أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 21st August,2001 العدد:10554الطبعةالاولـي الثلاثاء 2 ,جمادى الآخر 1422

الثقافية

قصة قصيرة
خطان متوازيان
أحمد غريب
نظر إلى المحلات المجاورة لباب السينما بحثاً عن بائع الشاورمة المعتاد، ثم استدار ليسأل أحد المنتظرين فلمح محل الشاورمة على الرصيف المقابل والبائع واقف أمام كتلة اللحم الأسطوانية بسكينته الطويلة وقميصه الأبيض خارج البنطلون. عبر النهر الأول للشارع و انتظر حتى يخلو الثاني من السيارات، تأكد من وجود التذكرة في جيبه والتفت إلى واجهة السينما التي تعرف عليها منذ وصوله إلى هذه المدينة، كانت أول مرة يدخل السينما في هذا المكان.
رائحة الشاورمة التي تبعث الألفة والحميمية قبل مشاهدة أي فيلم جعلته يطلب ثلاثة سندوتشات وهو متأكد من قدرته على تناول المزيد. تطلع إلى واجهة السينما على الرصيف المقابل أكثر من مرة وهو يتناول عشاءه المبكر، وقرأ للمرة السادسة أو السابعة ترجمة اسم الفيلم الذي اختار مشاهدته ليألف المدينة« خطان متوازيان» مكتوبة بالخط العربي على زجاج مضيء أسفل واجهة كبيرة كتب عليها اسم الفيلم وأبطاله بحروف إنجليزية مضيئة، يبدو شكلها ملاصقا للفيلم في كل قارات الدنيا. كل التقديرات التي ترد إلى ذهنه عن فترة إقامته هنا تنتهي بابتسامة الحيرة، وغالباً يقول عاماً وكفى.
سأله بائع الشورمة مبتسماً إن كان يريدالمزيد؟ بادله الابتسامة مدركا اختلاف لهجته عن أهل هذا البلد وأعطاه الحساب، ثم التفت الاثنان لبعضهما مرة ثانية مكررين الابتسامة و هما يتبادلان النظرات، وتقدم زبون جديد من الناحية التي يمسك البائع السكين بها، وعندما تنبه البائع لوجوده التفت بسرعة فاقترب السكين من وجهه فابتعد الزبون عن المحل وتخلى البائع عنه بسهولة. عبر الشارع باتجاه السينما بسرعة كي لا تفوته بداية الفيلم، وتأكد من وجود التذكرة في جيبه مرة أخرى.
لم يسبب له نزول السلم المفضي إلى قاعة السينما مفاجأة، عند نزول السلالم مع إضاءة ضعيفة موزعة بالتساوي لتبديد العتمة، لكن الضوء هنا يزداد إلى حد الإبهار كلما نزل على السلالم الحلزونية التي تنتهي في مواجهة ثلاث قاعات للعرض دفعة واحدة.
اتجه إلى الأخيرة حيث لمح ملصق الدعاية الخاص بفيلمه قرب الباب، وإلى جواره عمودان متوازيان من الضوء الأحمر. أخبره رجل الأمن أن عليه الانتظار دقيقتين ويدخل القاعة. قرأ على الملصق عبارة مكتوبة بحروف إنجليزية صغيرة ومتميزة «خرافة هذا الزمن هي الحب والقوة هي الحقيقة» شعر بأنه قرأها من قبل في صحيفة أو كتاب، وأنها كانت أطول من ذلك. لاحظ أيضاً أن صورة بطلة الفيلم على الملصق أظهرت المكر في وجهها الذي اعتاده طفوليا في جميع أفلامها.
كان الكرسي مريحا للغاية، بينما أزعجة الصوت المضخم في الإعلانات التي تسبق العرض، أحس بشيء من الإفراط في الصوت، ولم يستطع أن يجد طابعا واحدا لرواد القاعة الذين بدأوا في شغل أماكنهم بجانبه وأمامه، لا شيء في الملابس أو طريقة المشي. في الدقائق الأولى أطلقت الشاشة جرعة وفيرة من القتل وحوادث اصطدام السيارات وانفجارها ثم ظهرت البطلة، ملامح وجهها باردة ومريبة وصوتها لا ينبئ عما بداخل الشخصية التي تلعبها وإن كان لذلك جماله الأنثوي، تذكر العبارة التي قرأها على الملصق، وحاول أن يكمل بقيتها.
بعد نصف ساعة اكتشف تشابه القصة مع فيلم آخر شهده منذ سنوات قليلة، ثم تذكر فيلما بالأبيض والأسود شاهده في التليفزيون وبه مجموعة من الشخصيات تشبه من يراهم أمامه الآن على الشاشة. بدأ في توجيه بصره إلى زملاء القاعة كلما غابت بطلته. كان صوتها يختلف تماما من مشهد لآخر، تكسوه بحة مثيرة واثقة من نفسها رغم ما تبديه حركات جسمها من سكون وضعف. لاحظ القلق في حركة رأس أحد المشاهدين أمامه، تابع تنقلها من اليمين إلى اليسار ثم العكس، وانتبه إلي وجود شخص ضخم البنيان أمام هذا الرأس القلق يحجب عنها الرؤية تماما. مشاهد الممثلة كانت تخطف بصره عن متابعة حركات الرأس، الرقابة في هذه المدينة أخف كثيرا مما هي عليه في بلدته، ربما لأن مشاهدي السينما هنا ليسوا نمطا واحدا. تذكر تكملة العبارة التي قرأها« والواقع خيانة جماعية». استبدل صاحب الرأس القلق مقعده فنهض هو الآخر ليجلس جواره ويتنفس معه بعض الصعداء.
* كاتب قصة مصري

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved