أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th September,2001 العدد:10577الطبعةالاولـي الخميس 25 ,جمادى الآخرة 1422

نادى السيارات

مأس محفورة فى الذاكرة
* أعزائي القراء، ، انتم على موعد كل يوم خميس «بإذن الله» وحتى نهاية الحملة المرورية القادمة مع قصة واقعية حدثت نتيجة السرعة أو التهور أو السُكر أو التفحيط، ، إلخ، قصة سطّرها التاريخ بريشة الأحزان، ، وبقطرات من الدم، ، وبصدى الآلام،
فمن كانت لديه قصة مؤثرة فالرجاء ان يبعثها إلينا مشكوراً على العنوان البريدي الموضح أدناه، ، لعل البعض ينتفع بها فيكف أذاه، ، نقول: لعل وعسى،
عبدالرحمن، ، مأساة إنسان
في مساء يوم الثلاثاء الموافق 3/6/1414ه استقبل أبو عبدالله ضيوفه في منزله الواقع في حي الروضة بمدينة الرياض،
تجاذب الضيوف أطراف الحديث على نغمات المفحطين! الذين اعتادوا التهور بسياراتهم يومياً أمام منزل أبي عبدالله، وبالتحديد بين شارعي «أبي الدرداء» و«فهد بن مساعد بن جلوي» حيث تقع ملاهي الروضة،
كان الوقت شتاءً، وبالتالي لم تكن أجهزة التكييف تعمل، وكان صرير إطارات المفحطين يصدح بين جنبات الحارة في الوقت الذي اصطف فيه خفافيش الليل من مشجعي التفحيط وهي تزعق: مرحى، ، مرحى لكم أيها المفحطون!
لم يأبه أحد من الضيوف لما يجري في الخارج، فقد كان جلّ همهم كما هو الحال دائماً الخوض في أحاديث ثلاثة: العقار والتقسيط والكرة،
أخيرا، ، فتح أحد الضيوف باب النقاش حول التفحيط، وأنها ظاهرة بدأت تنتشر ، ، (المحرر: عفواً، ، ليست ظاهرة كما يدعي البعض، بل كارثة، كما أنها انتشرت منذ عام 1403ه، أي قبل تلك الليلة المشؤومة ب 11 عاماً)،
نعود لموضوعنا، ،
اتفق الضيوف على أن الوضع مزعج (المحرر: عفواً، ، ليس مزعجاً بل خطير!) وأنه يجب التناصح والإرشاد والوعي والثقافة، ، إلخ من المفردات المبتذلة، ، إلا رجلاً واحداً كان مصراً على أنه يجب انزال أقصى العقوبات بهذه الشرذمة، وأن أقل عقوبة يجب أن تسري في حقهم هي الغرامة بمقدار 000، 10 ريال في المرة الأولى ثم 000، 30 ريال في المرة الثانية ، ، ثم، ، لم يكمل هذا الرجل حديثه، فقد انبرى له بقية الضيوف بالتهكم والسخرية من ذلك، وأن الأمر لا يستحق كل ذلك، وأنه لن يكون بمقدور والد المفحط أن يدفع هذا المبلغ (المحرر:سبحان الله، ، كيف لا يكون بمقدور هذا الأب أن يدفع هذا المبلغ في حين أنه دفع قيمة السيارة لابنه المفحط! بخلاف أنه وفّر لكل واحد من أبنائه الآخرين سيارة مماثلة؟!)،
نعود للقصة، ،
تناول الضيوف عشاءهم ثم خرجوا إلى بيوتهم وهم يضحكون!
بعد أقل من 24 ساعة، وبالتحديد في الساعة السادسة مساءً من يوم الأربعاء الموافق 4/6/1414ه تلقى أبو عبدالله مكالمة هاتفية من شقيق زوجته (نسيبه) يخبره فيها بأن ابنه عبدالرحمن قد تعرض لحادثة بسيطة، وأنه تم نقله إلى مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني لتلقي العلاج،
ذهب أبو عبدالله وابنه الأكبر إلى المستشفى، وكانت الصدمة الكبرى: الابن عبدالرحمن مسجى في غرفة الإنعاش ما بين الحياة والموت، وقد انفلق جزء من رأسه، في حين غطّت الدماء وجهه البريء،
إنهار الأب ولحقه ابنه الأكبر، ،
أخذ الأب يصرخ من وراء الزجاج: عبد، ، عبدال، ، عبدالر، ،
في تمام الساعة العاشرة مساءً خرج كبير الجراحين واستشاري المخ والعظام (وهو من الجنسية الكندية) مشيرا إلى أن الوضع صعب للغاية،
لقد كان عبدالرحمن ضحية لتهور أحد المفحطين، ، كيف؟ هذا ما سنستعرضه معكم بعد قليل،
ضجّ بيت أبي عبدالله بالبكاء والعويل الذي اختلط بأصوات التفحيط في الخارج! فقد علم أبناؤه الآخرون بما حدث لأخيهم، أما الأم فقد كانت تنازع سكرات الموت في المستشفى التخصصي في تلك اللحظة، ، فقد كانت تعاني من مرض عضال في كبدها،
في تمام الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الاثنين الموافق 14/6/1414ه توفيت الأم في المستشفى التخصصي بالرياض، ، توفيت دون أن ترى فلذة كبدها، ،
حضر الناس للعزاء، ، ولتخفيف المصاب الجلل الذي أحاط ببيت أبي عبدالله، وطبيعي أن كان من الحضور أولئك الضيوف الذين كانوا يرون أن تخصيص غرامة مقدارها 000، 10 ريال ضد المفحطين هو أمر مبالغ فيه!
بعد مرور شهر على الحادثة، استفاق عبدالرحمن، ، لقد كان أغلب وجهه مشوهاً كما أن جمجمته كانت منبعجة قليلاً، أما بقية الجسم فقد كان سليما باستثناء بعض الرضوض،
لقد كان الحادث شنيعاً، فقد كان عبدالرحمن يلعب الكرة مع أقرانه في الشارع في مساء ذلك اليوم المشؤوم، حين فاجأهم أحد الشباب مستعرضاً بسيارته في حركة بهلوانية قادماً من زاوية الطريق باتجاه الشارع الفرعي الذي كان الأولاد يلعبون فيه، ولم تكن السيارة تتضمن مكابح سليمة بل مهترئة تماماً (كعادة سيارات المفحطين!)،
كان عبدالرحمن يلعب دور حارس المرمى عندما فاجأه ذلك الشاب المتهور من الخلف، ويبدو أن وقع المفاجأة قد أربك حركة عبدالرحمن فلم يستطع النجاة من السيارة التي صدمته ثم سحبته وهو مسجى على وجهه عدة أمتار حتى توقفت السيارة بارتطامها في الرصيف،
فرّ السائق، ، وترك عبدالرحمن يتخبط في دمه،
نُقل عبدالرحمن إلى المستشفى، وكانت النتيجة المكوث شهراً كاملاً في غيبوبة، ثم لازم العناية المركزة أربعة أشهر في وضع حرج،
كلما أقبل والده وإخوته لإلقاء نظرة عليه لم يجدوا سوى عينيه الغائرتين وملامح وجه مطموسة: لقد انقشعت جلدة الشق الأيمن من الوجه بالكامل، وقليل من الشق الآخر،
مرت الأيام ولم ير عبدالرحمن أمه، ، أخذ يشير إلى أبيه مستفسرا عن أمه! ولكن؟
بعد مضي 6 أشهر قرر الأطباء المعالجون ان الحالة الصحية لعبد الرحمن تسمح له بنقله للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية،
وافقت الدولة على تحمل تكاليف علاجه في مدينة دالاس بولاية تكساس الأمريكية عند أشهر جراحي العالم في ميدان الجراحة البلاستيكية: إنه الدكتور SALYER تكلفة العلاج تبلغ 000، 285 دولار أمريكي!
لقد مضت 8 سنوات على هذه الحادثة، وتوقف علاج عبدالرحمن لأسباب لا مجال لذكرها هنا،
مضت 8 سنوات ومازال عبدالرحمن يعاني من التشوه، وبنصف جسد، ولسان أعجمي (شبه أبكم)،
مضت 8 سنوات وعبدالرحمن يصرخ بكلمات ثقيلة: أعيدوا لي وجهي، ، أعيدوا لي شبابي!
لقد خسر الوطن أحد شبابه، ،
خسر الوطن مئات الآلاف في سبيل علاج عبدالرحمن، ، كما خسر من قبل الملايين في علاج مثل حالة عبدالرحمن، ،
فهل كانت غرامة 000، 10 ريال كثيرة بحق هؤلاء المفحطين؟
هل يُعقل أن تتحمل الدولة ملايين بل عشرات الملايين كعلاج لمثل هذه الاصابات على حساب هؤلاء المفحطين؟
هل يُعقل أن تُشوَّه صورة بلاد الحرمين أمام القاصي والداني على حساب هؤلاء المفحطين؟!
أيها المسؤولون في المرور، ، ماذا تقولون ؟!
محمد السابر
autoclub@suhuf.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved