أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 20th August,2001 العدد:10553الطبعةالاولـي الأثنين 1 ,جمادى الثانية 1422

مقـالات

قراءة التاريخ الوطني «2»
د. عبدالله الصالح العثيمين
اشتمل الحديث في الحلقة السابقة على الإشارة إلى ما فهمه أحد الإخوة الأفاضل مما ورد في كتابي (تاريخ المملكة العربية السعودية) عن ثلاث معارك هي: البكيرية، وروضة مهنا، وجراب. وقد بينت في تلك الحلقة أن ما أوردته عن معركة البكيرية لا يختلف في مضمونه عما أوردته ثلاثة مصادر معاصرة لحدوثها، وهي تاريخ إبراهيم القاضي، وتاريخ عبدالله البسام، وقصيدة العوني، وفي هذه الحلقة سيكون الحديث عن معركة روضة مهنا ومعركة جراب.
2 معركة روضة مهنا:
قال الأخ الفاضل: إنه قد أُغفل في كتاب تاريخ المملكة مشاركة مطير في معركة روضة مهنا، كما أغفلت مشاركة الحاضرة أيضاً، ولم يذكر من المشاركين إلا أهل القصيم. فما الحقيقة؟
لقد ذُكر في كتاب تاريخ المملكة «ج2، ص 103»، «أن الملك عبدالعزيز خرج «أي من الرياض»، في الخامس والعشرين من ذي الحجة «1323ه» بأتباعه غازياً، ونزل الأسياح حيث أقام عشرين يوماً انضم إليه خلالها غزاة القصيم». وأظن أنه لا يخفى على القارئ الكريم أن عبارة «انضم إليه خلالها غزاة القصيم »لا يقصد بها أنه لم يكن مع الملك إلا هؤلاء. ذلك أنه قد ذكر أنه توجه بأتباعه «وهؤلاء كانوا من جميع المناطق والقبائل التابعة له»، حتى وصل إلى الأسياح، التي هي في اقليم القصيم.
فالعبارة إنما توضح أن غزاة هذا الإقليم انضموا إليه بعد وصوله المكان المذكور، لكنها لا تعني أنهم وحدهم الذين كانوا معه. بل إنه قد ذُكر أن صالح بن حسن المهنا الذي كان أعظم أمراء الإقليم نفوذا ومكانة لم يحضر معركة روضة مهنا، التي دارت ليلة السابع عشر من صفر سنة 1324ه ومن المعروف ما حدث لصالح فيما بعد، إذ قُبض عليه، وسجن في الرياض، ثم هرب من السجن، ولُحق به وقُتل.
على أن القاضي قد ذكر أن الملك عبدالعزيز عندما نزل مجمع البطنان عدى على نايف بن بصيص من مطير، الذي كان حينذاك مواليا لابن رشيد لكن ابن بصيص علم بتحركه فهرب ولم ينل منه الملك إلا إبلاً قليلة.
وذكر أيضاً أن الملك أغار على مطير، ولم يحدد فئة منها، فوق الأسياح في بداية شهر شعبان من سنة 1324ه، أي بعد شهور من العام نفسه الذي قتل فيه ابن رشيد في المعركة المذكورة.
لكن يلاحظ أن فخذ بريه من مطير كان مع الملك أواخر تلك السنة. وفي أوائل السنة التالية أي سنة 1325ه بدا للملك من فيصل الدويش رحم الله الجميع ما رابه فاتخذ حياله ما اتخذ من اجراء. قال القاضي:
«كان فيصل الدويش عند معدى ابن سعود «على شمر»، باين شينه وهمّ فيه ابن سعود وإذا قومه الذي معه من البادية: مطير وعتيبة. ثم حضر كبار العرب وقال وش ترون؟ وهو مدخل العلم مع محمد بن حميد وكبار عتيبة. وقالوا ما لك إلا تنكف. ابن رشيد«وهو حينذاك سلطان الحمود»، دخل ديرته، وشمر هجوا، وأنت لاحق عليهم، قال انكفنا. ثم انكف القوم. والمقصد نكوفة مطير لا ينذرون. وواعد عتيبة يلتوون من قفا القصيم ووعدهم الأسياح.. ثم ركب ابن سعود وسار مجنب يزعم أنه منكف لديرته ثم عارضوه عتيبة وعدا في فيصل الدويش وأغلب علوى معه هاك الوقت. انتذر الدويش، وزبن المجمعة وهي في هاك الوقت قوم لابن سعود، ونزل تحت الجدار «السور»، وظهروا أهل المجمعة مساعدين الدويش. ابن سعود زتّها عليهم، وتهيا ملحمة وكون جيد، وكسرهم ابن سعود، وحجرهم داخل الجدار: البدو والحضر والطالعي أخذه كله. صوهب فيصل الدويش صواب شين، والذي صوبه فاجر ولد شليويح. ثم انكف ابن سعود ودخل ديرته في ربيع آخر سنة 1325ه».
وبعد ذلك حدث ما حدث من تحالف الدويش مع سلطان بن حمود الرشيد ومحمد بن عبدالله أبا الخيل، الذي عيّنه الملك عبدالعزيز أميراً لبريدة بعد قبضه على صالح الحسن المهنا. وكان من نتائج ذلك التحالف الثلاثي حدوث معركة الطرفية المشهورة سنة 1325ه ومع أنه من المرجح أن أمور العلاقة بين الملك والدويش قد عادت إلى مجاريها بعد تلك المعركة إلا أن المصادر ذكرت أن الملك عندما أراد انتزاع منطقة الأحساء من العثمانيين، عام 1331ه، رأى إبعاد قوة العجمان عنها، فقال لهم: إنه سيغزو قبيلة مطير، التي لم تكن علاقة العجمان بها حسنة حينذاك، وواعدهم مكاناً بعيداً عن المنطقة. وقد يفهم من ذلك أن علاقة الملك بمطير في تلك السنة لم تكن على ما يرام على أن من المؤكد أن دور هذه القبيلة الإيجابي بقيادة زعيمها فيصل الدويش في عمليات توحيد البلاد بعد اعتناقها لحركة الإخوان، أصبح عظيماً.
3 معركة جراب:
قال الأخ الفاضل: إنه قد تم في (تاريخ المملكة) ذكر المشاركين مع الملك عبدالعزيز من البادية والحاضرة على السواء بالاسم لكنه ضعّف دور قبيلة مطير عندما قيل: «لم تصل إلى ميدان المعركة إلا بعد أن بانت نتائجها، فانتهزت الفرصة بالإغارة على إبل ابن رشيد والاستيلاء على أعداد كبيرة منها» وهذا مخالف للحقيقة حيث ذكر الدكتور إبراهيم جمعة في (الأطلس التاريخي).. عن دور قبيلة مطير في سير المعركة حيث قال: «فشدد الشمريون على ميسرة عبدالعزيز، وكادت تحدث الهزيمة لولا ما كان من بوادي مطير الذين ضغطوا على جيش ابن رشيد وهاجموا مخيمه وأوقعوا الذعر في صفوف رجاله». وتؤكد رواية الدكتور إبراهيم جمعة رواية أخرى لأمين الريحاني حيث قال ما نصه: «أما بدو ابن سعود وأكثرهم من مطير فقد أغاروا أثناء ذلك على جيش ابن الرشيد ومخيمه، وكانوا كذلك من الفائزين الغانمين».
بداية هل رواية الريحاني تؤكد ما قاله جمعة؟ إن الريحاني يذكر أنه في أثناء ذلك «أي في اثناء القتال بين ابن سعود وابن رشيد، وما ذكر أنه حدث من العجمان وإغارة بادية ابن رشيد على ميسرة جيش ابن سعود وأكثرهم وليس كلهم من مطير على جيش ابن رشيد ومخيمه، وفازوا والجيش في كلام الريحاني هنا تعني الركائب وعلى هذا فإنه يفهم من كلام الريحاني أن دور مطير انصب على أخذ ركائب ابن رشيد ومخيمه وذلك في أثناء ما ذكر.
أما جمعة فينص على أن الشمريين شددوا على ميسرة عبدالعزيز وأن الهزيمة له كادت تحدث لولا أن بادية مطير ضغطوا على جيش ابن رشيد وهاجموا مخيمه، وأوقعوا الذعر في صفوفه وتعبير «ضغطوا على جيش ابن رشيد»، هنا يعني قواته لأن هناك فرقا بين «ضغط على جيش»، وإغارة على جيش ومخيم. على أن جمعة لم يعز ما قاله إلى مصدر. ولعله اعتمد على الريحاني ولم يفهم ما قاله فهماً صحيحاً.
والمتأمل في رواية الريحاني يرى عدم دقته فقد ذكر «ص 220»، أن جيش كل من ابن سعود وابن رشيد لم يتجاوز الثلاثة آلاف مقاتل. ثم فصل ذلك قائلا: كان مع ابن سعود نحو ألف من الحضر أكثرهم من أهل العارض .. وثلاث مائة خيال من العجمان، ما عدا البادية، ومدفع.. وكان مع ابن رشيد ست مائة من الحضر وألف فارس من شمر. وبما أنه ذكر أن جيش ابن رشيد 1600 مقاتل فإن هذا لا يعني أن جيش ابن سعود كان 1400 مقاتل، بينهم ألف من الحضر. فإذا أضيف إلى هؤلاء ثلاث مائة خيال من العجمان فإن هذا يعني أنه لم يكن معه من غير الحضر والعجمان إلا مائة بدوي. هل يعقل هذا؟ ثم إذا كان مع ابن رشيد ألف فارس من شمر فهل يعني هذا أنه لم يكن بين الحضر، أو غير شمر فرسان؟ وهل الذين كانوا مع ابن سعود لم يكن بينهم خيالة إلا العجمان؟ هل يعقل هذا؟ إن كتابةالريحاني كما ذكر سابقاً أقرب إلى الرواية التاريخية منها إلى التاريخ الحقيقي.
أما ابن هذلول وهذا لم يتوف، رحمه الله، إلا قبل سنوات قليلة فقال عن المعركة:
«كان مع ابن سعود 1600 مقاتل من الحضر أكثرهم من أهل العارض الأشداء البواسل ونحو 200 فارس «ولم يذكر من أين»، وانضم إليه كثير من بادية مطير والعجمان والسبيع «وصحتها سبيع»، والسهول. ثم جاءت حاضرة القصيم فانضموا معه. وكان مع ابن رشيد 1500 من الحضر، و 2600 من بوادي شمر، و 300 فارس من فرسانها».
ويلفت النظر أنه جعل جيش ابن رشيد وحده: 4400 مقاتل، وجعل الحضر من جيش ابن سعود من غير أهل القصيم الذين لم يذكر عددهم 1600، و200 فارس، إضافة إلى كثير من مطير والعجمان وسبيع والسهول ثم قال:
«احتدم القتال .. واشتدت المعركة.. وتراجعت بادية العجمان وفرسانها.. ونهب العجمان معسكرات ابن سعود، واحتلت أعراب مطير التابعة لابن سعود معسكرات ابن رشيد وغنمتها وأغارت فرسان شمر على ما تبقى من معسكرات ابن سعود وغنمته . أما الحاضرة من الطرفين فتقاتلوا وتجالدوا وصارت الخسارة من الطرفين كبيرة..».
وبغض النظر عما في كلام الأمير سعود من نقط ليست دقيقة فإن مما يلحظ على كلامه بصفة عامة انه ركز على أن القتال الشديد كان بين حاضرة الطرفين وأنه ذكر بأن «أعراب مطير» احتلوا معسكرات ابن رشيد وغنموها واحتلال المعسكرات لا يتنافى مع كونهم لم يصلوا إلى ميدان المعركة إلا بعد أن باتت نتائجها ، وهي بداية انهزام فئات من حاضرة كلا الطرفين.
وماذا قال القاضي المعاصر للحادثة؟ قال:
«في عشرين من ذي الحجة «1332ه»، ظهر ابن سعود واستغزى أهل نجد، وغزوا ونزل الخفس جانب من سدير، وتلافوا عليه الغزوان، ثم ظهر ابن رشيد ونزل مع شمر، وجذب البعيد منهم وجاء.
وفي صفر عام 1333ه ابن سعود استجرد أهل نجد وظهر منهم أكثر من الغزو الأول ثلاث مرات.. ثم بعد ما تلافوا غزوان ابن سعود عليه الأولين والتالين. ثم ابن رشيد جذب شمر والجميع أقبل يمشي كلٍ ناحر الثاني. فيوم نزل ابن سعود جراب نزل ابن رشيد قبة. شد ابن سعود ناحر ابن رشيد، وشد ابن رشيد ناحر ابن سعود. فلما صار يوم ثامن من ربيع أول عام 1333ه وجاء ابن سعود يمشي يحسب ابن رشيد بقبة بعض قومه متفرقين: أحد يروي وأحد يمشي على مهله، وصار الضحى من النهار وهم يشوفون ابن رشيد نازل قدام وجيههم، وإلى ما يمكن التبصر، ورد عليه ابن سعود ونوّح ومشى ذاك عليه. ثم تناطحوا وتناشبوا.
وصار كون هايل عظيم فلما استمر الكون وإذا قبلا ابن سعود وأهل الجنوب أهل لبدة وبعض من شمر ثم انكسروا أهل لبدة أهل القصيم قبلاهم أهل القصر وأهل مغيضة. بعدما اشتد الكون انكسروا أهل القصيم.
أهل لبدة معهم سعود ابن رشيد يوم انكسروا بتّلوها يحسبونهم ملحوقين وإذا ما وراهم أحد. أهل الجنوب يوم انكسروا أهل القصيم انكسروا معهم، وعمرت الكسيرة على ابن سعود. شمر لحقوا ابن رشيد، والناير من شمر، وخبروهم وردوهم وعودوا. وابن سعود أكثر من نهبه وأخذ حلله وما استطرف من قومه بدوه الذي معه وهم حرب وبادية الجنوب ومطير ما امكنوا الكون فلما اقبلت جرود مطير لاحقين ابن سعود وإذا الأمر كد وقع وإذا هم يشوفون ابن سعود وابن رشيد كلهم منكسرين، صار مهواهم على طرف قوم ابن رشيد الذين منكسرين. ثم وردوا على جيش ابن رشيد، وشالوا أغلبه وانفهقوا».
وتحدث عن المعركة بنوع من التفصيل أيضا مقبل الذكير الذي كان فتى ضيفاً عند يوسف بن إبراهيم عندما قتل مبارك بن صباح أخويه محمداً وجراحاً، سنة 1313ه «أي أنه كان معاصراً لمعركة جراب». فقال:
دخلت سنة 1333ه والعداوة قد استحكمت بين ابن سعود وابن رشيد وكل منهما يجهز غزوانه ويستعد للآخر، وفي شهر صفر خرج ابن سعود ومعه أهل القصيم وأهل الوشم وسدير وأهل الجنوب، ومعه من البادية العجمان وبعض من حرب وقسم من سبيع والسهول وقحطان ولما تكاملوا عنده شد ونزل جراب أما ابن رشيد فقد نزل قبة.. ومعه شمر. وأقبل كل منهما يريد الآخر. فأقبل ابن رشيد ونزل قريباً من شعيب الأرطاوي وشد ابن سعود من جراب. ولما قارب شعيب الأرطاوي أخذ الخبر أن بن رشيد قريب منه ولم يكن على علم بمنزله الأخير، ولم يكن جيشه على تعبئة. وعندما علم ابن سعود عن منزل ابن رشيد نزل وأرسل من يكف البادية لأنهم كانوا متفرقين على أمن ولكن ابن رشيد كان أسرع منه فبادره عند أول نزوله فالتحم القتال بين الفريقين باليوم الثامن من ربيع الأول. فكان سعود ابن رشيد وأهل لبدة من أهل حايل وبعض من شمر قبالة ابن سعود وأهل العارض ومن معهم من أهل الوشم وسدير والجنوب. وأهل القصر وأهل مغيضة وبعض من شمر ومن معهم قبالة أهل القصيم. فلما اشتد القتال بين الطرفين من الحضر أغاروا شمر على جيش بن سعود وأخذوا بعضه وأغار العجمان وبعض حرب، وأخذوا البقية من جيش ابن سعود. أما مطير فلم يصلوا إلا من بعد ما التحم القتال، فأغاروا على جيش ابن رشيد وأخذوه فصارت الغنيمة للبادية من الطرفين. ولكن عندما أغاروا شمر على الجيش وأخذ العجمان جيش ابن سعود كان ابن رشيد قد تضعضع فأسندوه شمر فثبت فانهزم أهل القصيم ثم صارت الهزيمة عامة على جيش ابن سعود لأن الأمر صار فوضى كلٌ ينهب من قبله من الصديق والعدو من البادية.
فانسحب ابن رشيد بمن بقي عنده من أهل حايل وشمر، وانسحب ابن سعود بشرذمة قليلة من الحضر الذين معه إلى الأرطاوية وتلاحقت عليه فلول جيشه أما أهل القصيم فقد تفرقوا فمنهم من تعلق البادية ومنهم من قصد القرى القريبة منه».
ومن خلال التأمل في كلام مؤرخين معاصرين لأحداث معركة جراب، وهما القاضي والذكير، يتضح أن التفصيلات التي أورداها عنها من أحسن ما كتب حولها وأن كلام كل من الريحاني وابن هذلول عن دور مطير فيها وتركيزه على أخذ جيش ابن رشيد، أي ركائبه، ومخيمه لا يتنافى، بصفة عامة مع ما أورده القاضي والذكير، كما يتضح أن ما ذُكر في كتاب «تاريخ المملكة» عن تلك المعركة لا يخرج في مضمونه عما أوردته المصادر المذكورة مجتمعة.
والله ولي التوفيق،،

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved