أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 19th September,2001 العدد:10583الطبعةالاولـي الاربعاء 2 ,رجب 1422

مقـالات

مع التربويين
القيادة التربوية
عبد الحليم العبد اللطيف
عجائب التربية النبوية ومعجزاتها عظيمة وكبيرة ينشأ فيها الطالب بين إيمان وحنان واطمئنان، ويتقلب بين روح وريحان، ينهل منها دوما الصغار والكبار ومختلف الأعمار، يتشبع بروح التربية الصحيحة يتذوق جمالها وجلالها يتخرج المسلم من مدرسة محمد صلى اللّه عليه وسلم وقد حمل معه الزاد الذي ينفعه والشحنة القوية التي تدفعه والنور الساطع الذي يهديه، والسلاح الذي لا يغلب، يدافع عن نفسه وأمته ودينه وبلاده، كما يضطلع برسالته التي خلق من أجلها فيحملها لعالم أجمع، يجمع بين أصول الاعتقاد وتكاليف النفس والمال وتكون كلها كلا كافيا شافيا لا يتحيز ولا يهتز ولايتبعثر ولايتشتت كتربية الأفراد والأوغاد «أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» ولهذا التوجيه الصادق وهذا الشعور الواثق من قبل التربوي المسلم قيمة عظيمة فيما يأتي وما يذر فيما يخطط ويبرمج إنه شعور المسلم الوارث لأعظم إرث وأنفسه إنه إرث الرسل والرسالات والتحصن بهذا الإرث العظيم يقي المسلم الهزيمة الداخلية والتبعية المذلة التي عاشها ويعيشها بعض التربويين في بعض ديار الإسلام والذين ما زالوا يلهثون خلف النظريات والفروض التي لا تثبت ولا تستقر وكل يوم يجد فيها جديد لأنها مقيدة بوسط الإنسان وعقله وتفكيره وأدواته وكلها ليس من طبعها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.
إن واجب القائد التربوي المسلم في أي موقع كان أن يدرك تماما أن العالم الذي يعيش فيه الآن هو عالم القلق والحيرة والاضطراب والشكوك والأراجيف وخاصة من أعداء الملة إنه عالم الأمراض الجسمية والنفسية والعصبية على الرغم من كل مظاهر الرخاء والتحضر والتمدن لدى البعض فعليه أن يواجه هذا كله بزاد الروح الذي لا ينضب إذ كل ما لدى الناس من تحضر ورخاء مادي لم ينشئ في نفوسهم السعادة والأنس والانشراح ولا الرضاء والطمأنينة والاستقرار، تربية الكثير شرقا وغربا لم تدخل السرور ولا السعادة في نفوس الناس إنهم قلقون حائرون إن السأم والملل يحرق حياتهم إنهم يحاولون تبديد هذا الملل والقلق في المخالفات المختلفة. إحساس تام بالهرب من أنفسهم وواقعهم ورخائهم المادي الذي لم يجلب لهم السعادة ولا الراحة والاطمئنان، إن خلو هذه الأرواح من زاد الروح من الإيمان الصحيح، من الإطمئنان إلى اللّه والثقة بموعوده، كذلك خلوها من الأهداف السامية والمقاصد النبيلة التي تنشئها وترسمها التربية الإسلامية الصحيحة ذات المنهج المتميز المنفرد في وسائله وأهدافه بشكل واضح ملفت للنظر الصحيح لا العليل ولا الجريح وحين توجد هذه التربية السليمة تستقيم الحياة وتستقيم النفوس ويستقيم المجتمع كله وتستقيم جميع الأمور فتقل أو تندر المخالفات ويعيش الناس سعداء حيث عاش المجتمع نظيفا من الجريمة نظيفا من الغل والحقد والحسد واللدد والدنس نظيفا من الشهوات والرغائب والمطالب المذلة إنها أخلاق أصيلة ونتاج لتربية أصيلة أيضا ليست أخلاقاً مصطنعة ولا مقدرة بوقت ولا زمان ولا مكان كحال تربية غير المسلمين انضباط نوعا ما داخل بلادهم وحدودهم وانفلات بدون رادع أو وازع خارج الحدود من بعضهم، والمسلم عندما ينظف فكره وشعوره وعمله لا لأن الناس معه أو يرونه بل لأن اللّه يراه «احفظ اللّه يحفظك»، «أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» والسؤال المطروح الآن هل توجد هذه الحساسية الدقيقة المرهفة في غير التربية الإسلامية إنه لما تلمس بعض المسلمين تربية أخرى ومناهج بديلة فقد بعض النشء سيطرته على نفسه ومشاعره بل فقد البعض منهم ذاته وآدميته وإنسانيته أحس بالضآلة والتعاسة فانكفأ على نفسه وانكمش داخل كيانه الصغير الحقير بلا إيمان فانكمشت تبعا لذلك مشاعره الحية ونظراته وتصرفاته المضيئة، وصارت حياته كلها ملل وثقل وكسل مهما تصنع النشاط والإنتاج وفي التربية الإسلامية لا بد من علاقة وثيقة مع اللّه لئلا تستعبد الإنسان قوى الأرض ولا يقع فريسة للشهوات والرغبات ولا تسيطر عليه الماديات لا بد أن يحفظ كيانه وبنيانه الذي وهبه اللّه إياه حراً طليقاً من سوى اللّه إنه يستمد قوته من ربه وعند ذلك تقوى فيه العواطف الحية والأشواق الشفافة الرفافة واللمسات الحانية الدانية الدقيقة العميقة الرفيقة يتطلع دوما فيما يأتي وما يذر «إلى فكرة علياء وتنطلق في مناحي الحياة تلك الشحنة الإيمانية العظيمة فتملأ الكون من حوله بهاء وصفاء ونقاء فتزول الأوهام والركام التي حجبت البعض عن الإيمان الصحيح الإيمان الذي ينقل هذا الإنسان من أسفل سافلين إلى أعلى مكان «ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون» فاللّه سبحانه اختار لهذا الإنسان المعزّز المكرّم حسن التعديل وحسن التقويم وحسن النطق وحسن الآخرة والأولى إذا استقام هذا الإنسان على منهج اللّه وتربى تربية إسلامية راشدة ووصل بالنفس النفيسة إلى كمالها المقدر لها في جنات النعيم وهذا المخلوق المعقد العجيب مهيأ بإرادة اللّه أن يبلغ كماله المقدر له في جنات النعيم وفي الدنيا باستقامة طريقه ووضوح سبيله وانشراح صدره كما أنه وبالمقابل مهيأ ايضا أن يبلغ أسفل سافلين بتربيته المعوجة وطرقه الفجة وتوجهاته غير القاصدة ولا الماجدة وكل ذلك ولا شك قصور تربوي يشاهد في كل وقت وحين أوقع الكثير من خلق اللّه في درجة أقل من البهائم والسوائم «أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون» إن للأنعام استعدادات فطرية تهديها وتكفيها ما خلقت من أجله وهم بتربيتهم الفاسدة في البيت أو المجتمع أو المدرسة ضلوا الطريق السليم ومروا بالحياة غافلين لا تعي قلوبهم ما فيها إذ لم يتذوقوا حلاوة وموحيات الإيمان والتي لا تتم إلا بالتربية الصالحة المصلحة التي يقوم على أدائها قادة تربويون خيّرون يملكون رصيدا رحبا من قواعد التصور الإسلامي بعيدا عن مزالق الخطى والتيه الكئيب، إن التربية الخالية من روح الإيمان تربية بليدة ميتة قاسية غليظة، يمضي صاحبها في هذه الحياة يأكل ويشرب كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم وقد يظلم ويناطح وينهش ويزاول البغي والإفساد والفساد بسبب بعده عن منهج اللّه ثم تكون النهاية الكئيبة والمصير المنكود فهل يا ترى يعي القادة التربويون في ديار الإسلام وهم جديرون بذلك هل يعون الفرق الشاسع والبون الكبير بين تربية إيمانية راشدة ترفع ولا تخفض تجمع ولا تفرق وبين تربية خالية من الزاد الروحي والمدد الإيماني تهبط بنهاجها إلى أسفل سافلين أما يعون ويسمعون صرخات وأنات تلك القلوب الفارغة التي حرمت من نعمة الإيمان حرمت هذا الزاد الكريم فحرمت من الأنس والأمن والأمان لما حرمت هذا النور فاجتاحها القلق والحيرة والاضطراب وصارت تبحث عن دواء لما استشرى الداء في جسمها النحيل العليل، إن الدواء جاهزا والطبيب ماهر فهل من عود حميد إلى ذلك الظل الوارف الظليل؟!.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved