أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 26th August,2001 العدد:10559الطبعةالاولـي الأحد 7 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

لماذا لا يقتدي القادة العرب بموقف الأمير عبدالله؟!
زياد الصالح
ما يزال اعتذار ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، عن زيارة واشنطن تلبية لدعوة رسمية وجهها إليه الرئيس جورج بوش في يونيو الماضي، يحدث أصداء وردود فعل واسعة في اوساط الإدارة الامريكية التي لابد انها أدركت أبعاد هذه الخطوة وآثارها على مستقبل العلاقات الامريكية العربية، في الوقت الذي باتت السعودية اليوم ركيزة العمل العربي في مواجهة أنصاف الحلول والتسويات القاصرة التي تستهدف قضية الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة في إقامة دولته السيادية وعاصمتها القدس.
صحيح ان واشنطن صارت القوة الأولى والقطب الأوحد، في عالم اليوم، مما اهلها لتكون صاحبة القرار في الكثير من الأحداث التي شهدتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، غير ان الصحيح أيضا، أنها ستخسر صداقة دول وأطراف، بعضها مؤثر وله امتدادات وانعكاسات لا يمكن تجاهلها، إذا استمرت في الإخلال بعلاقاتها الدولية، وعدم التوازن في سياساتها والاستمرار في موقفها المتفرج على ما يحدث في الضفة الغربية وغزة، من تنكيل واغتيالات على يدي شارون وحكومته الوقحة.
وواضح أن اعتذار الأمير عبدالله، عن تلبية دعوة الرئيس الامريكي في زيارة واشنطن، وهو يمثل دولة لها ثقلها المهم ودورها الحيوي، ليس في المنطقة العربية والشرق الاوسط فحسب، بل في العالم أيضا، لم ينطلق إلا من موقف مسؤول، وينطوي على جملة من الدلالات، ينبغي على الرئيس بوش وأركان إدارته، تفهمها والتعاطي معها، من منطلقات ومصالح الأمة الأمريكية التي أكدت تجارب الماضي القريب، والتطورات السياسية الراهنة، أنها بحاجة الى العرب اكثر من حاجتها إلى إسرائيل، والأخيرة تشكل عبئا ثقيلا عليها، يدفع تكاليفه الباهظة الامريكيون على اختلاف مستوياتهم، ضرائب مالية وابتزاز وتحوطات أمنية وعسكرية ومساعدات بالمليارات.
فالأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ليس من نمط القادة الذين يغرهم تمثال الحرية في بواية نيويورك، ولا تستهويه ناطحات السحاب الرمادية الشكل، ولا حدائق القصر الأبيض الواسعة الأطراف، تدرك ذلك امريكا بأكملها، خصوصا قادتها الذين تولوا إداراتها وشاركوا او يشاركون الآن في صنع قراراتها، لأنه رجل عروبي صميمي، لا يعرف المداورة والمناورة، ولا يجيد الدبلوماسية الرتيبة وعبارات المجاملات المملة، فهو كما أثبتت الوقائع والأحداث، يعيش مع قضايا أمته، ولا تغادره الهموم العربية التي تسبب في جانب كبير منها الأمريكان أنفسهم، لذلك فانه من الضروري على دوائر القرار الامريكي، أن تفهم الرسالة التي وجهها إليها الأمير العربي، وتتمعن في مضمونها الواضح تماما.
ورغم اعتراف صحيفة (نيويورك تايمز) الواسعة الانتشار والنفوذ، بالهلع الذي أحدثه اعتذار ولي العهد السعودي، وحالة الارتباك في أروقة البيت الأبيض ووزارة الخارجية جراء موقفه من زيارة واشنطن، وهو ما فسره مسؤولون كبار بأنه جرس انذار للادارة الامريكية لمراجعة مواقفها المتعلقة بالأوضاع في المنطقة العربية على حد قول الصحيفة الامريكية، إلا ان المطلوب من الرئيس بوش ومسؤولي حكومته، التجاوب مع رسالة الأمير عبدالله، والتعامل معها باعتبارها لا تمثل السعودية فقط، وإنما هي صوت العالم العربي بأسره، وصيحة غضب على ما يحدث في الأراضي المحتلة من اعتداءات ومذابح ضحيتها الفلسطينيون المحاصرون بالدبابات والطائرات الامريكية الصنع والمقيدون باتفاقات التزمت واشنطن في مناسبات عدة، بتنفيذ بنودها وتسريع تطبيقها، على الرغم من أنها لا تشكل سوى الحد الأدنى للحقوق العربية العادلة والمشروعة، وتؤكد الصحيفة الامريكية أيضا أن واشنطن ترى في موقف الأمير عبدالله علامة واضحة عن الاستياء العربي إزاء نهج الإدارة الامريكية وتعاملها مع أحداث المنطقة.
واستنادا الى دبلوماسيين، يعملون في العاصمة الامريكية، فان امتناع الأمير عبدالله عن زيارة واشنطن، احدث هزة في المؤسسات الامريكية ابتداء من البيت الأبيض وانتهاء بشركات النفط، وأصبح في حكم المتعارف عليه، أن الإدارة الأمريكية تتدارس حالياً في كيفية العمل والتعاطي مع الرسالة العربية، التي أطلقها صراحة وعلانية دون لف أو دوران، ولي العهد السعودي، معبراً عن إرادة الأمة العربية وقناعة بلاده، بضرورة أن تنتهج الإدارة الأمريكية سياسات متوازنة في المنطقة، وان تتوقف عن تأييد اسرائيل وتمارس مسؤولياتها الدولية في كبح جماح الغطرسة الشارونية التي تهدد الأمن والاستقرار في اكثر من مناطق العالم فائدة لأمريكا نفسها.
ويؤكد هؤلاء ان رسالة الأمير عبدالله وصلت الى واشنطن في توقيت مناسب تماما، بعد ان أسفر رئيس الحكومة الإسرائيلية عن وجهه القبيح وعناده السافر، دون أن تتخذ الإدارة الأمريكية موقفاً حازما يعبر عن التزاماتها، وتعهداتها السابقة والجديدة، لوقف الهجمة الشارونية على الشعب الفلسطيني.
وواضح ان واشنطن، وبعد أن تسلمت رسالة الأمير عبدالله، التي لا يمكن وصفها إلا بأنها احتجاج على مواقف واشنطن إزاء النزاع العربي الإسرائيلي،ودعوة لها بممارسة دورها المطلوب في الضغط على اسرائيل لوقف اعتداءاتها اليومية على الفلسطينين، أمام خيارين، الأول الاستمرار بسياساتها الحالية دون أجراء تغييرات عليها بما يتفق مع مصالحها في المنطقة، وهذا يعني أنها ستفقد الكثير من علاقاتها مع الدول العربية، والخيار الثاني، يستدعي منها ان تقف وقفة موضوعية وتحدد أي الاتجاهات تنفعها الآن ومستقبلاً، وتخرج نفسها من ملابسات علاقاتها مع إسرائيل بما يؤمن استقرار الأوضاع في المنطقة، وإجبار إسرائيل على الإيفاء بالتزاماتها مع الفلسطينيين الذين أجمعت قرارات المجتمع الدولي على ضرورة حصولهم على حقوقهم العادلة في إقامة دولتهم المستقلة، وعندها يمكن بناء جسور وطيدة بين واشنطن والدول العربية تقوم على الثقة والمنافع المتبادلة.
لقد رمى الأمير عبدالله الكرة في ملعب البيت الأبيض الأمريكي، بهدوء وبلا مزايدات سياسية، مثل تلك التي درجت عليها دول وحكومات (لفظية)، وليس أمام الرئيس بوش غير أن يردها بإيجابية وحرص، على مقتضيات مصالح بلاده في المنطقة، وإلا فانه سيكون الخاسر الأكبر.
وعلى القادة والرؤساء العرب ان يقتدوا بموقف الأمير عبدالله الذي أعطى بوقفته هذه درسا وعبرة لكل من له علاقة بالقضايا العربية، أو معني بمسار التسوية والسلام في المنطقة.
* نائب المدير الإقليمي للاتحاد
العالمي للصحافة والإعلام لندن

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved