أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 17th August,2001 العدد:10550الطبعةالاولـي الجمعة 27 ,جمادى الاولى 1422

محليــات

رحمك الله أبا فهد
د. عبدالرحمن بن أحمد الجعفري
كان يكره القيود، يكره الحدود ويفكر بأفق لا محدود، عروبي في فكره، وطني في انتمائه، اكتسب من العلوم الرياضية لا نهائية التفكير في الكون وما حوله، دخل ميدان الصناعة مسلحاً بمنطق العلوم الرياضية، وقدرة فائقة على الإبداع، متفرد بفكره، يمكن القول إنه رجل سبق زمانه، أحب طلابه وأحبوه لتجرده وإخلاصه ومحبته لعمله كان يعشق الرياضيات لأنها تعطيه الأفق اللا محدود.
نعم هو أخي وزميلي وصديقي الدكتور عبدالله بن حمد المعجل، الذي وافته المنية عاجلاً بالأمس، بفقد أبي فهد تحققت خسارة كبيرة لأهله وأصدقائه ومحبيه وطلابه، بل إنها خسارة للوطن والأمة العربية التي أحبها، وعاش صراعاتها في أن تكون، عاصر هزائمها التي تركت جراحاً لا يندمل، بل يعاد فتحه كل يوم مع ما يراه المرء من إحباط وخيبة أمل، إن جراح أمته أخذت من عمره القصير الجزء الأكبر.
لقد كان أبو فهد ينبوعاً من الأفكار. مات وكان يخطط لمشروعه الجديد، لبناء جامعة خاصة، قصد منها سد فراغ في التعليم العالي في المنطقة. كانت زمالتنا زمالة عمر، بفقده ينتابني إحساس عميق بفقد جزء هام من حياتي، على الرغم من أننا نختلف في الرأي وأساليب معالجة الأمور منذ زمالتنا الأولى عندما كنا في برنامج اللغة الإنجليزية في بداية الستينات الميلادية في جامعة تكساس الأمريكية، إلا أننا ارتبطنا بمحبة خاصة واحترام للآخر، بعد العودة للوطن تزاملنا ردحاً من الزمن في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وشاركنا في تبني مشاريع تطويرية، منها تأسيس مدارس الجامعة القائمة حالياً في جامعة الملك فهد، وقد كان الفكر المطروح هو أن تكون هذه المدارس بما يتوفر حولها من خبرات علمية أداة في تطوير التعليم العام في المملكة، أحب الزميل الراحل هذه الفكرة وعمل من أجلها، حتى ان الترخيص الاول لهذه المدارس كان باسمه، وشاركنا في تطوير اللائحة التنظيمية لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بمساعدة هيئة التدريس في الجامعة، وكنا نهدف من خلال ذلك العمل إلى إحداث نقلة نوعية في تطوير إدارة مؤسسات التعليم العالي بالمملكة، باستخدام أساليب الإدارة الحديثة، لقد كان الزميل الراحل نشطاً معطاءً في تطوير هذا العمل.
بعدما غادر الجامعة ليصبح الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، لم ينس أن يشرك كلية الإدارة الصناعية بجامعة الملك فهد ويشركني شخصياً في مساهمات المنظمة في تطوير الصناعة في منطقة الخليج، كنا نتواصل، نتحاور نختلف ولكن كان كل منا يجتهد في أن يبقى حبل المودة موصولاً، كان دائماً يتطلع لأن يعرف أكثر وكان في غاية السرعة في الفهم، وتطوير الأفكار.
إن جهود الدكتور عبدالله بن حمد المعجل في تطوير الفكر الصناعي والعمل الصناعي المشترك في دول الخليج لا يمكن أن ينكره إلا معاند ومكابر، لقد قضى ثماني سنوات في المنظمة شهدت المنطقة خلالها العديد من الإنجازات والأفكار البناءة في سبيل تنويع القاعدة الاقتصادية في المنطقة، عمت جهوده كافة دول المنطقة، لقد بدأ العديد من البرامج والمشاريع الناجحة وترجم الكثير من الأفكار إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع، ويجب ألا ننسى في هذا المجال ونكتفي بذكر مشروع أو مشروعين تعثرت نظراً لأسباب خارجة عن السيطرة لرائد من الرواد في المنطقة.
لم يكتف فقيدنا بالعمل داخل المنطقة، بل كان رائداً في نقل الصورة عما تم من تطور اقتصادي وصناعي إلى خارج الحدود من خلال تطوير فكرة مؤتمرات الحوار بين الدول الخليجية والدول الأخرى، والذي أصبح فيما بعد أداة من أدوات السياسة الاقتصادية الخارجية لدول مجلس التعاون. لقد كان لفقيدنا بصمات لا تنسى على الصناعة في منطقة الخليج وتطوير الفكر الصناعي فيه والتوعية بأهمية تنويع القاعدة الاقتصادية لدول الخليج، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها زميلنا الراحل فإنني لا أذكر أن دول المجلس قد كرمت د. المعجل على خدماته الجليلة وجهوده وتفانيه وإبداعه.
لقد كان أبو فهد رجلاً مبدعاً جاهد في سبيل تطوير الصناعة العربية في منطقة الخليج، ولم يكن متفرجاً، بل ساهم بماله وعرقه في مشاريع اعتقد أنها مجدية، وفعلاً أخرجها على أرض الواقع، كانت استثماراته في بلده.
بعد أن خلفته في الأمانة العامة لمنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية، وجدت ثراء من الأفكار التي سارعت بتطويرها، وكانت البذرة الأولى من جهود الزميل الراحل، لقد كان أخي عبدالله يرحمه الله رجلاً تتسابق عنده الأفكار والأطروحات، كان رجلاً مخلصاً في عمله أميناً عليه، وعلى الرغم من تباعد مواقع أعمالنا ومحدودية لقاءاتنا في الآونة الأخيرة إلا أن جذور المحبة لم تذبل، وعند سماعي خبر الوفاة المفجعة لم أصدق ونزلت علي مثل السيف، لقد كان أبو فهد يحب الحياة ويحب عائلته بكل ما أوتي من قوة يحب أصدقاءه ويتفانى في عمله، كان دائم البحث عن آفاق جديدة يطرقها وأفكار جديدة يحاول تبنيها وتنفيذها، كان لا يكل ولا يمل يحاول تخطي الحدود وامتطاء الصعاب.
عندما أدركت حقيقة فقد أبي فهد، تساءلت عن سر المحبة بيننا، فلم يطل بي التفكير في معرفة الحقيقة حيث كان الجواب: إن صديقك كان أميناً، صريحاً، نقياً بكل ما تعنيه هذه الكلمات، في عصر فقدت فيه الأمانة والصراحة والنقاء، كان عطوفاً رحيماً، حساساً، وفياً في عصر زادت القسوة وتبلدت فيه المشاعر وقل فيه الوفاء. لقد كان صديقنا يرحمه الله إنساناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان سامية.
رحمك الله يا أبا فهد.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved