أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 19th August,2001 العدد:10552الطبعةالاولـي الأحد 29 ,جمادى الاولى 1422

منوعـات

خطوة وخطوات
د، عبدالله الصالح العثيمين
ما تردد في الوسائل الإعلامية المختلفة عن اجتماع وزراء الإعلام العرب الأخير في القاهرة خطوة في الاتجاه الصحيح، ومع أن هذا الاجتماع؛ مثل أكثر اجتماعات العرب ذات الطابع السياسي، قد أتى ردَّ فعل متأخر لكوارث وقعت وأخذت تترسخ على الأرض فإن ما تمَّ فيه جدير بالاهتمام من حيث المظهر الأوليّ، وسيكون جديراً بالتقدير والشكر لو التزم الجميع بما تُوصّّل إليه وحدث التنسيق المتفق عليه، ولعل أهم ما نوقش هو محاولة إطلاع الرأي العام الغربي على حقيقة ما يجري على أرض فلسطين المجاهدة من جرائم صهيونية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وما عليها من مقدسات، ومن المعلوم أن العالم الغربي في ظل الظروف الراهنة هو المؤثر الأكبر في سير الأحداث العالمية، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية من هذا العالم الغربي هي وحدها المتحكّمة الأولى في إدارة دفّة الأمور المهمّة، ومع أنه من المؤمل أن يتولّى مهمّة تلك المحاولة: تخطيطاً وتنفيذاً، أناس يفهمون العقلية الغربية حق الفهم أمثال المناضلة حنان عشراوي فإن هذه المهمّة ليست باليسيرة؛ بل إنها من أصعب الأمور، ولعل من أبرز أسباب صعوبتها أولاً: أن القضية الفلسطينية قضية عربية إسلامية، والغرب المسيحي إلا من ندر من أفراد شعوبه، والنادر لا حكم له كان وما يزال ينظر إلى الإسلام نظرة لا يمكن أن توصف بالودّ أو الحيادية، وموقفه؛ قيادات وشعوباً، من القضايا الإسلامية غير القضيّة الفلسطينية؛ مثل كشمير، والشيشان، والبوسنة والهرسك، ثم ألبان مقدونيا، واضح كل الوضوح، ومن الاستقراء التاريخي يتبين أن الغرب، بصفة عامة، إذا وجدت قضية فيها طرفان أحدهما مسلم والآخر غير مسلم فإنه ينحاز إلى الطرف غير المسلم، وإذا كان الطرف المسلم عربياً زاد انحياز الغرب إلى خصمه ربما لأنه يرى أن نبيَّ الإسلام، صلى الله عليه وسلم، كان عربياً، ولغة هذا الدين الأساسية هي العربية، وحملته الأوائل كانوا من العرب، ومع وضوح العامل الديني بكل أبعاده في اتخاذ الغرب لمواقفه فإنه ما زال يوجد من غرّتهم أنفسهم فاعتقدوا أنهم دهاقنة السياسة، وراحوا ينظِّرون نظريات تتجاهل هذا العامل،
والسبب الثاني هو أن النفوذ الصهيوني بكل وسائله المؤثِّرة، إعلامياً ومالياً وتنظيمياً، متغلغل في المجتمعات الغربية بحيث أصبح شبحاً مخيفاً أمام كل من يطمح في الوصول إلى مركز مهم في هذه المجتمعات أو المحافظة على هذا المركز، وما يراه المرء من تصرفات رجالات الغرب مَنْ يسعون إلى القيادة ومن يأملون في الحفاظ عليها يدرك ذلك غاية الإدراك، وفي كتاب فندلي من يجرؤ على الكلام؟ وغيره من الكتابات الجادة ما يبرهن على ذلك، وما موقف القيادة الدانمركية من تعيين مجرم صهيوني سفيراً لدولة الصهاينة في الدانمرك عنا ببعيد، أما وصف نائب الرئيس الأمريكي لجرائم الصهاينة المتمثّلة في اغتيال الرموز الفلسطينية المخلصة حقاً وقتل الفلسطينيين الأبرياء بالوصف الذي فاه به فلا يحتاج إلا إلى تخمين ما هو الدافع الأقوى إلى التفوّه به أهو كره العرب والمسلمين أو التودد إلى المنفذِّين الصهاينة! وإذا كان من الصعب ترجيح أي منهما فإن من المرجّح أنه لو كان في عباءة الأمة العربية المسلمة رجل كما يقول المثل لحسب ألف حساب لما قاله،
ولعل مما له صلة بهذا السبب والسبب الذي قبله بناء الصهيوني المشهور أندكس سفيراً لأمريكا لدى دولة الصهاينة رغم ما اتّضح من قيامه بأعمال تتنافى مع مصلحة أمريكا ذاتها، وما قاله عن الرئيس الأمريكي من أنه «يحب إسرائيل بالفطرة»، فإن كان يحبها بالفطرة مع كل جرائمها التي لا يجهلها فذلك عائد للسبب الأول، وإن كان غير ذلك فإن عدم قدرته على نفي ما قاله عنه سفيره الصهيوني أو التعليق عليه عائد للسبب الثاني، وكلا الأمرين أحلاهما مر،
السبب الثالث الاقتصاد، فالعالم الغربي وقيادته العليا لأمريكا هو الموجِّه الفاعل للاقتصاد العالمي، ومع أن استعماره المباشر للأقطار التي كان يستعمرها قد انتهى فإنه عاد مستعمراً لهذه الأقطار بطريقة غير مباشرة، ولكنها فعّالة مؤثّرة، فبعض القيادات معتمدة على معوناته المالية، وبعضها معتمدة على حمايته العسكرية، وغياب الثقة بين كثير من قيادات هذه الأقطار وأفراد شعوبها لعوامل ليست محل النقاش هنا أبقى كلاً من هذه القيادات والشعوب مشلولة الحركة، ولا تلام القيادات الغربية والعامل الاقتصادي من العوامل المهمّة جداً إذا انحازت بشكل واضح ضد العرب والمسلمين؛ وبخاصة فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، فهي تتقي خطر النفوذ الصهيوني المتغلغل في مجتمعاتها وربما تلذذ بعضها بإسعاد مشاعره العدائية للعرب والمسلمين، وهي مطمئنة إلى أن مصالحها الاقتصادية في الأقطار العربية والإسلامية غير معرّضة للخطر؛ بل ولا للتراجع، ولو أن شعوب هذه الأقطار استجابت لنداء فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي وأمثاله من المجاهدين بالكلمة الواعية في الامتناع عن شراء ما يمكن الاستغناء عنه من منتجات من يقف بصلف مع المجرمين الصهاينة لكان لذلك ما له من أثر إيجابي لصالح القضية الفلسطينية، وفي ظني أن في إمكان العرب والمسلمين أن يمتنعوا مثلاً عن تناول الكولا ونحوها والسجائر المنتجة في بلدان من يساند أولئك المجرمين لمدة شهر واحد فقط، (ولا أقول مدة أطول لأن هذا يحتاج إلى وجود زعامة مثل زعامة غاندي)، وأمر مثل هذا لا أظن أن قيادات العرب والمسلمين ستقف ضد شعوبها في ممارسته ، ولو فُعل لأدرك من يقفون مع المجرمين أن مصالحهم الاقتصادية قد تتعرّض لما يكرهون أن تتعرّض له، ولخفَّ صلفهم في الوقوف مع أولئك المجرمين،
على أن المرء تكاد تخنقه طيوف الألم وهو يرى في ظلِّ حرب الإبادة للشعب الفلسطيني أفراداً من العرب المسلمين؛ بل من أسر جذورها ممتدة في مهد العروبة ومهبط الوحي، يصل بهم حبُّ المال إلى فتح فروعٍ في الجزيرة العربية ذاتها لمحلات اليهودي الصهيوني، ما ركز آند سبنسر، الذي يعلم الجميع أن جزءاً من ماله يذهب إلى خزينة الدولة اليهودية ليسهم في إبادة الشعب الفلسطيني العربي المسلم، وفي القضاء على مقدسات الأمة العربية المسلمة في فلسطين، وإلى جانب ذلك يرى قناة يملكها أفراد من أسر كريمة: أصلاً ومكانة، وتبثُّ من مناظر الخلاعة، وبخاصة الإعلانات، ما يتقزز لرؤيته كل ذي حياء ومروءة لتصبح بهذا أداة من أدوات إلهاء الأمة عن تأمل مصائب قضيتها الكبرى،
ومع كل الطيوف المؤلمة، ووجود من أصبحوا غافلين أو متغافلين جزءاً من نكبة أمتهم فإن هذه الأمة ماتزال بخير، وما قامت به المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم ما قام به، ويقوم به، شعب فلسطين من جهاد منقطع النظير في الظروف الخاصة المحيطة به تباشير آمال كبيرة يرسمها على الأفق المدلهم من يؤمنون بالله واليوم الآخر ويرجون تجارة لن تبور،

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved