أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 17th August,2001 العدد:10550الطبعةالاولـي الجمعة 27 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

الإسلام: دين الله الخالد
د. محمد بن سعد الشويعر
ختم الله الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، صفوة الخلق وأكرم بني آدم على الله، وجعل الله الدين الذي جاء به من عند ربه، أكمل الرسالات وآخرها، ثم جعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم «كنتم خير أمة أخرجت للناس» (آل عمران 110)، وهذه الخيرية لا يكتسبها أي فرد من هذه الأمة إلا إذا أدى حقها الذي ذكره الله في تكملة الآية، والصفات التي يجب أن يتخلَّق بها في قوله سبحانه: «تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله».
وقد خصَّ الله أمة الإسلام بهذا، لأنه هو دين إبراهيم الخليل أبو الأنبياء، وهو الذي سمَّى أمة محمد بالمسلمين، فدين رضيه الله، لخير أمة أخرجت للناس، لابد أن يكون ديناً كاملاً، ولا نقص فيه، وبه تتم نعمة الله على عباده، المخصوصين بهذا الدين، والمتبعين له، من كل جنس ولون، وبأي موقع على وجه الأرض، يقول سبحانه في سورة المائدة، في آية نزلت في يوم الجمعة في عرفة في حجة الوداع: «اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» «المائدة آية 3».
فعن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال عمر: وأي آية؟ قال قوله: «اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا» قال: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشيّة عرفة، في يوم جمعة» رواه البخاري وأحمد بن حنبل، وفي رواية: وإن ذلك لعيد عندنا.
قال ابن كثير رحمه الله : هذه أكبر نعم الله تعالى، على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم عليه الصلاة والسلام، ولهذا جعله الله سبحانه، خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحلَّه، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى: «وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً» أي صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين، تمت عليهم النعمة «2: 14».
وإن من نعمة الله على الخلائق أنسهم وجنّهم، الهداية لهذا الدين، الذي فيه النجاة والسعادة، النجاة في الآخرة، والسعادة في الدنيا.. وليس شيء من ذلك يحصل بالمال الذي قد يشقي صاحبه، ويكون وبالاً عليه يقول الشاعر:


لعمرك ما السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير المال ذخراً
وعند الله للأتقى مزيد

إن تقوى الله لا تكون إلا مع استقرار هذا الدين في القلب، وتمكن محبة تعليماته: أوامر تؤتى، ونواهي تحذر، من الشقاق، لينسى الفرد كل شيء في حياته، إلا ما يحث عليه هذا الدين، وهو لا يحث إلا على ما فيه الخير والمصلحة.. حيث استحوذت تشريعاته على أمور الحياة الدنيا صغيرها وكبيرها، لتقود المهتدي إليه إنسياً أو جنياً، إلى ما فيه نجاته وسعادته.
وما أحس أحد مهما كان دينه السابق، أو مركزه الاجتماعي في الحياة، طعم هذا الدين الذي يختلف عن المذاقات المعهودة مهما كانت حلاوتها، إلا وانصهرت تلك الحلاوة في دمه ولحمه، لينسى كل شيء يخالف ما تدعو إليه شريعة هذا الدين.. ولتنصهر حواسه في بوتقة دين الإسلام: حماسة وعملاً، وبذلاً من ماله وجهده.. يقول صلى الله عليه وسلم: «ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً».
وما ذلك إلا هذا الدين، هو معتقد الإسلام، دين الله الخالد، الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وليس وقفاً على فئة من البشر، دون فئة، ولكن يسعد به من حرص عليه، وهداه الله إليه، واهتمّ به: تطبيقاً وعملاً في نفسه، ودعوة وتوجيهاً للآخرين، وتبياناً وتعليماً لمن هم في حاجة إلى تعلمه، أو لمزيد من التفقه في أوامره ونواهيه، والوقوف عند حدوده، والانتهاء بنواهيه.
ومن نعمة الله على أمة الإسلام، انه ما انحسر ظله في مكان، بتهاون أتباعه فيه، والابتعاد عن امتثال ما جاء في شرائعه من أوامر، أو التساهل في النواهي، إلا قيض الله له أنصاراً في مكان آخر، يحرصون عليه ويتحمّسون له، وتنصهر محبته، ومحبة أتباعه في قلوبهم، بمحبة صادقة، وتآلف ومودة، ألم يقل جل وعلا: «وإن تتولَّوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم» (محمد 38).
ذلك أن هذا الدين، ليس ميراثاً يتداوله قوم بعد قوم، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وهداية يمنّ بها الله على من يشاء من عباده، بخلاف متاع الدنيا، فإنما هو ابتلاء واختبار، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب».. فمن أعطاه الله الدين وفقهه فيه فهو فضل من الله، وعليه أن يؤدي حقه: بالعمل والتبليغ.. «فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم».. كما جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذا الدين مهما يمر به من عقبات يضعها أعداؤه في سبيله، ومهما يحاول الحاقدون عليه وعلى أهله، حسداً وبغياً، التصدي لطريق مسيرته: بقوة الجيوش، وبالفكر والشبهات، وبالبذل والمغريات، أو بأي أسلوب يريدون به بلبلة الأفكار، وإلهاء الناس عنه، وشغلهم عن أداء واجباته، بالمغريات والشهوات فإنه وإن هوت لذلك بعض الأفئدة، فما هو إلا مضايقات تتصدى للقلوب الفاضلة، وحوادث تنبه الأفئدة اللاهية، حتى ترعوي وتشتد أكثر من ذي قبل، لأن المثل العربي يقول: إن لكل جواد كبوة ولكل شباب صبوة.. وأخبر صلى الله عليه وسلم: «أن المسلم لا يرجع للكفر إلا كما يعود الحليب في الضرع».
وأذكر في هذا الموقف حالتين، قرأتهما قريباً، وما أكثر ما في تاريخ الإسلام من حوادث مماثلة مفرحة، يكون فيها عمقاً في الأثر، ورسوخاً وثباتاً على المبدأ، ليكون الجديد الداخل في الإسلام، أكثر حماسة ودفاعاً عن دين الإسلام، ودعوة إليه، ممن تناسلوا في الإسلام.. لأن الداخل في دين الإسلام مجدداً، يجد لذة، ويرسخ في قلبه حباً أمكن، من الآخر الذي ولد في الإسلام، وعاش فيه مراحل حياته.. لأن الأول وجد فارقاً بين حالة سابقة عاش فيها، وقد يكون متفانياً في العصبية لمعتقده السابق، فلما تحوّل منه إلى الإسلام، وتغلغلت في سويداء قلبه عمق تعاليمه وبان أثرها في النفس، وما تعود به على المجتمع، فإن هذا يعتبر تحوّلاً في جميع الحواس، وانتقالاً من دور إلى دور.. دور الضياع والتقليد، ثم العمل بدون روية ولا فهم.. إلى دور الجدية، التي تنقلب معها موازين الفكر ونتائج العمل، بما يتركه هذا الدين في القلب من اطمئنان وراحة.
الموقف الأول قرأته في صحيفة العالم الإسلامي التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي في العدد 1705 عن خبر اسلام قرية بوذية في تايلاند بأكملها، على يد راهب هداه الله للإسلام، يقول ذلك الخبر: ذلك الراهب البوذي الذي قضى حياته في الرهبنة، وتعلم النحلة البوذية حتى غدا من علمائها، ثم أتاه نور اليقين ليسلم اسلاماً فردياً، لقد كان يشعر بثقل التبعة الملقاة على عاتقه، لأنه كان إماماً في الكفر والضلال، فأراد أن يكون إماماً للمتقين، وكان له ما أراد ودعا الله به.
لقد سارع في نشر دعوة الإسلام، في قريته «شايو» القريبة من العاصمة بانكوك، وكما روى قصته لموقع الشبكة الإسلامية، فقد استجاب له معظم عشيرته، وأسلمت قرابة سبعين أسرة، ولكن اسلام تلك الأسر كان عجيباً، لقد كان يسلم الرجل ولا تسلم زوجته، وتسلم المرأة ولا يسلم زوجها، أو يسلم الابن ولا يسلم أبواه، فكانت قصص الإسلام التي نقرأ عنها في السيرة، تتكرر بحذافيرها في تلك القرية.
بل إن أذية المشركين والكفار من البوذيين لأسر المسلمين، كانت بنفس التفاصيل التي سمعناها عن الرعيل الأول، لقد أطلقوا عليهم الكلاب، وسبوهم وأقذعوا لهم القول.. وقد وصل الأمر إلى محاولة القتل لبعض المسلمين هناك.
وكان كل هذا يقابل بالصبر الجميل، من الشيخ «الراهب سابقاً» فعمد الشيخ عبد الرحمن وهذا هو اسمه بعدما اعتنق الاسلام، الى بناء سكن خيري لمساعدة المسلمين الجدد، الذين يطردون من بيوتهم، ليكون لهم مكان يؤويهم، ولا يحتاجون إلى ذويهم، فيشعرون بالعزة الإسلامية، ويعتصمون بدين الله تعالى الحق، وكان له ما أراد.
هكذا يعيش المسلمون الجدد، في بلاد تمتلئ بالأصنام، والأوثان، والشرك الصريح، انه اسلام يشبه اسلام الصحابة رضي الله عنهم ، لقد رأى الشيخ عبد الرحمن أن أقوم وسيلة لتثبيت الدين الحق في قريته، أن يقيم مجتمعاً مسلماً، فعمد إلى بناء مسجد، بتبرعات المسلمين في تايلاند، وكانت قليلة الى حد كبير، ولكنها كانت كافية نوعاً ما، وكفيلة بإقامة ما يتعبدون فيه ببناء متواضع لأول مسجد يبنى في تايلاند وسط قرية بوذية بأكملها، لأن معظم المساجد في تايلاند تبنى في مناطق تجمع المسلمين، ومع أن الشيخ عبد الرحمن لم يتعلم العربية في صغره، إلا أنه سعى بعد اسلامه لتعلم العربية، حتى يستطيع قراءة القرآن الكريم، وبالفعل نجح في هذا، ومن ثم سعى في تعلم الإسلام، فاستطاع أن يحصل على قدر لا بأس به من المعارف الدينية الإسلامية، التي تؤهله لأن يدعو إلى دين الله تعالى، في محيط مجتمعه الكبير «ص 16» ولهذا نظائر بحمد الله إذ أسلمت قريةكاملة قبل سنوات، وتبعتها قرى أخرى بسبب قس سبّ الإسلام وتعرض للقرآن، ودعا على نفسه ان كان كاذباً الا يرجع إلى بيته سالماً، فأجاب الله دعوته، فزلت قدمه عند خروجه من الكنيسة، وسقط في ترعة ماء فمات في الحال.. وكان موته هذا سبباً لاسلام تلك الأعداد الكثيرة.
وقبلها قصة المناظرة التي تمت في جنوب السودان، فأسلم خمسة من القساوسة، ثم تبعهم غيرهم ثم أسلم لاسلامهم ما يقرب من خمسين ألفاً من القبائل هناك.. وقد ألف الدعاة في السودان في المناظرة واسلام هؤلاء كتاباً طبع.
أما الموقف الثاني: فقرأته في احدى المجلات: عندما اسلمت اسرة يهودية بكاملها في احدى الدول العربية، وكان ذلك في النصف من رمضان، الذي يقترب موعده، مع مناسبة يوم معركة بدر الكبرى، التي أعز الله فيها الإسلام، وأذل الشرك وأهله، بقتل صناديد الكفر من قريش، وذلك حينما أعلنت الإسلام أسرة يهودية، مكونة من تسعة أشخاص، منهم خريج الجامعة، والعامل وطالب في السنة السادسة الإعدادية، ومعلمة، وربات بيوت، ومعهم طفلة في الرابع ابتدائي، صائمة رمضان مع الأسرة، منذ بداية الشهر، ما أفطرت إلا أياماً قلائل، ومنهم من كان يكتم ايمانه منذ سنوات، ولكنهم في هذا الشهر المبارك أعلنوا اسلامهم وشهدوا بالوحدانية لله جلّ وعلا، موقنين أن الإسلام هو الدين الذي بشر به موسى وعيسى والنبيون عليهم السلام، وأنه مصداق العهد الذي أخذه الله على كل نبي، أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، حين يسمع دعوته.. ثم يقول كاتب الخبر: لقد رأيت أفراد هذه الأسرة، ودموع الفرح تعانق شفاه المهنئين من اخوتهم في الله، فكل فرد منهم كان موضع اهتمام ورعاية كل مسلم صادق في هذه المدينة، (ص 51).
وما روي عن الإمام أبي حنيفة مع جاره اليهودي الذي آذاه بقاذورات بيته عشر سنوات، ولما مرض أبو حنيفة زاره ذلك اليهودي، ولما جلس عند أبي حنيفة، وضع كمه على أنفه، وقال لأبي حنيفة: منذ متى وهذه الرائحة عندكم؟! في استفهام تقريري، ليرى الأثر عند أبي حنيفة.. فأجابه بهدوء: منذ جاورتنا، والجواب له دلالته، اذ كلمة بسيطة من أبي حنيفة، لدى الخليفة العباسي، كفيلة بإيقاع العقاب الشديد على اليهودي، وعبرة يخاف منها غيره.. ولكنها أخلاق الإسلام، ووسيلة من وسائل الدعوة إلى دين الله الحق، الخالد إلى أن تقوم الساعة.
فرد اليهودي، ولماذا لم تخبرني بذلك لأزيله.. مع أنه متعمد ذلك، ولكن يريد أن يعرف ما لدى الإمام أبي حنيفة.. فقال له أبو حنيفة: إن للجار حقاً وصانا عليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن نرعى هذا الحق، ونتحمل في سبيله.. عندها قال اليهودي: دين هذه أخلاق أبنائه، انه لخير دين، ثم نطق بالشهادتين وأسلم، وتبعته عائلته وأقرباؤه..
والمواقف المماثلة كثيرة جداً، وفي كل موضع في أرض الله الواسعة، نجد مثيلاً مما يجب معه أن ندرك نحن أبناء الإسلام الدور المطلوب منا نحو هذا الدين: تعريفاً ودعوة ومثالية في العمل تحقيقاً لأمر الله الكريم: «وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون» (الزخرف 44).
دهاء ابن الجصَّاص:
ذكرت نوادر كثيرة، تتهم ابن الجصاص بالتغفيل، حتى ذكره ابن الجوزي في كتابه: من المغفلين والحمقى لكن حقيقة الأمر أنه في منتهى الدهاء والفطنة، فقد ذكر ما نسب اليه من التغفيل والذكاء، ومن ذكائه ودهائه قال: عن التنوخي بسنده إلى بعض الشيوخ قال: كنا بحضرة أبي عمر القاضي فجرى ذكر ابن الجصاص وغفلته فقال أبو عمرو: معاذ الله، ما هو كما يقال عنه: ولقد كنت عنده منذ أيام، وفي صحن داره سرادق مضروب، فجلسنا بالقرب منه نتحدث، فإذا بصرير نعل من خلف السرادق، فقال: يا غلام جئني بصاحب هذا النعل، فأخرجت إليه جارية سوداء، فقال: ما كنت تصنعين ها هنا؟ قالت: جئت إلى الخادم أعرفه أني قد فرغت من الطبيخ واستأذن في تقديمه، فقال: انصرفي لشأنك، فعلمت أنه اراد يعرفني بذلك الوطء، أنه وطء جارية سوداء مبتذلة، وأنها ليست من حرمه فهل يكون هذا من التغفيل.
وذكر حكاية أخرى فقد كان ابن الجصاص حاضراً عند علي بن الفرات الوزير فتحدثوا في أحسن شيء يدخره الناس لأولادهم فقيل الضياع، وقيل العقار وقيل المال الصامت، وقيل الجوهر الخفيف، وغير ذلك وابن الجصاص ساكت فقال له ابن الفرات: وأنت ما تقول؟ فقال: أجل ما يدخره الناس لأولادهم الضياع والإخوان، ولا ينفع شيء بدون الاخوان، وأحدث الوزير بحديث جرى منذ مدة يبرهن على صدق قولي.. فالناس يعرفون ان أبا الحسن كان رجلاً مشتهراً بالجوهر يدخره لنفسه ولولده وجواريه فكنت جالساً يوماً في داري، فقيل بالباب امرأة تستأذن، فأذنت ودخلت، وقالت تخلي مجلسك، فأخليته فقالت: أنا فلانة جارية أبي الحسن، فعرفتها وبكيت لحالها، ودعوت غلماني لاحضار ما أغيّر به حالها، فقالت: لا تدعهم وأنا غنية وفي كفاية، ولما جرى على أبي الحسن ما تعرفه تشتتنا، وكان لي جوهر قد وهبه لي ولا بنته مني فلانة وهي معي، فخشيت ان اظهره بمصر فيؤخذ متى، فخرجت به، ووصلت بغداد ومع المال سالمين، فأخرجت من الجوهر ما قيمته خمسة آلاف دينار لأبيعه في السوق، فبلغ الفين، فقلت: هاتوا: فلما أحضروا المال قالوا: أين صاحبه؟
قلت: أنا هي قالوا: ليس محلك ذلك وأنت لصة، فعلقوا بي ليحملوني إلى صاحب الشرطة، فخشيت أن أعرف فيؤخذ الجوهر وأطالب بمال. فرشوتهم وتركت الجوهر وأتيتك، حيث لم أنم البارحة غماً وخشية، فأنا غنية فقيرة، وأريد منك جاهك، وعرفت منها من أخذ الجوهر فاستدعيته، وقلت له: هذه امرأة من داري وأنا الذي أعطيتها الجوهر لتبيعه ولا يراني أحد لأعرف قيمته فلم تعرضتم لها؟
فقالوا: ما علمنا ذلك.. فأخذت منهم الجوهر، وبعته لها بأكثر من خمسة آلاف دينار، فاشتريت لها داراً وضياعاً فهي تعيش في ذلك وولدها الى الآن، والجوهر في يدها بلا صديق كالحجر بل كان سبباً في مكروه قال: فهل ينسب هذا الرجل إلى التغفيل، وكيف يكون مغفلاً؟..
(أخبار الحمقى والمغفلين ص 48 49)

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved