أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st September,2001 العدد:10565الطبعةالاولـي السبت 13 ,جمادى الآخرة 1422

الثقافية

رأي في شعر التفعيلة
د. عبدالقدوس أبو صالح *
لقد قبلنا شعر التفعيلة في مجلة الأدب الإسلامي وفي الدواوين والمختارات الشعرية التي نشرتها رابطة الأدب الإسلامي العالمية لأن الإيقاع الموسيقى يعدّ عند كثير من النقاد العنصر الأساسي في الشعر.
على أننا نرفض الفوضى في شعر التفعيلة، والتي تأتي نتيجة للخلط بين التفعيلات العروضية، وإلقائها على عواهنها دون أي نظام أو تنسيق.
وإنما نقبل شعر التفعيلة مع اعتدادنا بالأوزان العروضية التي استظهرها الخليل بن أحمد من تراث الشعر العربي، ونرفض أي دعوة مشبوهة للنيل من الشعر العمودي الذي فيه شواهد اللغة وتفسير القرآن. ويبقى شعر التفعيلة ضرباً من التجديد في موسيقى الشعر وتنويع القوافي، وله سابقة مشهودة في ظاهرة «الموشح» الذي وضعه الأندلسيون، ثم انتقل إلى المشرق، وألّف فيه الشاعر المصري ابن سناء المُلْك كتابه «دار الطراز في عمل الموشحات». ومن المؤسف ان ظاهرة «الموشح» ما لبثت ان ضعفت رغم المحاولات القليلة لدى بعض المعاصرين، وبخاصة شعراء المهجر.
وأرى أن الموشح يمثل ضيق الشاعر العربي في الأندلس بقيود الأوزان التقليدية، والالتزام بالقافية الواحدة استجابة لتأثير البيئة الأندلسية، وانتشار مجالس الغناء والطرب، والاختلاط بسكان البلاد الأصليين الذين كانت لهم أغانيهم وألحانهم المختلفة عمّا لدى العرب.
وأذكر هنا أن مناظرة عفوية حدثت في ندوة المربّي الكبير الشيخ عثمان الصالح حول شعر التفعيلة، وانقسم الحضور بين مؤيّد ومعارض، وقد أدليت بدلوي في هذا الموضوع، واستشهدت بالموشح الذي يقول فيه أبوبكر محمد بن زهر الإشبيلي:
ما للمولَّه.. من سُكره لا يفيقْ.. يا له سكرانْ
من غير خمر.. ما للكئيب المشوقْ.. يندب الأوطانْ
هل تُستعادْ.. أيامنا بالخليجْ.. وليالينا
أو هل يكادْ.. حُسن المكان البهيجْ.. أن يُحيّينا
روضٌ أظلّه.. دوحٌ عليه أنيقْ.. مورقُ الأفنانْ
والماء يجري.. وعائمٌ وغريقْ.. من جَنى الرّيحانْ
وقد طرب الشيخ عثمان الصالح لهذا المقطع من الموشح، لما فيه من موسيقى رشيقة، وعاطفة رقيقة، ومشاركة وجدانية بين الشاعر والطبيعة، حتى إنه رغب إليّ أن أوافيه بالموشح كله.
ولو تأملنا فيما قدّمناه من موشح ابن زهر لرأينا أنه يشبه شعر التفعيلة، إذ نجد فيه تفعيلات متتابعة، مع التنويع في حروف القافية أو الرويّ.
وقد تطوّر فن الموشحات، وكان العروض فيه مزيجاً من بحور الخليل وتفعيلات هذه البحور، أو كان مجرد تفعيلات مفردة لا تنتظم في بحر معيّن. ولكن هذه التفعيلات سواء كانت مجردة، أو ممزوجة ببحور الخليل فإنها لم تكن تلقى اعتباطاً دون نظام أو تنسيق، بل أصبح للموشح نظام محدّد وهيكل معروف، يلتزم به الوشّاحون، وهو ما أدار عليه ابن سناء المُلك مؤلفه «دار الطراز في عمل الموشحات» ومن هنا قدّمنا في مطلع هذه الكلمة أننا نرفض الفوضى في شعر التفعيلة.
ونقول للمتشدّدين في قبول شعر التفعيلة:أليس من تقاليد العروض وجود البحور المجزوءة التي يقبلونها دون تردّد؟.. أوليست تفعيلات مجزوء البحر الكامل:
متفاعلن متفاعلن
فماذا علينا إذا جزأنا هذا البحر المجزوء، وجعلناه في تفعيلة واحدة، أو نوّعنا بين هاتين التفعيلتين بأن تأتيا معاً، أو تأتي كل تفعيلة مفردة وحدها؟!..
وإذا كان الاعتراض بأن هذا لم يرد عن العرب في تراثهم الشعري فنقول: ليس يلزمنا هذا بأن نرفض التجديد العروضي أو الموسيقي في الشعر، لأن بحور الشعر العمودي الذي نعتدّ به، ولا نقبل انتقاصه ليست أمراً تعبديّاً حتى نلزم بها أنفسنا معرضين عن التجديد، وعن التغيّر في الذوق الشعري الذي تناول موسيقى الشعر فوجد شعر التفعيلة بجانب البحور التقليدية، ووجدت الوحدة الموضوعية بجانب وحدة البيت، ووجدت الصورة الفنية بجانب التشكيل البلاغي القديم.
أما الاعتراض على شعر التفعيلة بأنه يؤدي إلى أن يلتبس القرآن بالشعر فقد ردّ الجاحظ منذ القديم على من تخوّف من التباس القرآن بالشعر بقوله (البيان والتبيين 1/154): «واعلم أنك لو اعترضت أحاديث الناس وخطبهم ورسائلهم، لوجدت فيها مثل: مستفعلن فاعلن كثيراً، وليس أحد في الأرض يجعل ذلك المقدار شعراً. ولو أن رجلاً من الباعة صاح : من يشتري باذنجان. لقد تكلم بكلام في وزن: مستفعلن مفعولان، فكيف يكون هذا شعراً وصاحبه لم يقصد إلى الشعر؟ ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام. وإذا جاء المقدار الذي يعلم أنه من نتاج الشعر والمعرفة بالأوزان والقصد إليها كان ذلك شعراً».
ولا بأس أن نذكر هنا أن ظاهرة شعر التفعيلة بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي، أو قبل ذلك. وقد سألنا أحد أساتذتنا عندما كنا في كلية الآداب بالجامعة السورية وهو الدكتور أمجد الطرابلسي عن رأيه في شعر التفعيلة فأجاب: لابد أن ننتظر نحواً من خمسين سنة حتى نحكم على هذه الظاهرة، فإما أن تزول وتضمحلّ، وإما أن تثبت قدميها في الساحة الأدبية.
كما أذكر ان الشاعر الكبير عمر أبو ريشة كان يهزأ بشعر التفعيلة لكثرة ما نظم فيه من شعر ضعيف ونماذج سيئة، ولاسيما أن الذين أقبلوا على تبنّيه في أوّليّته هم أتباع المذاهب المنحرفة من الواقعية الاشتراكية والوجودية والسيريالية. ولكن عمر أبا ريشة وقعت في يده قصيدة رائعة نظمت على شعر التفعيلة لشاعر رسام سوري هو الاستاذ فاتح المدرس، فعلّق أبو ريشة على هذه القصيدة بقوله: «هذه قصيدة لم يحتضنها بحر، ولم يحدّها ساحل».
وأخيراً فإني لا أرى فائدة من الخصومة بين أنصار الشعر العمودي وأنصار شعر التفعيلة، وليبدع الشاعر في هذا المضمار أو ذاك حسبما تتّجه به تجربته الشعرية، ولنترك للمتلقين والنقاد المتخصصين أن يحكموا على عطائه وأصالته بالقبول أو الرفض.
* رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية
ورئيس تحرير مجلة الأدب الإسلامي

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved