أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 18th September,2001 العدد:10582الطبعةالاولـي الثلاثاء 1 ,رجب 1422

مقـالات

شدو
دون تاريخ .. دون أمانة علمية ..! (1)
د. فارس محمد الغزي
من المعقول أن تعثر على كتاب مؤلفه مجهول لأسباب تتعلق بالتقادم، كما تجد ذلك، على سبيل المثال، في بعض كتب التراث..، ومن المعقول أيضاً أن تجد كتاباً أشعث (غلافيا!)، رث المظهر، لا يسر الناظرين مظهره، غير أن مخبره يأسر ألباب المتمعنين. أما نقيض المعقول .. نقيض هذا وذاك فيتمثل في عثورك على كتاب جديد، مصقول الورق، يشع مظهره حداثة، فتبحث عن (تاريخ نشر) هذا الكتاب، وتقلبه رأساً على عقب، وحينها تعتورك الحيرة، ويطالك بعد العجب الشكُّ في بصرك، غير أن اليقين سرعان ما يداهمك زافَّا إليك نبأ موت الشك لديك، وحينئذ لا يعدبحوزتك من حيلة سوى التفكر في المفارقات والتعجب من الفروق، ولا سيما في اللحظة التي يباغت ناظريك عنوان شركة التوزيع زاهياً يزهو في مكان زاه، في حين لا أثر (لتاريخ النشر) البتة!
حسناً، رب قائل وما الضير في ذلك، لأقول في ذلك الضير والضرر، فمن المؤكد أن الإنسانية عبر التاريخ قد عانت ما عانت، ودفعت من الأثمان ما دفعت في سبيل التوصل إلى ما ننعم به الآن من مقاييس وقياسات ومعايير ونظم وأنظمة ليس في قطاع (التأليف) فحسب، بل في كل شيء، (من الإبرة) إلى ناطحات السحاب. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فلا تفتأ أن تجد قلة من المؤلفين ممن يسمح للطمع المادي في أن يحتل كيانه، فيطرد من كيانه (أمانة) العلم، وأخلاق العلماء، وذلك حين يُقْدم عامداً على اغفال (تاريخ النشر)، طمعاً في إبقاء الكتاب في ساحة التداول (المادي) لأطول مدة زمنية ممكنة. وغني عن القول إن مثل هذا الفرد يجهل تبعات مثل هذه السلوكيات الملتوية..، ويجهل إن للعلم طبيعة تراكمية، والمتراكم دأبه التقادم، وفي مثل هذه الحالة يصبح المُنجَز الإنسان عرضة لاختلاط نابل ما تم تفنيده بحابل ما ثبت تأكيده زمنيا مما يؤكد اهمية (تاريخ الكتاب) كمعيار لفرز وتمييز قدم المعلومة من حداثتها، لمعرفة صحتها من خطئها..، لتحديد أبعاد تناسبها مع ظروف الزمان المكان والانسان..، في الاقتصاد .. في السياسة.. في الصحة .. في كل شيء، الأمر الذي معه تتجلى سلبية تبعات حرمان القارىء، وطالب العلم، والباحث عن الحقيقة من قراءة واستقراء (السياقات التاريخية) للمعلومة المقدمة في كتاب تم إغفال تاريخ نشره.
فهلا تتخيل وضع البشرية في هذا العصر فيما لو لم يتم التأسيس التاريخي (لمعيار) اثبات تاريخ النشر؟! حسناً فليتك إذن تتخيل أنك (رحالة) يجوب أصقاع الأرض (بطوطيا!)، فيصدف أن تضل الطريق في منطقة جغرافية نائية، غريبة، وما ان يداهمك اليأس حتى يأتيك الفرج، بعثورك على كتاب جغرافي تتناثر في ثناياه خرائط جغرافية للعالم، فتتنفس الصعداء، وتسير على هدْي خرائط هذا الكتاب (فراسخ وفراسخ!)، وفجأة يستيقظ فيك شعور يحثك على التأكد من تاريخ النشر فلا تجده، بل تكتشف أن الخارطة التي بين يديك ليست إلا خارطة سلفك (ابن بطوطة!) .. ومتى تكتشف ذلك..؟! ... بعد أن توغلت في أدغال غابة استوائية، موحشة، منعزلة، مطيرة في ليلة ماطرة، أنيسك فيها فئام من (أكلة لحوم البشر)، حيث أحاطوا بك وهم يتضورون جوعاً، وهكذا للمرة (الأخيرة!) تكتشف ان اعتمادك على آفة (دون تاريخ) قد اضاف إلى توهانك توهاناً..، فما لم يُكتب كتب نهايتك حين قادك إلى غابة (أكلة لحوم البشر!) هذه..، وعلى منوال (الجد/الهزلي) هذا، فعليك بالقياس خيالا قد يتحقق في مواقف ليست بالضرورة شبيهة بالموقف الدراماتيكي! المذكور .. بل في جوانب معاشة بشكل أكثر وضوحاً والتصاقاً وتكرراً .. مثل شؤون التطبيب، أو الطيران، أو الغذاء، وخلافها..،
بالمناسبة فمن المتعارف عليه في طرائق التوثيق العلمي للمراجع أن يتم الاكتفاء في حالة غياب تاريخ النشر بحرفي (د. ت) اشارة إلى عبارة «دون تاريخ»، غبر أنه لو كان لي من الأمر شيء لحورت هذين الحرفين ليعنيا الحقيقة.. والحقيقة: (دجل وتخريف..!)..
.. نواصل إن شاء الله مناقشة الموضوع في شدو (الأحد لا الخميس)، حيث نستعرض المزيد من الآفات (التأليفية) ...

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved