أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 14th September,2001 العدد:10578الطبعةالاولـي الجمعة 26 ,جمادى الآخرة 1422

شرفات

حديث الديار
محطة الحجاز تحفة إسلامية فريدة تروي حكاية قديمة
في قلب دمشق الفيحاء وعند نهاية شارع النصر «جمال باشا» من جهة الغرب، يقف بناء أثري جميل شامخ كالقلعة يتحدى بعنفوان الظروف السياسية والعسكرية التي مرت على هذا البلد والجميع يعرفه باسم محطة الحجاز.
يعتبرهذا البناء أجمل التحف الاسلامية الفريدة في طرازها المعماري، انجز مخططاتها الكاملة المهندس المعماري «فيرناندو ديراند» واضعا نصب عينيه جماليات العمارة الاسلامية، لقد كانت أضخم محطة للمسافرين بين محطات الخط الحجازي كما بنيت محطة صغيرة بالمواصفات نفسها في المدينة المنورة.
في عام 1880م اقترح وزير الأشغال بالآستانة مد هذا الخط ولصعوبات مالية لم ينفذ هذا الاقتراح الى ان استطاع عزت باشا «باعتباره الأمين الثاني للسلطان» اقناع السلطان عبدالحميد بأهمية تحقيق هذا المشروع الحيوي مؤكدا انه سيساهم في تخفيض نفقات ادارة الحج التي كانت تكلف الخزينة نحو 200 ألف فبدأ السلطان عبدالحميد بتنفيذه، ليولد الخط الحديدي الحجازي مشفوعا بأبعاد دينية وسياسية وعسكرية.
1 البعد الديني: للتخفيف من أعباء سفر الحجيج الى الديار المقدسة حيث كانت الرحلة تستغرق نحو خمسين يوما في الذهاب ومثلها في الاياب، ناهيك عما يعترض القوافل من اخطار قطاع الطرق من سلب ونهب وقتل ومن التعرض لأحوال الطقس من فيضانات وسيول شتاء، وشمس حارقة صيفا.
2 البعد السياسي: تنفيذا لما طرحه مفكرون اسلاميون أمثال الشيخ جمال الدين الافغاني باقامة حكومة اسلامية قوية تنطوي تحت رايتها جميع الشعوب الاسلامية كان لابد من تمديد خط حديدي يربط دمشق بالبحر الأحمر وحتى اليمن وخصوصا بعد فتح قناة السويس عام 1864م وسيطرة بريطانيا على مصر.
3 البعد العسكري: ان وجود الخط الحديدي يمكن الجيوش العثمانية من الوصول الى الولايات البعيدة بأسرع وقت ممكن.
لذلك تبرع السلطان عبدالحميد في مطلع نيسان عام 1900 بمبلغ 320 ألف ليرة ذهبية، كما تبرع شاه ايران بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، وتبرع خديوي مصر بكميات من الأخشاب ومواد البناء، ولمساندة المشروع تشكلت جمعيات خيرية وصلت الى مسلمي الهند، وللتشجيع على التبرع أمر السلطان عبدالحميد بمنح أوسمة وشارات وألقاب لمن يتبرع لهذا المشروع، كما أصدر فرمانات بتخصيص ضرائب لصالح هذا المشروع واحداث طوابع تذكارية والاستفادة من واردات ينابيع الحمة المعدنية ومرفأ حيفا وحتى جلود الأضاحي.
فخلال أشهر معدودة وبهذه الطريقة جمع مبلغ «ثمانية ملايين ونصف ليرة ذهبية» وهو رقم فاق الرقم المخطط الذي هو «خمسة ملايين ليرة ذهبية» مما شجع القائمين على المشروع بتمديد الخط وايصاله الى مرفأ عدن في اليمن، لكن خلع السلطان عبدالحميد عام 1909م وتبدل الأوضاع السياسية أوقف تنفيذ الخط عند حدود المدينة المنورة حيث وصل أول قطار قادم من دمشق الى المدينة المنورة في 22 آب عام 1909م واستغرقت الرحلة زهاء 55 ساعة وكان الافتتاح الرسمي في 11 أيلول من العام نفسه المصادف لعيد جلوس السلطان عبدالحميد الثاني بحضور ثلاثين ألف مدعو كان بينهم عدد من الأجانب.
تم استخدام الخط الحديدي الحجازي في الحرب العالمية الأولى «1914 1918م» في تحركات الجيوش ونقل العتاد العسكري وكان عدد القاطرات 50 قاطرة و180 عربة للركاب، باعتبار ان كل قطار يجر بين «13 15» عربة اضافية وأربعة خزانات للمياه لامداد المحطات ونقاط الحراسة الممتدة من دمشق الى درعا حيفا عكا عمان المدينة المنورة وخلال الثورة العربية الكبرى عام 1916م التي قادها الشريف حسين وبمساعدة ضابط انكليزي «لورنس العرب» تم نسف الخط الحديدي بهدف منع ايصال الامدادات والتعزيزات العسكرية الى القوات المرابطة بالأراضي الحجازية وعند تسلم الحكومة العربية بزعامة الملك فيصل قامت باصلاح العطل وكانت رحلة الأمير علي بن الحسين الى دمشق لزيارة شقيقه الملك فيصل في عام 1919م.
وفي عام 1920م دخل الفرنسيون دمشق بعد معركة ميسلون البطولية عام 1924م فخضعت المنطقة العربية للتقسيمات الاستعمارية «سان ريمو سايكس بيكو» فتبعها تقسيم الخط الحديدي، وطالبت الجماهير العربية بعدم التقسيم باعتباره وقفاً اسلامياً لا يجوز تقسيمه، إلا أن هذه الاحتجاجات والمطالبات ظلت حبراً على الورق منذ معاهدة لوزان عام 1923 وحتى استقلال سورية من الاستعمار الفرنسي عام 1947م.
وأثناء الهجرات اليهودية المتكررة والمتلاحقة الى فلسطين وتشكيل عصابات عسكرية مسلحة ومن بين الأعمال الاجرامية والتخريبية نسف الجسر الحديدي بين «الحمة وسمخ» في عام 1946، وتكررت الاعتداءات على جسر اليرموك وبعدها على الجزء الذي يصل درعا بالحمة ليتوقف الخط نهائيا بعد حرب عام 1967م وبعد جهود مضنية تم تسيير الخط الواصل بين دمشق وعمان فقط.
واليوم يجد الزائر
في مبنى محطة الحجاز الأثرية عربتان كانتا مخصصتين للسلطان عبدالحميد الذي لم يتمكن من السفر فيهما بسبب خلعه، في حين تعرض جمال باشا السفاح فيهما لمحاولة اغتيال، واليوم نجد مطعما ومقهى تراثيا سياحيا تم استثماره بداية عام 1996م وتتألف العربتان من ثلاث مقطورات:
1 مقطورة صالون وحمام ومطبخ.
2 غرفة اجتماعات ونوم وحمام.
3 غرفة نوم ومطبخ.
والزائر لهذا المكان السياحي يجد هذه العربات مزينة بالداخل بعدة صور قديمة لدمشق تعود لبداية القرن الماضي ولا تزال بعض القطارات البخارية تصل دمشق ببعض المناطق السياحية، والقطارات الحديثة «الديزل» تصل دمشق والمحافظات السورية مع بعضها، وتعد رحلة يوم الجمعة الى مصايف دمشق من عين الفيجة والزبداني وسرغايا من أجمل وامتع الرحلات، حيث ينطلق القطار القديم بصفارته الأثرية والتي يعرفها الدمشقيون وخاصة الأطفال الصغار، ليعاند الزمن ويروي حكاية قديمة.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved