين يزن بها أقواله وأفعاله، ويحكم بها تصرفاته، وبخاصة من ساقه قدره إلى خوض المعارك الوظيفية التي لها مساس مباشر بالمجتمع. وكان من الطبيعي أن تلقى هذه الذكريات حظوة من فئتين من المهتمين بهذا الاتجاه:
الأولى: كتب لها أن تعمل تحت إدارة المؤلف بشكل مباشر، فأصبح هذا الكتاب يمثل ذكرى سيرة عطرة لصاحبه إبان مزاملته.
الثانية: عاصرت الهم التربوي، وعاشت قضاياه ومشاكله، فلقيت عندهم هذه المذكرات قبولاً وتفاعلاً، ومما يسعد الكاتب أن يكون واحداً من تلك الفئتين.
وبعبارة قصيرة، لا تخلو من البلاغة، بلورت شخصية المؤلف، والسمت الذي سار عليه في الإدارة أو حاول أن يتسم به، حينما قال: «النظام جميل، والعدل أجمل. وإذا احترمت الآخرين احترموك، وإذا صدقت معهم قدروك، وصاحب الحاجة ملحاح، وينسى جمهرة من المراجعين المثل والقيم، وينشدون استثناءهم من هذا النظام، ويطلبون تجاوز تلك القواعد، ويصبح رضاهم مرهونا بقضاء حاجاتهم، ومدحهم لك ملازماً بتسهيل مطالبهم». بوح الذاكرة 81/2.
وما إن نستعرض عناوين الكتاب التي ارتبطت بمواقف وأحداث معينة، حتى ترتسم لك من خلالها نماذج بشرية من الميدان، عاش المؤلف قضاياها، بل أكلت وشربت معه. هذه النماذج تختلف في طبائعها وأمزجتها، وتتفاوت في قدراتها ومواهبها، وهم كسائر البشر منهم الأمين الصادق، وبينهم الكاذب الفاجر الذي يهوى المراء بالباطل.
إليك من تلك النماذج التي ينقل لنا المؤلف مواقفها التربوية، بكل زهو واعتزاز، ذلك المعلم، الناضج الحليم، والمربي الحصيف الذي هنأ الطالب على موهبته بالرسم، رغم تجسيد ريشة ذلك الفنان.
أنف ذلك المعلم الذي لم يتسق في خلقته مع بقية ملامح الوجه المصدر السابق 49/1.
وهناك المعلم المصلّح والمقوم لما اعوج من سلوك الطالب، والذي اشترى علبة سجائر لذلك الطالب المبتلى بالتدخين، فكانت تلك المقاطعة الأبدية من الطالب لذلك الوباء المصدر السابق 108/1.
وفي مواقف أخرى، يكشف لنا المؤلف الصنف الآخر، من المعلمين والمديرين المتصفين بالحمق، وعدم تقدير المسؤولية، وحمل الأمانة، فذاك معلم يكتب على جبهة الطالب عبارة (الحمار) ويأمره بالخروج في الفسحة، لكي يراه زملاؤه، فيضحكوا ويهزأوا، والحجة في تصرفه حين المساءلة، قرار منع الضرب، ورفض العنف الذي سنته الوزارة! المصدر السابق 87/1.
ومعلم آخر، يحمل معه سكينا إلى المدرسة، ويضعها أمام الطلاب، للتخويف والإرهاب، وحين المساءلة، يحاول الخروج منها بقوله: «إنها وسيلة إيضاح»! 39/2.
ويسترسل المؤلف في سوق مثل هذه النماذج التي من المؤسف وجودها في الميدان التربوي، اقحمها النظام، وليس بالأمر الميسور انتزاعهم.
ولا تقف هذه الذكريات عند استظهار مثل هذه النماذج المزدوجة فحسب، بل إننا نستطيع من خلالها جلاء الملامح العامة لشخصية المؤلف، من واقع تعامله مع الأحداث، التي شخصت أمامه، حيث تلخصت هذه الملامح بالآتي:
1 الحكمة والرزانة، وهدوء النبرة، ورحابة الصدر، وقوة العارضة والقدرة على الاقناع.
2 ثقافته الواسعة، واطلاعه الوافر، وتوظيف حصيلته العلمية في كثير من المواقف والاحداث.
3 إنسانيته، وحرصه على قضاء حوائج الآخرين، والمباشرة في إنهائها، بعيدا عن الرتابة، ومظاهر العظمة المصطنعة. وتكفي قصته المعنونة ب «مأساة وموقف» لتبرهن على هذه السجايا والصفات، وقدرته على التصرف حينما يحكمه النظام ويقيده المصدر السابق 69/1.
4 الأبوة الحانية التي تنتصر بحكم الموقع لمن أساء الولاية، وفقد المعين والمعيل، وانبتت به سبل الحياة.
5 الأمانة والمواطنة الحقيقية التي تجلّت في أكثر من موقف، أهمها ما ورد تحت عنوان «الأرض الهدية» المصدر السابق 243/2.
6 قوة ملكته البيانية، وذائقته الفنية الرفيعة التي نتبينها في رسائله إلى المعلمين، وما تقتضيه المواقف التي يحرص الكاتب على توشيتها بمأثور الفصيح، شعراً، أو نثراً، نترك القارئ ليقف عليها بنفسه.
اقتباس
من طريف ما أورد، وجميل ما انتخب تمثله بأبيات لقيس بن ذريح، يوم أن اخترقت تلك المرأة الحسناء مكاتب حجّابه في الإدارة، فبعد أن وعظها ونهرها، وخوفها بالله، وانكر عليها تبرجها وسفورها، وهدأت سورة غضبه، جال بذاكرته الحيّة قول الشاعر:


يكاد جُباب الماء يخدشُ جلدها
إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
ولو لبست ثوباً من الورد خالصاً
لخدش منها جلدها ورقُ الجلد
يثقّلها لبس الحرير للينها
وتشكو إلى جاراتها ثقل العقد
وأرحم خدّيها إذا ما لحظتُها
حذارا للحظي أن يؤثر في الخدّ

ولا أدري لماذا لم يوثق المؤلف المصدر على غرار مقتبساته، ولم يجزم بنسبتها إلى الشاعر، بل بناه على الظن. ربما كانت الأبيات من بدائعه، وهل يستغرب ذلك على إنسان أوتي حظا من البيان. ا ه.
* إدارة التعليم بمنطقة الرياض

أعلـىالصفحةرجوع











[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved