أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th September,2001 العدد:10577الطبعةالاولـي الخميس 25 ,جمادى الآخرة 1422

تحقيقات

متخصصون يحللون الظاهرة ويشخصون العلاج
فجوة بين الأجيال قد تحدث الغربة وسط أفراد الأسرة الواحدة
د. هدى الخيال: الظاهرة سببها انهيار الركائز الأساسية لتركيبة ومفهوم تكوين الأسرة
د. نورة المبارك: الزوج يتحمل المسؤولية الأولى عن هذه الغربة المفتعلة بحجة كثرة الأعمال
* تحقيق: تهاني الغزالي:
قبل عشرين عاماً كانت الأسرة العربية تعيش واقعاً اجتماعياً مليئاً بالحميمية والألفة، وتتميز بمتانة العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة.
على حين نجد شبح الغربة في الغالب الآن يخيم على أجواء بيوتنا، فكل فرد من أفراد الأسرة صار له نمط حياة مستقل وعلاقات خاصة، وساعات عمل وأوقات راحة بعيداً عن الأسرة، حتى تحولت البيوت إلى منازل داخل المنازل، وأصبح ما يجمعها هو السقف فقط، بينما لا روابط بين أفرادها ولا اهتمامات مشتركة، ولهذا نتساءل عن الأسباب التي دعت إلى ذلك؟ وقد نجد الإجابة في التالي :
فلو تجولنا في بيوتنا الآن لوجدنا هذا المشهد الذي ستصوره يكاد يتكرر في الكثير من البيوت، فحنان تجري إلى غرفتها بمجرد دخولها إلى المنزل بعد عودتها من المدرسة ولا تهتم حتى بالقاء التحية على من هم في البيت، وتفضل الأكل بمفردها في غرفتها لأنها لا تحب الا الوجبات الجاهزة السريعة، على حين تظل أسماء الشقيقة الكبرى لها حبيسة في غرفتها بالساعات أمام الإنترنت، أما الأب فهو في غرفته نائم ولا يكاد يرى أفراد أسرته إلا بالصدفة نظراً لانشغاله الدائم بعمله، بينما سلب الهاتف لب قلب أحمد الابن بصورة جعلته لاهم له في هذا البيت الا أن يجد خط التليفون شاغرا على حين يجمع الدش ومجلات الأزياء في شغل وقت فراغ الام خصوصاً أيام الاجازات من العمل، وجعلها تنصرف عن مسئوليتها الأسرية بعد أن وفر لها الراتب الكبير الذي تقبضه من العمل والخادمة التي حلت محلها حتى في رعاية الصغير خالد الذي لا يشتاق لرؤية احد من اهل بيته الا الخادمة التي تؤنس وحدته وتقضي معه معظم ساعات اليوم.
وهذا الواقع الذي نقلناه يشير إلى أي مدى صار حال الكثير من أسرنا اليوم مشتتاً بعد ان كان الابناء ينشأون ويكبرون ويتزوجون في نفس المنزل الذي تربوا فيه، دونما أي انقطاع للعلاقات بين افراد الأسرة، فالاب كان له دور اساسي، ولا يستطيع ان يتصرف الابناء الا بعد مشورته على حين الاب اليوم صار كالغائب الحاضر.
مسؤولية الزوج الأب
بالسؤال عن الأسباب التي أدت إلى ذلك الشتات جاءت الاجابات كالتالي:
الدكتورة نورة المبارك عميد كلية التربية الاقسام العلمية ترجع سبب ذلك الشتات الى غياب دور الاب فتقول على الرغم من ان الأزواج في القديم كانوا دائمي الترحال والسفر في طلب الرزق الا انهم كانوا حريصين على لمّ شمل الأسرة على العكس من الازواج الحاليين فللاسف 90% تخلوا عن مسئوليتهم بحجة السعي في طلب الرزق، وصار الاقلية منهم هو الذي يعرف الكثير عن بيته واطفاله، ولهذا احمل الزوج المسئولية الاولى والاخيرة في حدوث هذه الغربة، بعد اتكاله على السائق في توصيل ابنائه للمدرسة أو الطبيب عند الحاجة، ولن أنسى كلمات إحدى السيدات التي اخذت تبكي حين تأخر ابنها في المدرسة وبسؤالها عن السبب الذي يدعوها لذلك طالما الأب موجود ويستطيع ان يذهب الى المدرسة ويحضره فأجابت زوجي لا يعلم اسم مدرسة ابنه، لان السائق هي التي ذهبت واحضرته من مكتب الاستقدام بنفسها والزوج نائم في البيت، هو الوحيد الذي كان يعرف كل شيء عن أولادها ومدارسهم، حين يكون فيه وقت الزوج ضائعاً ما بين العمل والاستراحات التي صارت عالمه الذي يقضي فيه وقتاً اطول مما يقضيه في بيته بين اولاده وزوجته.
وللأم دور كبير
على حين تحمل الاستاذة سلطانة التويجري مديرة المكتبة بمعهد الادارة المرأة المسئولية على الام فتقول خروج المرأة للعمل جعلها تشعر بالاستقلالية وتميل الى تركيز جهدها للعمل من اجل ان تستمتع بتلك الاستقلالية التي وفرها لها المراتب، مما حدا بها إلى ألا تسعى إلى التمسك ببيتها وزوجها مثل الاول، باعتبار انها متى تضايقت من زوجها حتى لو كانت اسباب هذا الضيق غير معقولة في بعض الأحيان من الممكن أن تسكن في بيت لوحدها، وكذلك احمل الام وحدها المسئولية وادعوها إلى تذكر تعاليم ديننا الحنيف الذي جعل وظيفتها الاولى والاخيرة في الحياة هي رعاية الزوج والأولاد بصورة تسود معها المودة والالفة بين أفراد الأسرة.
اجتماعات يومية أسبوعية
بينما ترجع الدكتورة وفاء طيبة وكيلة قسم علم النفس بجامعة الملك سعود السبب إلى الفلل الكبيرة ذات الغرف المتعددة التي يمتلك كل فرد فيها غرفة خاصة تصبح بمثابة العالم الخاص الذي يقضي فيه اغلب ساعات يومه منعزلا عن باقي افراد اسرته فتقول الرفاهية لعبت دورا كبيرا في الوقت الحاضر فاتساع الفلل وتعدد غرفها واحتوائها على كل متطلبات الحياة العصرية جعل كل فرد من افراد الاسراة ينعزل في غرفته عن الآخرين، وقد وصل الأمر في بعض الاسر انها لا تتحاور مع ابنائها لا عبر الهاتف الجوال بالرغم انهم موجودون في بيت واحد ولهذا انعدمت الالفة والمودة التي كانت موجودة زمان، وصارت هناك مساحات عاطفية بين الابناء حتى وهم جالسون على طاولة الطعام، فالصمت هو الذي صار سيد التجمع في البيت، لانشغال كل فرد من افراد الأسرة بعالمه ولهذا اناشد اولياء الأمور بعمل جلسات اسبوعية يناقش خلالها افراد الأسرة مشاكلهم ومقترحاتهم حتى تقلل من الفجوة التي حدثت.
العتب على الفضائيات
الاخصائية الاجتماعية نورة القاسم بمستشفى الامل ترى ان الانفتاح الاعلامي وتغير الظروف الاقتصادية السبب فتقول في زمان مضى الأسرة كانت ممتدة ويقيم الأبناء مع الأهل في بيت واحد ولكن نظرا لتغير الظروف الاقتصادية نجد ان الابناء قد ينتقلون من القرية التي يقيمون فيها إلى المدينة من اجل العمل وتأخذهم دوامة الحياة بصورة تجعلهم ينشغلون عن الاهل وعن زيارتهم هذا من جانب ومن جانب آخر نجد أنه قبل دخول الدش كانت الأسرة تتجمع حول التليفزيون وتجلس معا لرؤية برنامج محدد ولكن مع دخول الفضائيات صار هناك اختلاف في الاذواق واخذ كل فرد يؤثر العزلة في غرفته مع برنامجه المفضل على ان ينضم الى اسرته. ولهذا احمل وسائل الاعلام والفضائيات المسئولية في تغيير مفاهيم الأسرة. وتقول الاستاذة سارة الجريد من مكتب التطوير التربوي إن طبيعة الحياة نفسها تفرض على الأسرة ان تعيش بهذه الطريقة وحتى وان لم يكن الوضع السائد يروق لهم، وغالبا ما يكون للعمل أو الدراسة الدور الاكبر في انعزال أفراد الأسرة من بعضهم البعض.
على حين تقول الاخصائية الاجتماعية سارة القحطاني انه على الرغم من أن ديننا الاسلامي الحنيف يحثنا على مبادئ الترابط الاسرى إلا هذا الأمر تفشى في مجتمعنا بشكل مخيف. وذلك بسبب تخلي الوالدين الآن وبخاصة الآباء عن مهمتهم واعتقادهم ان مهمتهم الرسمية هي المصروف والكسوة والاكل وتوفير اسباب الراحة.
انهيار ركائز الأسرة
وتفسر الدكتورة هدى الخيال استاذة التخطيط الاجتماعي هذه الظاهرة بأنها عائدة الى انهيار الركائز الاساسية للاسرة فتقول «اما الاصل في الاسر العربية بالذات فإنها تركزت على 3 ركائز بالهيكل الاداري، والرابط العاطفي، والعلاقات الانسانية، وهي الأمور التي تحقق شعور العضو في هذه الأسرة بالامن والانس والانتماء وفي حال انفصال أي ركيزة من هذه الثلاث يحدث ذلك خلل في تركيبة الأسرة الأمر الذي يكون له نتائجه الوخيمة.
هذا بالاضافة الى ان المتغيرات الاجتماعية الحديثة والانشغال الأسري لدى الجميع احدث نوعاً من العلاقات الهشة حيث يهتم كل عضو من اعضاء الأسرة بحاجاته الشخصية باحثا عن اشباعها دون التفات للآخر. فهو في عالم وهم لهم عالمهم المختلف.
اما الدكتور وائل مصطفى اخصائي الطب النفسي فيرى ان اسباب تلك الفجوة راجع لعوامل نفسية واجتماعية ومادية، ومنها فجوة الاجيال حيث تظهر بقوتها في المجتمعات ذات الطفرة، فتتباين اهتمامات الاباء مما ينعكس سلبا على الجوانب النفسية للأبناء، وبخاصة عند البنات التي تجد حاجزاً كبيراً بينها وبين الاب، مما يجعلها تنقل ذلك الموروث لابنائها باعتباره جزءاً من القيم الاجتماعية المتعارف عليها في المجتمع .
ولذلك من الضروري ان يحرص الاباء على تقليص المسافات العاطفية بينهم وبين ابنائهم حتى يتمكنوا من اكتشاف قدرات ابنائهم ومواهبهم بصورة تساعدهم على زيادة الالفة وتوحيد الاهتمامات لتقل الغربة في البيوت ويعم الأمن النفسي على افرادها.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved