أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 15th August,2001 العدد:10548الطبعةالاولـي الاربعاء 25 ,جمادى الاولى 1422

الثقافية

لافتة
«وداعاً زفزاف»
محمد بن عبدالله السيف
مع حلول القرن الميلادي الحادي والعشرين تكون الرواية العربية قد أتمت قرناً واحداً من عمرها فقط، في مقابل خمسة عشر قرناً هي عمر شعرنا العربي الخالد، وهذا يعني انه لا حظ للروائيين في عالمنا العربي بعد !! فهم يعيشون بصمت ويكتبون عن هموم المهمشين بصمت!! ثم يموتون بصمت وسرعان ما ننساهم، أقول هذا الكلام وقد رزئت الرواية العربية بفقد أحد أهم كتّابها في وقتنا الحاضر إنه الروائي المغربي الكبير محمد زفزاف، الذي بكته الدار البيضاء طويلاً، فهو الذي عاش أحداثها وتحولاتها، وأبى إلا السكن في حاراتها القديمة، ليعيش مع العاملين والكادحين والمهمشين في شارع الروداني وفي شقة جد متواضعة!! إنه كاتب الدار البيضاء الأول كما ينعته بذلك اخوتنا المغاربة، ليميزوه عن كاتب طنجة الروائي الكبير محمد شكري وكلاهما يمسكان بتلابيب الرواية المغربية من أن تزول منذ أن بدآ يكتبان باللغة العربية في الستينيات الميلادية إلى جانب عدد من الرواد من أمثال عبدالكريم غلاب وعبدالمجيد بن جلوان، وذلك في صحيفة «العلم» وهي الصحيفة المغربية الوحيدة التي كانت تصدر آنذاك بلسان عربي مبين!! وحسبك بكتّاب يكتبون بالعربية في أوساط مثقفة لا تتكلم إلا بالفرنسية!!.
لقد عمل زفزاف بكل ما في وسعه، من أجل المساهمة في نهضة القصة العربية المغربية، إذ بدأ منذ الستينيات الميلادية بنشر قصصه على الرغم مما واجهه من متاعب ونوائب وازدراء من مثقفي المغرب المتفرنجين والذين كانوا يصمون الكتّاب بالعربية آنذاك ب «الفقهاء»،!! ولما ضاق به المغرب ذرعاً، بدأ ينشر في مجلة الآداب المشرقية منذ منتصف الستينيات.
إن كتابة محمد زفزاف ماهي إلا انموذج حي وحيوي لتلك الكتابة المغايرة، التي اعطت الهامش والهامشيين قوة الحضور في المشهد الثقافي، واحتفت باللغة والمعيش اليومي، كما ان تجربته الأدبية قد شكلت منعطفاً مهماً في الكتابة السردية بالمغرب، إذ انتقل بالكتابة من الكتابة العزلاء إلى الكتابة ذات البعد الجماهيري والشعبي، لقد عشق صعاليك الشعر العربي وحفظ أشعارهم وكان لهم حضورهم في رواياته.
إنه زفزاف بلحيته الكثة الطويلة الذي كتب عن الفقراء وعن العاطلين والكادحين والمهمشين لا الهامشيين !! ففي روايته «بيضة الديك»، تحدث فيها عن أولئك الذين يفترشون الأرصفة في زنقات الدار البيضاء ويلتحفون قطع الأوراق بلا مأوى ولا سكن ودونما عمل، ويحتالون على الحياة كي يكسبوا قوت يومهم، وما هذا الاحتفاء بهم من قبل زفزاف إلا لأنهم من وجهة نظره مركز الصراع وهم الذين في النهاية يصنعون التاريخ فهم الذين بنوا الأهرامات وهم الذين شيدوا برج بيزا في إيطاليا!!.
أما في روايته «أفواه واسعة»، فقد تحدث عن أولئك الذين يتحدثون طويلاً، آكلين لحوم إخوانهم أحياء وأمواتاً، مصوراً زفزاف المثقفين العرب بأنهم أفواه واسعة يتكلمون كثيراً ولا يفعلون شيئاً، يبحثون في قضايا لا علاقة لمجتمعنا العربي بها إطلاقاً، أما المهمشون في نظر زفزاف ومن خلال روايته فهم الذين يكتوون يومياً بجمرة الحياة ولا يتحدثون إلا قليلاً، وإن تحدثوا فعن همومهم ومشاكلهم اليومية.
إن ما يميز أعمال زفزاف أن مدينته الدار البيضاء حاضرة في كل أعماله وبقوة في كل أزقتها وزنقاتها وأحيائها الشعبية، إلا انه يستدرك ليؤكد أن الدار البيضاء هي الأحياء العتيقة والحبوس وليست هي عين ذياب بشاطئها الغربي ومبانيها الأوروبية الفاخرة وليست هي شارع الجيش الملكي بعمائره الشاهقة وفنادقه ذات النجوم الخمسة!!.
إننا قد نحتاج إلى وقت طويل لندرك أهمية أعمال محمد زفزاف الذي خرج من مدينته مغادراً إياها إلى باريس على كره منه، عندما أثخنته جراح المرض، لكنه لم يجد فيها علاجاً لمرضه الخبيث، ليعود إلى مدينته الدار البيضاء ليموت وهو يشاهد أولئك الذين احتفى بهم كثيراً في رواياته وأعماله الأدبية، فمات مسروراً بهم، وبكوه كثيراً، فعليه رحمة من الله ورضوان.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved