أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 26th August,2001 العدد:10559الطبعةالاولـي الأحد 7 ,جمادى الآخرة 1422

محليــات

لما هو آت
الغذامي وتحريك الكمون
د. خيرية إبراهيم السقاف
القاعدة الأساس في التعامل مع أفكار الآخرين، هي أن تعرفها، ولكن ليس عليك أن تعتنقها...، ومعرفة أفكار الآخرين ليس أساساً في الوقت نفسه لأن تُوْسَمَ بهم، أو تُخْتَم بأسمائهم....
ذلك لأنَّ معرفة الآخر توصل ما عنده إلى ما عندك، فتتَّحد التجربتان...، إن لم تكونا متشابهتين...، وما يميز التجارب هي خصوصية الخبرة... وإلاَّ فإنَّ معطيات ما حول الإنسان هي مصادر تجاربه، وبالتالي أساس أفكاره... والأفكار لا تهمي، من فراغ، ولا من فضاء...
والمعطيات لاتتميَّز من حول الإنسان إلاَّ بخصوصية كلِّ معطٍ بما تحتويه مكوِّناته ومكنوناته...، وعليه، إذا كانت المعطيات متغيِّرات، وإذا تساوت المتغيِّرات فتوافقت الأفكار..، فلا سارق ولا مسروق عندئذ ...!!
يبدو أنَّ د. عبدالله الغذامي قد «حُسِدَ» على خصوصيته في تحريك ركود الراكن الكامن.. وإلاَّ فما الذي بعث كمون من يلقي بحصاته عليه؟
لو أنَّني في «مكان» هذا الغذامي لنفضت أثر الحصاة عن مرماها، وتركتها تختلط بحصى الطريق..
ذلك لأنَّ ما «تجعجع» لم أجد له طحيناً فعدتُ بجوعي...
وتخيلت أنَّ الحصاة التي قُذف بها من طين مجفف ما لبثت أن تفككت وهي تصطدم في غير مقتل ... ولم تكن جلمودية بحجم عدد الكلمات التي امتطتها ... مع ما أُفرد لها من الصفحات الواسعات وما زُخرف لها من عناوين لافتة كما هي طبيعة الإعلام «العربي» الذي يقتات على الإثارة حتى لو لم تحمل «سَمْناً» أيَّة عبارة ...
ولعلَّ هذا التَّخيل مبنيٌ على مضمون ما ورد...
فما لا يملك ومن لو يملك حجةً تقرع حجةً، ونقلاً يطابق منقولاً، فلا يؤخذ به ... أو منه...
«والسرقة» عادة تقوم على: سارق ومسروق، فإن لم يُرَ السارق عند قيامه بالسرقة فلا أدلَّ عليه مما سرق ...، فما الذي سرقه، كما يفترض في سرقة الكلام أن يطابق الحرف الحرف، والجملة تكون حذو الجملة، والفكرة مضمون الكلام واحدة، فليس كلُّ من استخدم لفظ «الورد»، سرق ما خطَّه قلم سواه من حروف تشكِّل كلمة «الورد»، وليس كلُّ من كتب عن «الليل» سرق فكرة من كان «الليل» محور كلامه، لكنَّ السرقة تقوم بتطابق الفكرة، واللَّفظ، في تركيب جمل لا تختلف تقديماً ولا تأخيراً، إلاًّ ما كان من تلاعب يقصده السارق في حذفٍ أو إضافةٍ تحفظ للمسروق كيانه ... لذلك فالسرقة الحجة لها معاييرها.
وهذا ما لم أجده فيما قرأت يُقصد به إدانة الغذامي ...
فأيقنت أنَّ الغذامي ناهضاً في الشمس، ذلك لأنَّه يُقْسر العقول على التفكير ...، وهذا وحده إنجاز متميز لنسق ثقافي يعتمد العقلنة، ولا يرضى التسطح ...
حتى لو اختلف معه من اختلف ...
حتى لو بدأ من تحت مظلة الفحولة والبطولة في أول كتبه «الخطيئة والتكفير» فغادرها كي يؤكد في آخر إنجازاته أنَّ الانعتاق منها هو نتيجة طبيعية لمن يغذُّ السَّير، ويطوِّر قدراته، ويسنُّ سيفه، ويشحذ فتيله ...
وهناك من غفل عن هذا النسق الطبيعي لسيرورة الثقافة في بنى الفكر البشري وذهب يوسمه بالتَّناقض بما لا يرضاه الفاهمون ...
د. عبدالله الغذامي عُرِفَ فيه قدرته على أن يُعلِّم الراكنين أن يتحركوا
ويحرِّك كمون الصمت فيمن يتقاعس ...
ألا فلا تثريب على من ألقى بحصاته، إذ أفْرج عنه حُلُم الذين يعلمون أنَّ ساحات النقد تحتاج إلى من يزوّد الوقود بثقاب الانبثاق، وقد فعل الغذامي.
ولأنّنا لا نحتاج إلى من يكبُّ في البحر ماءً دون سواه ...
بل نحتاج إلى من يصنع من ماء البحر مائيات ..، فإنَّ الأدلة وحدها ما يفعل في أمر الفصل بين من يكبُّ ومن يصنعُ ...
إنَّ النَّاس كانت تعيش على ذكريات الجرجاني ونقَّاد القرون التي اندثرت، وعقود التجديد والتنوير في مساحات حوض البحر الأبيض...، وتخوم المغاربة ... وتخلو جراب الراحلين في مفازات الفكر العربي الجزيري إلاَّ من آثار ما ترك «العواد» في صراحته، وما زوبعته «جيمٌ» في مدينة جدة، وموقف هنا وآخر هناك دون أن تكون هناك قامة ناهضة تكبُّ زوَّادتها بما تصنع فيعبُّون، حتى جاءت زوَّادة الغذامي فتقاطر العطاشى يرتوون ...
وإنَّا لو اختلفنا معه لاتفقنا معه ... لأنَّا لا نأخذ قولاً معلَّباً دون أن نحلله في معمل الفكر، في زمن من اللائق بمن يريد السلامة أنْ يقف على عناصر غذائه وشرابه ...
كذلك لأنَّا إنْ أبعدنا النظر في طبيعة العلائق الفكرية البشرية داخل كوكبة الأرض على مرِّ عصور تجارب من وقف في صعيد الحياة بعد أن فكَّ الإنسان أمِّيَّته، ولهج حرف القول وحرف الفكر لأدركنا أنَّ الحوافر قسراً تقع على الحوافر، والأفكار تطابق الأفكار منذ أنْ أدرك العرب ذلك فقالته، بمثل ما تؤكده ثقافات الإنسان على مر العصور في كافة اللُّغات مع تباعد المسافات، فكيف نجد غرابة في ذلك إذا ما تلفَّت الإنسان من حوله فأدرك تشابه الروافد، وتوحُّد المصادر في اختزال خطوة الإنسان إلى الإنسان في العالم الذي يعيش داخل إطار مربع تحركه أزرَّة ليزرية؟ ...
ومثل هذا التَّوحد، والتّشابه، لا يقضي على أدبيات التعامل مع أفكار الآخر، أو قوالبه، ولا يبرِّر تجاوز أدنى حدود الأمانة، بل لعلَّ الدقة في التعامل مع أمانة النّقل يتطلَّبها واقع التواصل السريع ...، غير أنّ «السرقة» تُهمة بالغة، لا يُعفى من عقوبتها من ادَّعى، ولا من اُدُّعي عليه في أمرها...، ولا تثبت ما لم تتحقق عناصرها السالفة.
ولأنَّ ما قرأته حرفاً حرفاً من دعوى سرقة قام بها هذا الناهض الغذامي وكأني أقرأ بطريقة «برايل» كي أؤكد باللمس ما تراه العين لم يقدم لي أدلة الاتهام المقنعة...
فذهبتُ ذهبت أسجل وثيقة براءة الغذامي من جهة، مع تأكيد حضوره القوي وتميزه من جهة أخرى، ليس لأنّني أتفق معه فقد اختلف معه في كثير من آرائه، لكن لأنَّه بتفرُّد يظل يحرك الركود، ويثير من حول النَّائمين ريح اليقظة بنسقه الخاص.
ألا فبورك في خطاك يا غذامي ...
وبورك في صبرك ... وقد سبقك الصابرون ... فمازادهم صبرهم سوى جزاءً... وفتح الله لك آفاق التجديد والعطاء في «خصوصية» لا من يدّعي حوافرها ... كي يتَّفق معك من يختلف...
ومن يختلف معك تُقسره على الاتفاق ...

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved