كثيرون هؤلاء الذين رثوا صاحب السمو الملكي الأميرفهد بن سلمان أنزل الله عليه شآبيب الرحمة وسحائب الغفران، وقد اتفق كل من رثاه على دماثة الأخلاق والأدب الجم، الذي تحلى به ذلك الأمير الفقيد، وهو من عرفته سبل الخير وأعمال البر ومناهج الإحسان، حين كان بلسماً يخفف جراحات المرضى، ويمسح دموع الثكالى من الأرامل والأيتام، ولقد شهدت الجموع بل الحشود حول قصر والده في المعذر يوم العزاء الكبيركم هذا الحب الذي عبّر عنه مئات الآلاف من المعزين.
وإذا كان صاحب هذا القلم لم يشرف برؤية الأمير الراحل غفر الله له، فقد شرف بمعرفته يوم عرف بعض أولاده النجباء طلابا في المدرسة التي يعمل بها معلما ومرشدا طلابيا، وهما سلطان وأحمد ابنا فهد بن سلمان في مدرستهما المتوسطة والثانوية، حينئذ رأيت فيهما نبل التربية التي غرسها الأب الكريم، كيف ورثا عنه حسن الخلق وجميل السجايا، ومما أذكره لهما يوما تأخرا فيه عن دخول الحصة، كان في وسعهما أن يدخلا الفصل مباشرة، إلا أنهما وبما عرف عنهما من أدب جم مع الحرص على التقيد بنظام اليوم المدرسي، عرّجا على مكتبي يستأذنان في الدخول، ويطلبان إعطاءهما ورقة لمعلم الصف ليسمح لهما بالدخول، أما عندما وقعت حادثة راح ضحيتها زميلان لهما، فانبريا ليقودا عملية نبيلة لجمع التبرعات وانضم إليهما بعض إخوانهما من الطلبة من الأسرة المالكة الكريمة بنفس المدرسة. لمن كانت هذه التبرعات؟ لقد جمعا مبلغا كبيرا من المال، وكانا أكثر طلبة المدرسة مساهمة فيه، ثم تقدما بالمبلغ لإحدى المؤسسات الإسلامية الخيرية، ليُشيد مسجد على أرض إفريقيا يحمل اسم زميليهما الراحلين، ليكون نعم الصدقة الجارية لهما، وهو مايقطع بحسن زمالتهما لإخوانهما في المدرسة..إنها بعض من صنائع المعروف في براعم بيت من بيوت الأسرة السعودية المباركة، ومن كان لأبيه مشابها فماظلم، وكأن الشاعر يعني هؤلاء القوم يوم قال: