أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 19th August,2001 العدد:10552الطبعةالاولـي الأحد 29 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

حرب التجويع وسياسة التركيع
د. عبدالعزيز الرنتيسي
بداية أود أن أعبر عن عظيم تقديرنا لموقف سمو ولي العهد في المملكة العربية السعودية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من الدعوة الامريكية التي وجهت لسموه، حفظه الله، فإن لهذه المواقف التي تنم عن إباء وعزة وشمم بالغ الأثر على دعم وتصميد انتفاضة شعبنا في فلسطين، لانها تشعرنا أننا لسنا وحدنا في المعركة، بل معنا بعد الله عز وجل دولة عزيزة على قلوبنا، لها ثقلها الإقليمي والدولي، ذلك الثقل الذي لا يمكن لقوة في الأرض أن تتجاهله، فنسأل الله أن يجعل من هذه الوقفة الكريمة نبراساً يهتدي به كل الشرفاء على خارطتنا العربية والإسلامية.
ولما كان العدو الصهيوني المفسد قد شن حرباً شاملة على شعبنا الفلسطيني الأعزل، فإنه لم يترك وسيلة يظن أنها قادرة على النيل من عزيمة هذا الشعب وصموده إلا استخدمها بطريقة يندى لها جبين الانسانية، فقد استخدم كل اساليب وأدوات القتل والدمار، فقتل ما يزيد على الخمسمائة شهيد من بينهم 137 طفلا و50 امرأة، بعضهم قتل عن طريق القناصة ومعظمهم من الأطفال، وآخرون اغتيلوا بدم بارد وهؤلاء معظمهم من الشباب، والباقون قتلوا عن طريق القصف المدفعي والصاروخي من الجو والبر والبحر، ولقد استخدموا لإشباع رغبتهم في القتل الدبابات وطائرات «الأباتشي» وال (F16)، هذا وقد أصيب عشرات الآلاف بجراح مختلفة، نسبة عالية منها خلفت عاهات مستديمة، ولا يزال قرابة الألفين من أبنائنا في المعتقلات، منهم من أمضى أكثر من عشرين سنة، ويعاملون معاملة قاسية ووحشية.
ولقد شن العدو المفسد ضد شعبنا المنتفض حربا اقتصادية قذرة، وتفنن في سياسة التجويع، متحكما في لقمة العيش الفلسطينية، فنراه يوصد الابواب في وجه العمال الفلسطينيين بحجة وبغير حجة، ونراه يتحكم في المعابر بما يعرقل تصدير المنتوجات الزراعية الفلسطينية، ونراه يجرف الأراضي الزراعية ويقتلع الأشجار ويدمر الآبار، ولم تسلم من تخريبه وإفساده حتى المصانع والورش الصغيرة، ناهيك عن تدمير البيوت، وضرب البنى التحتية، وكذلك احتجاز الأموال الفلسطينية.
والتقديرات الدقيقة تتحدث عن خسائر يومية تقدر بتسعة ملايين دولار لليوم الواحد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الانتفاضة، ثم تناقصت الخسائر فيما بعد بسبب تراجع العدو الصهيوني عن بعض سياساته في التضييق على العمال الفلسطينيين وذلك بالسماح لنسبة قليلة منهم بالعودة لأعمالهم، وبسبب تأقلم الشعب الفلسطيني مع الوضع الحياتي الجديد، وكذلك بسبب الدعم الخارجي الذي قدم للشعب الفلسطيني، وهذه التقديرات لا تشمل الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية، ولا الدمار الذي أصاب الممتلكات العامة والخاصة والتي يصعب تقديرها، ونستطيع القول ان المتوسط الشهري للخسائر الفلسطينية على مدى الثمانية أشهر يصل إلى حوالي 195 مليون دولار للشهر الواحد، وهي تشمل خسائر العاملين داخل الكيان الصهيوني، والعاملين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين فقدوا أعمالهم نتيجة الحصار، وتشمل كذلك الخسائر التي لحقت بقطاع التجارة الخارجية والاستثمار والاستهلاك، أي أن مجمل الخسائر التي تكبدها الشعب الفلسطيني خلال الثمانية أشهر تبلغ حوالي 5.1 مليار دولار، وأما الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة فتقدر بما لا يقل عن 500 مليون دولار.
ولما تركزت الخسائر بصورة كبيرة على الفئات الضعيفة أصلا في مجتمعنا الفلسطيني، فقد كان الأثر السلبي على الوضع الاجتماعي كبيراً جداً، فأكثر الفئات تضررا كانت طبقة العمال سواء من كان يعمل منهم داخل الكيان الصهيوني، أو أولئك الذين فقدوا اعمالهم في الضفة والقطاع بسبب الحصار الذي عطل قطاعات كانت تستوعب العديد من العمال كالإنشاءات والنقل والتجارة والسياحة وغيرها، فقطاع الانشاء على سبيل المثال تراجع بحوالي 80%، وإذا أدركنا ان العاملين في تلك القطاعات كانوا يتقاضون مرتبات ضئيلة لا تسمح بالادخار، أدركنا أنهم دخلوا مرحلة الانتفاضة ولم تكن لديهم مدخرات على الإطلاق، وهذا مما زاد حجم المعاناة، ناهيك عن قطاع الزراعة الذي أصابه دمار كبير بسبب منع تصدير المنتجات الزراعية وانخفاض أسعارها، وكذلك بسبب أعمال التجريف والتخريب وتدمير الآبار الارتوازية، ولا ننسى الضرر الذي لحق بقطاع التجارة الخارجية والذي عانى كثيراً بسبب الحصار المضروب على الضفة والقطاع.
ومما زاد في حجم المعاناة أيضا، أن هناك من الالتزامات التي لا يستطيع أن يتنصل منها المعيل للأسرة، وهذه الالتزامات تشكل عبئاً ثقيلاً على كثير من الأسر، فلقد جاءتني والدموع في عينيها وتقول كان الزوج عاملا يعمل داخل الكيان الصهيوني، واثنان من أبنائنا كانا يعملان داخل القطاع، ولقد قعد الجميع عن العمل، وولدنا الأكبر يدرس في تركيا، وقد تبقى له عامان حتى يتخرج من كلية الطب، ولنا ولد آخر يدرس في الجامعة الاسلامية في غزة، وعدد من الأطفال في المدارس، ولقد اضطررنا لترك بيتنا المتاخم للحدود المصرية في رفح، واستأجرنا بيتاً بعيداً عن القصف، ونحن اليوم في ضائقة شديدة ولم نتعود على طرق الأبواب، فماذا نفعل؟ ولم نتسلم من الدعم الذي مني به العمال إلا 150 دولارا خلال الأشهر الثمانية، فوجهتها للذهاب إلى المؤسسات الاسلامية التي يطرق بابها الآلاف من المعوزين، فمثل هذه الالتزامات وغيرها تشكل عاملا خانقا للشعب الفلسطيني، فهناك عشرات الآلاف من الطلاب الجامعيين في الداخل والخارج الذين ينحدرون من أسر باتت معدمة تماما، وهناك أيضا عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل الذين تحطمت طموحاتهم في الحصول على عمل يحفظ كرامتهم، وهناك الأسر التي فقدت عائلها الوحيد، وأسر باتت بلا مأوى فهام أفرادها على وجوههم، وأسر فقدت مصدر رزقها الوحيد كالمزارعين مثلا.
إن انتشار الفقر بصورة مفاجئة وسريعة أدى الى عرقلة عملية التكافل الاجتماعي الذاتية التي يتصف بها الشعب الفلسطيني، كما أن تأخر وصول المساعدات وعدم كفايتها أدى إلى وصول بعض الأسر إلى حافة المجاعة.
ولما كانت معركتنا طويلة الأمد، وعدونا الخبيث يسعى الى ضرب الصمود الفلسطيني على قاعدة (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) صدق الله العظيم ، بات لزاما على كل المخلصين أن يساهموا بدعم صمود شعبنا الفلسطيني بما يحتاجه من مال، وأن تفتح لهذا الغرض أبواب التبرعات الجماهيرية، فإذا كان قدر شعبنا الفلسطيني أن يجاهد بالنفس، فعلى إخواننا ان يجاهدوا بأموالهم، والله يقول: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون).
ولما كان الأمن الغذائي لا يقل في قيمته عن الأمن الشخصي في تحقيق الصمود لكسب المعركة والله سبحانه يقول: (فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، نستطيع عندئذ فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازيا فقد غزا ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا)، ثم علينا ألا ننسى أننا العقبة الكأداء التي تقف في وجه مطامع العدو الصهيوني في مواصلة عدوانه التوسعي لتحقيق ما يحلم به من قيام ما يسمى «بإسرائيل العظمى» على حساب أمتنا العربية، كل ذلك يدفعنا أن نقوم بواجبنا تجاه من يبذلون دماءهم، ويجاهدون بأرواحهم، ويواجهون أعتى آلة حربية وأخبث ملة بشرية بصبر وثبات منقطع النظير، ان المجاهدين في سبيل الله هم الصادقون لقوله تعالى: «إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون»، فكونوا يا أهلنا معهم استجابة لأمر الله عز وجل «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين».

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved