أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 21st August,2001 العدد:10554الطبعةالاولـي الثلاثاء 2 ,جمادى الآخر 1422

الاقتصادية

شيء من المنطق
المفهوم الجديد للبطالة، ، البطالة الخليجية
د، مفرج بن سعد الحقباني
كانت دول مجلس التعاون الخليجي وحتى منتصف الثمانينات تشتكي من نقص حاد في الأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة مما دفعها إلى اللجوء إلى سياسة الاستقدام كإجراء مؤقت لتأمين احتياجات ومتطلبات التنمية الشاملة، ولما كان الطلب المتزايد على عنصر العمل في دول الخليج يستمد قوته من معطيات الوفرة الاقتصادية التي خلفها الارتفاع الكبير في الأسعار النفطية وبالتالي الإيرادات الحكومية، فقد شهدت فترة السبعينات والثمانينات طلبا متزايدا على عنصر العمل المحلي والأجنبي مما أخفى الآثار السلبية المرتبطة بسياسة الاستقدام المفتوح للأيدي العاملة الأجنبية، إلا أن اكتمال البنية الأساسية وانحسار الطفرة أو الوفرة الاقتصادية منذ منتصف الثمانينات نتيجة لانخفاض الأسعار النفطية أدى إلى انخفاض هائل في مكونات الطلب الكلي (الطلب الاستهلاكي، الطلب الاستثماري، الإنفاق الحكومي، صافي التصدير) وبالتالي انخفاض مماثل في الطلب على عنصر العمل خاصة ونحن نعلم بأن الطلب على العمل طلب مشتق من الطلب على المنتجات الاستهلاكية والإنتاجية، ونتيجة لكون سياسة الاستقدام في الدول الخليجية لم تتم وفقا لبرنامج زمني وكمي محدد، فقد استمر الاعتماد على العمالة الأجنبية كممثل لعنصر العمل في العملية الإنتاجية على حساب عنصر العمل المحلي خاصة في ظل حرص المستثمر الخليجي على اختيار عناصر الإنتاج التي تمكنه من تدنية تكلفة الإنتاج وبالتالي تعظيم معادلة الربح التي يسعى المستثمر الرشيد لتعظيمها، ولقد ترتب على هذا الإجراء تزايد أعداد العمالة المحلية التي تنضم سنويا إلى طوابير العاطلين عن العمل مخلفا بذلك مشكلة اقتصادية واجتماعية في الوقت الذي لا تزال فيه اقتصاديات هذه الدول مصدر رزق للكثير من العمالة الأجنبية، السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو كيف يمكن التوفيق بين حالة البطالة المنتشرة بين أبناء دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وبين استمرار التواجد المكثف للعمالة الأجنبية في هذه الدول من جهة أخرى؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل ربما تكون البداية الفاعلة لمواجهة مشكلة البطالة الموجودة وغير الموجودة في دول الخليج لكونه يمثل المنطلق الرئيس لوصف الحالة ومعرفة مسبباتها، وإذا جاز لي أن أساهم في الإجابة عن هذا التساؤل، فإن من المنطقي البدء بتعريف البطالة كما وردت في النظرية الاقتصادية حيث تعرف بأنها الحالة التي يكون فيها من هو في سن العمل يرغب العمل مقابل الأجر الشائع في السوق والمدفوع لمن هو مثله من حيث القدرة والكفاءة ولكن لا يستطيع الحصول على عمل، ومن خلال هذا التعريف نستطيع أن نقول بأن الأجر الشائع في السوق الخليجية لا يمثل الأجر الذي كان من المفترض أن يتحقق في حالة قصر الطلب والعرض على عنصر العمل المحلي، وبالتالي فإن رفض العامل الخليجي للأجر المدفوع في الوقت الحاضر يتناسب والفطرة الاقتصادية الرشيدة لكونه يتحقق في ظل معطيات أجنبية ليس لها علاقة بالمعطيات الاقتصادية الخليجية، ولكن السؤال المهم هنا هو: لماذا أصبحت السوق الخليجية سوقا دولية تحتكم إلى مستوى أجر دولي ولماذا أصبح العامل الأجنبي خيارا مطروحا شأنه في ذلك شأن العامل الأجنبي؟ أعتقد أن هنالك العديد من الأسباب التي خلقت مثل هذا الواقع ولكن يمكن الإشارة باختصار إلى أبرزها على النحو التالي:
1 سياسة الاستقدام الغير المقننة والتي ساهمت في جعل فرص العمل المتاحة في السوق الخليجية متاحة لعنصر العمل الأجنبي كما هي متاحة لعنصر العمل المحلي فاتحة بذلك بابا من المنافسة الشرسة راح ضحيته في النهاية العامل المحلي،
2 سوء فهم معنى الحرية الاقتصادية الذي تسعى الدول الخليجية إلى تبنيه ضمن سياساتها الاقتصادية مما أدى إلى اعتقاد المستثمر الخليجي بأن من الحرية الاقتصادية حرية الاستقدام وحرية اختيار عنصر العمل بغض النظر عن جنسيته، وفي هذا الخصوص أشير إلى أننا لن نستطيع أن نفهم الحرية الاقتصادية أكثر مما هي في معقلها الولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك لم تعط الحرية للمستثمر الأمريكي للاختيار بين عنصر العمل المحلي وعنصر العمل الأجنبي وفي اعتقادي أن سوء فهمنا للحرية الاقتصادية قادنا في النهاية إلى العشوائية وقادنا في النهاية إلى فرض حالة البطالة عمدا بين صفوف العمالة المحلية،
3 سوء فهمنا لمعنى النمو الاقتصادي الكلي والقطاعي والذي قادنا إلى الاعتقاد بكون الزيادة في عدد المصانع والمنتجات الصناعية يعني تقدما صناعيا والزيادة في المنتجات الزراعية يعني تقدما زراعيا والزيادة في المحلات التجارية يعني نهضة تجارية، ، إننا لم نعد بعد قادرين على فصل التقدم الاقتصادي الحقيقي من ضده الوهمي وبالتالي أصبحنا نقيس الأمور بظاهرها فقط دون النظر إلى الجوهر وهو المهم، نعلم جميعا بأن الصناعة التي تديرها العمالة الأجنبية ويعمل فيها عنصر العمل الأجنبي والآلات والمعدات الأجنبية ليست سوى صناعة أجنبية على الأرض المحلية، ونعلم بأن أي نشاط اقتصادي لا تساهم فيه عناصر الإنتاج المحلية مساهمة فاعلة يظل نشاطا أجنبيا أو على الأقل نشاطا هامشيا عند حساب الناتج المحلي الإجمالي،
فإذا كانت هذه الحقيقة فإن سياسات الاستقدام وتقديرنا الخاطئ لمعنى النمو والحرية الاقتصادية قد ساقنا إلى التدافع نحو معدلات النمو الكمية دون النظر إلى معدلات النمو الحقيقية، كما ساقنا إلى التحول إلى محطة ترانزيت لنقل التقنية المتقدمة للدول والعمالة الأجنبية والى وجود بطالة محلية غير منطقية ليس لها إطار نظري وليس لها مثيل على أرض الواقع،
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved