أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 28th August,2001 العدد:10561الطبعةالاولـي الثلاثاء 9 ,جمادى الآخرة 1422

الاقتصادية

الصناعات التقليدية في تونس
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
تونس بلد عريق في تاريخه وحضارته، يقع في قلب العالم، قريباً جداً من أوروبا ويعد بوابة افريقيا من شمالها، كما يعد ملتقى مختلف الحضارات التي عرفتها منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ القديم. وقد تركت كل تلك الحضارات بصماتها في ثقافة التونسيين وسلوكهم ولغتهم وصناعاتهم وحرفهم، وتزخر تونس بمنتجات الصناعات التقليدية التي زادتها السياحة تطوراً وانتعاشاً.. ويؤم تونس ما قد يزيد على خمسة ملايين سائح عربي وأجنبي وخاصة من أوروبا وبصورة أخص من فرنسا وألمانيا وايطاليا وبلجيكا وهولندا.. ويجد كل هؤلاء السياح ما يرضي أذواقهم ويلبي حاجاتهم من منتجات الصناعات التقليدية.
والصناعات التقليدية التونسية تتنوع بتنوع المنطقة وما يتوفر فيها من مواد أولية من جهة وما مر بها من تاريخ وحضارة من جهة أخرى. ومن أشهر الصناعات التقليدية في تونس صناعة الزربية كما يسمونها، وكلمة «الزربية» هي مفردة كلمة قرآنية فصيحة، وتعني «السجاد» وتكثر صناعة الزربية في المناطق التي يتوفر فيها الصوف، وتشتهر بها مدينة القيروان التي كانت عاصة تونس «افريقية» بل المغرب العربي الأولى، عندما أسسها عقبة بن نافع الفهري عام 50 للهجرة وجعلها منطلقاً لفتوحاته الظافرة، إلا أن الزربية تصنع أيضاً في كامل المنطقة المعروفة بمنطقة الساحل، وهي المنطقة الساحلية التي من أهم مدنها: سوسة والمنستير والمهدية، وتصدر الزربية التونسية إلى كل أنحاء العالم، وتتميز بأشكالها البديعة، وألوانها الزاهية، وجودتها الرفيعة.
وفي ولاية نابل «وكلمة ولاية تعني محافظة» الواقعة في الشمال الشرقي على ساحل البحر بين سوسة جنوبا ومنطقة العاصمة شمالاً، تزدهر صناعة الخزف «الفخار» التي يبدو أنها من تأثير الأندلسيين ومما جلبوه معهم من صنائع وحرف إبان هجرتهم الكبيرة الثانية في مطلع القرن السابع عشر الميلادي. وفي مدينة نابل بالذات، تكثر مصانع الخزف الكبيرة منها والصغيرة، وتكثر محلات بيع منتجاتها، وتتزين بها الشوارع والمباني، وتقام لها المهرجانات والندوات، وغير بعيد عن نابل مدينة دار شعبان الفهري التي تشتهر بالنقش على الحجر والزجاج، وينتج حرفيوها المهرة حجارة منقوشة تزين بها واجهاتها المباني التي يحرص التونسيون على جمالها وأصالتها، ويبدو أن هذه الصناعة من تأثير الأندلسيين أو المغاربة القادمين من المغرب الأقصى في بعض الفترات التاريخية، وهو ما قد تؤكده توأمة مدينة دار شعبان الفهري مع بعض مدن المغرب، وتزدهر في تونس صناعة الشاشية التونسية الشهيرة، ويبدو أن أصل كلمة «الشاشية» تركي، وتعني الطاقية المنمقة. كما تزدهر في تونس صناعة البرنوص، وهو ما يشبه «البشت» ولكن أضيف إليه قبع استدعته طبيعة المناخ البارد في بعض أوقات السنة في تونس.
وفي العاصمة تزدهر صناعات تقليدية كثيرة كانت في معظمها صناعات نفعية توفر منتجات للاستهلاك المنزلي قبل أن تكتسح المنتجات المعملية الآلية الأسواق وتنتزع الصدارة من منتجات الصناعات التقليدية، ففي العاصمة أسواق للأدوات النحاسية والجلدية والفضية والصوفية، وأسواق للذهب والمنسوجات بمختلف أنواعها، وللخشب والعطور التقليدية، وكانت توجد أسواق للكتب وأخرى للسراجين وغيرها، إلا أن زوال العديد من الصناعات التقليدية بسبب تغير الظروف والحاجيات الاستهلاكية والأذواق، أدى إلى زوال أسواقها فلم يبق منها إلا الاسم، وهو ما يحدث في كل بلدان العالم.
وللصناعات التقليدية في تونس وزارة تشرف عليها، هي وزارة السياحة والترفيه والصناعات التقليدية، وديوان وطني يتابعها ويسهر على تطويرها ورعايتها هو «الديوان الوطني للصناعات التقليدية» ومؤسسات أخرى علمية ومهنية ترعاها وتسهم في النهوض بها. وتشغل الصناعات التقليدية ما لا يقل عن عشر الأيدي العاملة «العمالة» التونسية، إلا أنها تساهم في الدخل الوطني بنسبة أقل من ذلك، وهي تعد قطاعاً واعداً على مستوى التشغيل والدخل، كما أنها تمثل أحد وجوه الحضارة التونسية العريقة وأحد المظاهر الثقافية المتطورة، وللمرأة المكانة البارزة في الصناعات التقليدية، بل ان هذا القطاع يكاد يكون بالكامل قطاعاً نسائياً، وأغلب المشتغلات بصناعة الزرابي مثلاً، يعملن بمنازلهن، وهو ما يسمح لهن بالتوفيق بين واجباتهن العائلية وعملهن المهني.
ولا تقتصر الصناعات التقليدية على المدن والحواضر، وإنما تنتشر أيضاً في البوادي والأرياف، ففي سجنان، قريباً من مدينة بنزرت شمالاً، تزدهر صناعة الخزف الريفي، وفي الجنوب تزدهر صناعة «المرقوم» أي السجاد البدوي أو الريفي التقليدي المختلف عن «الزربية».. الخ وفي الجملة فإن المتأمل في منتجات الصناعات التقليدية التونسية يجد متعة للنظر، وعبرة للفكر، ويزداد يقينه بأن الشعب التونسي على غرار أشقائه الشعوب العربية شعب ماهر مبدع، حذق مختلف الصنائع، ومارس متنوع الحرف، وتفاعل مع المواد المحلية كلها، فطوعها لصالحه، وأخضعها لمصلحته، وهو ما يؤكد جدارته بأن يقطع أشواطاً كبيرة في حاضره على درب التصنيع والتنمية، فيجمع بين الأصالة والعراقة من جهة، والتفتح والمعاصرة من جهة أخرى.
ص.ب:1120 تونس

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved