أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 18th September,2001 العدد:10582الطبعةالاولـي الثلاثاء 1 ,رجب 1422

عزيزتـي الجزيرة

«كَفو».. والله
ابتسامة الشهيد هُزءٌ بهذى الدُّني
عزيزتي الجزيرة.. تحية طيبة وبعد..
فقد قالوا ان العالم احتار أمام تلك البسمة التي ارتسمت على شفتي الشيخ الشهيد «ان شاء الله»، وأنّى جاءت هذه البسمة على محياه الكريم، وقالوا قال بعضهم ان هؤلاء الذين يقومون بعمليات استشهادية هم محبطون يائسون لا آمال لديهم ولا أموال، ونسي هؤلاء المدعون ان هؤلاء باعوا أنفساً تموت غداً بأنفس لا تموت أبداً. قال الله تعالى:(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد).
إنهم شباب في مقتبل أعمارهم قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله ونحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. أستعرض مع القراء الكرام قصيدتين تبينان من أين أتت بسمة الشهيد مع ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه».
قال ابراهيم طوقان رحمه الله من قصيدة بعنوان «الشهيد»:


عبس الخطب فابتسم
وطغى الهَولُ فاقتحم

هذه بسمة الشهيد عندما كشَّرت الخطوب عن أنيابها، واقتحامه بدل الفرار عند طغيان الأهوال.


رابط الجأش والنهى
ثابت القلب والقدم

متمالك لأعصابه واثق الخطى شجاع.


لم يبال الأذى ولم
يثنه طارىء الألم

طبعاً هو لا يبالي بالأذى الذي سيلحقه ولا يخطر بباله طارىء الآلام.. لا أعرف ما هي الآلام التي يحس بها من يتطاير جسمه أشلاء. أظن انه لا وقت لديه للاحساس بالألم.


نفسه طوع همّة
وجمت دونها الهمم

إنها الهمة العالية التي خرست أمامها الهمم الدنيئة.


وهي من عنصر الفداء
ومن جوهر الكرم
ونِعمَ العنصر والجوهر
ومن الحق جذوةٌ
لفحُها حرَّر الأمم

جذوة من نار تحرق الطغاة ونور يحرر المستعبدين.


سار في منهج العلا
يطلب الخلد منزلا

وهل أكرم من هذا المنزل؟


لا يبالي مكبلا
ناله أم مجندلا
فهو رهنٌ بما عزم
ربما غاله الردى
وهو في السجن مرتهن
أي أسير قبل الشهادة
ربما أُدرج التراب
سليباً من الكفن

ويذكرني هذا القول بحمزة سيد الشهداء الذي غُطِّيَ رأسه بالكفن وغطيت رجلاه بأوراق الشجر.


لا تسل أين جسمهُ
واسمه في فم الزمن

وأرجو ألا يُكتفى بذكر أسماء الشهداء وتذكرهم بل أن يوجد من يخلفهم في أهلهم ويعتني بأسرهم والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.


إنه كوكب الهدى
لاح في غيهب المحن
نعم إنه ينير الطريق لمن بعده
أيُّ وجه تهلَّلا
يرد الموت مقبلا
وهذا تهلل وابتسام آخر.

وعن الفدائي قال ابراهيم طوقان أيضاً:


لا تسل عن سلامته
روحه فوق راحته

وأظنها على وسطه في الحزام.


بدلته همومه
كفناً من وسادته

فهو لا ينام منشغلاً بهموم وطنه لا همومه الخاصة واضعاً كفنه تحت رأسه استعداداً للموت.


يرقب الساعة التي
بعدها هول ساعته

وهي كما يقولون ساعة الصفر.


بين جنبيه خافقٌ
يتلظى بغايته

فقلبه يحن الى الشهادة التي هي غاية المؤمن ودائما يدعو الله أن يُنيله إياها.


هو بالباب واقفُ
والردى منه خائفُ

لشدة شجاعته وعدم هيبته للموت. قال أبوبكر الصديق لخالد بن الوليد رضي الله عنهما: «اطلب الموت توهب لك الحياة».


فاهدئي يا عواصفُ
خجلاً من جراءته

فهو أسرع وأقوى وأجرأ من العواصف.


صامتٌ لو تكلما
لفظ النار والدَّما

وإلا ماذا سيلفظ؟ الكلام؟!


قل لمن عاب صمتهُ:
خُلق الحزم أبكما
والثرثرة لا طائل وراءها.
وأخو الحزم لم تزل
يده تسبق الفما
لكن بالحق.
لا تلوموه قد رأى
منهج الحق مظلما

فلا هيئة الأمم ولا مجلس الأمن أحقا حق بلاده


وبلاداً أحبَّها
ركنها قد تهدّما

وكيف لو رآها الآن وقد تهدم أكثر أركانها؟!


وجيوشاً ببغيهم
ضجَّتِ الأرض والسما

من ظلمهم وجبروتهم وكثرتهم. أهلكهم الله.


يا فلسطين شدَّ ما
كابد الجرحَ! إنما
شدّما: ما أشدّما.
هو بالباب واقفُ
والردى منه خائفُ
فاهدئي يا عواصفُ
خجلاً من جراءته

أما القصيدةالثانية عن الشهيد والبسمة التي على محياه فقد قال الشاعر الشهيد إن شاء الله عبدالرحيم محمود الذي استشهد عام 1948م في معركة الشجرة شمال فلسطين بعنوان:«الشهيد»


سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى

ولعل روحه أهون عنده في سبيل الله من وضعها على راحته.


فإما حياةٌ تسر الصديقَ
وإما مماتٌ يغيظ العدى

وهذا حق.
ونفس الشريف لها غايتان:
ورود المنايا ونيلُ المنى
والمؤمن يطلب إحدى الحسنين النصر أو الشهادة أو كليهما معاً.
وما العيش؟ لا عشت إن لم أكن
مخوفَ الجناب حرام الحمى
قال أبوالطيب:


ذل من يغبط الذليل بعيش
رب عيش أعز منه الحمامُ
إذا قلتُ أصغى لي العالمونَ
ودوّى مقالي بين الورى
لعمرك إني أرى مصرعي
ولكن أغذُّ إليه الخطى

بدل أن يهرب.


أرى مقتلى دون حقي السليبِ
ودون بلادي هو المبتغى

من قُتل دون ماله فهو شهيد فما بالك بما هو أغلى من المال.


يلذُّ لأذني سماع الصليلِ
ويبهج نفسي مسيل الدما

والصليل صليل السيوف. وأنا يلذ لأذني سماع الرصاص لا الصواريخ ولا المدافع التي تصم الآذان. أما مسيل الدماء؟!
والشاعر يقصد دماء الاعداء.

وينتقل الى وصف الشهيد ولعل الشاعر رحمه الله استقى معانيها من أبيات أبي حمزة الشاري في خطبته بمكة المكرمة. من أراد مراجعتها فليرجع الى العقد الفريد لابن عبدربه.


وجسم تجدّل في الصَّحصحانِ
تناوشُه جارحات الفلا
وهو جسم الشهيد ملقىً في الصحراء.
فمنه نصيب لأسد السماء
ومنه نصيب لأسد الشرى

وأسد السماء كالعقبان والنسور وأسد الشَّرى (البر) كالسباع والوحوش المفترسة.


كسا دمه الأرض بالأُرجوانِ
وأثقل بالعطرريح الصبا

ودم الشهيد أحمر أرجواني: اللون لون الدم والريح ريح المسك.


وعُفِّر منه بهيُّ الجبيِن
ولكن عفاراً يزيد البها

ولا يجتمع على مؤمن غباران: غبار الحرب في سبيل الله وغبار جهنم.


وبان على شفتيه «ابتسامٌ»
معانيه هُزءٌ بهذى الدنى
وهذا سبب كتابة التعقيب.
ونام ليحلم حلم الخلودِ
ويهنأ فيه بأحلى الرؤى

إن شاء الله. قال الله تعالى:(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع أجر المؤمنين).


لعمرك هذا ممات الرجالِ
ومن رام موتاً شريفاً فذا

قال الله تعالى:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).


فكيف اصطباري لكيد الحقود
وكيف احتمالي لنيل الأذى

كَفُو.. والله


أخوفاً؟! وعندي تهون الحياة
وذُلاًّ؟! واني لربُّ الإبا

معاذ الله.. أنت رب الإباء أي صاحبه إباء الذل والهوان.


بقلبي سأرمي وجوه العداة
وقلبي حديد وناري لظى

نَعَم ونِعمَ


وأحمي حياضي بحد الحسامِ
فيعلم قومي بأني الفتى

والأفضل علم الله أنك إن شاء الله من الشهداء ولا بأس بعلم قومك ليقتدي بك الشباب المسلم.
وختاماً أقدم كلمة عن العمليات الاستشهادية: فقد تحصن المرتدون في الحديقة في اليمامة (حديقة مسيلمة الكذاب) فوضع المسلمون الصحابي الجليل البراء بن مالك (وهو أخو أنس بن مالك رضي الله عنهما) على ترس ( وكان البراء ضئيل الجسم) وألقوه من فوق السور فسقط على كلاليب الحديد المحماة لكنه استطاع فتح باب الحديقة (حديقة الموت) ودخل المسلمون وكان النصر لهم .
وفي معركة اليرموك كان المجاهدون يحفرون لأنفسهم في الرمال ويدفنون أنصاف أجسامهم حتى لا يفكروا في الهرب. وكانوا يقولون: من يبايع على الموت؟
شاكراً للجزيرة الرائدة وعزيزتي الجزيرة المجاهدة والقراء الكرام والسلام ختام.
نزار رفيق بشير- الرياض

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved