أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 6th September,2001 العدد:10570الطبعةالاولـي الخميس 18 ,جمادى الآخرة 1422

محليــات

لما هو آت
لكِ وحدكِ 65
د، خيرية إبراهيم السقاف
اليوم أجيئكِ وأنا أمتطي صهوة جوادٍ لا يكلُّ أبداً من فرِّه، ولا كرِّه في ساحاتكِ، يانوَّارة، باللَّه قولي كيف تتمادين طيلة هذا الزمن، وفي كلِّ هذه المسافات؟!
كنتُ أرسم على حافّة أوراقي صورة النَّورس الذي زارني في فجر شتائي كي يخبرني أنَّ قوافل المحارات قد أقبلت، وانَّ الشاطىء يميد ويتنامى، وأنَّ المحارات تتراكض كي تنضوي تحت جناحيه، ويسألني الإذن له بالرحيل، كي يلتقط من شهب الغمامات رشفات تزيده شعوراً بالانتشاء كي يقوى على مواجهة ريح الرَّذاذ ذلك الذي يلفَّ في دوَّامات العطور فوق شاطىء الزهور، ، ،
وعندما فرغتُ من رسم صورة النَّورس، حدَّثتْني الألوان، والريشات، ، ، ، لكننّي يانوَّارة سمعت صرير قلمي، كان يعاتبني كيف استطعت أن أتركه للحظات واستبدل الريشة بين أصابعي، ، ،
يانوَّارة تذكرتكِ حين كنتُ أسابق أخي مَنْ منَّا يرتشف عصيركِ في الصباح قبل الآخر، وكانت ضحكاتكِ تملأ الأجواء من حولنا، وثمَّة شعور بالغيرة: لمن كانت تتجه نظراتكِ في البدء، وكنتُ دوماً أشعر بنشوة الانتصار، لأنّني ما كنتُ أرضى أبداً بفكرة أنَّ نظراتكِ اتجهت لغيري، ، ، وليس لي، ، ،
كان القلم يمثِّلني في هذه اللَّحظة، ، ، لكنْ الشعور في أعماقي اللَّحظة يختلف عمَّا كان في تلك، وأنتِ تملئين الحياة في حياتنا وداً، وعطراً، وبهاءً، وسروراً،
أتعلمين يانوَّارة أنَّ بعدكِ لم يعد للفرح طعمٌ، ولا للتَّرح لونٌ،
أجيئكِ اليوم يانوَّارة وزُوَّادتي مليئة، مليئة، ، ،
والحديث إليكِ طويل، ،
فدعيني أفتحها، وأنثر عليكِ ممَّا فيها، ألتقط من كلِّ ملف ورقة، وربَّما لايتسع لي الوقت، ولا مسافة الزمن، ولا مساحة المحطة كي أدلي بكلِّ ما لدي، ،
ولا بشيء منه، ذلك لأنَّ الحياة أصبحت من حولي كثيرة الكلام، قليلة الأفعال، وللّه درُّكِ، ، ،
سوف توقفينني كي تصوِّبي ما أقول، سوف تقولين لي: ليست الحياة، لكنَّهم النَّاس فيها، وأجل، ، ،
أتعلمين يانوَّارة أنَّ النَّاسَ الآن لا يعرفون بعضهم، إلا بمعرفة ما عندهم؟
البيوت تحوَّلت إلى علب تضم أصحابها، يتقرطسون على أنفسهم، ليس ثمَّة من يطرق عليهم كي يلقي بتحية كما تحية النَّورس،
والأرض تعجُّ بالفراغ، فيما تصطخب بكلِّ شيء، والغربة غدت موطن النّفوس، ، بدل أن تكون النّفوس موطناً لها، ، ،
أتدرين أنَّ النّاس تقول ما لاتفعل، وأنَّ الصدقَ ذهب إلى جبل منيف، وبعد أن وقف على القمة ينتظر من يدعوه للاستقرار، ألقى بنفسه من علٍ فشهق ونفق؟!
آهٍ يانوَّارة والنّاس تتلمَّع من الخارج، وتصدأ فيما تحت ألبستها، يبكي النَّورس، وزحف المحارات لايزال يتجدَّد، ، ، والشاطىء في دولبة دوَّامة الريح، ، ،
وعلى حافّة كتابي، ، ،
يبكي الشعرُ حِكَمَهُ، ، ، ،
وتندب المعاني أبعادها، ، ، ،
وتنطوي الكلمات في جملها، ، ، ،
أحدّث الكلام في كتابي، فإذا به يبكي، ، ، ، وأنتِ وحدكِ يانوَّارة مَنْ تهدِّئين روعه كي يقوى على الابتسام، ، ،
أتدرين بأن النَّورسَ فوق حافّة الورقة قد لملم جناحيه ورحل إلى أودية السَّراب،
أتدرين أنَّ أديم الأرض لا يستقبل الدموع؟
لم تعد الأرض قادرةً على الجروح، ، ،
وكلّ النتوءات في وجه المليحة وهي تقف تضفر شعرها على ضوء القمر قد بدت وكأنَّها أرصفة الدّروب، أو منعرجات المسافات، وصوت هدير الحزن قادمٌ من متاهات بعيدة، ، ، ، والنَّورس لايزال يوعد بزيارة الأزمنة، لعناوين البحور، ، ،
يا نوَّارة، ، ،
اللَّحظة ، كان هذا الجواد الذي يحملني إلى دوربكِ، ومسافاتكِ، قد عاد، وفي أوبتي معه حملتُ من هناك وهنا، بعض أوراق أشجار كانت تقف لي على الدروب، تمنحني شيئاً منها حتى تكوَّن لدي شيءٌ غير قليل من خضرة النَّماء ،
سوف أغادر صهوة الجواد، ، ،
وعند حوافره سوف أزرع ورقات الأشجار، ، ،
وفي المساء سوف أجلس إليها أكتبها، ، ، ، أملأ حوافَّها حروفاً تضيء من وقدة السعادة بكِ هنا، ، ، معي، ، ، دوماً لا تغادري، ، ،

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved