أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 19th September,2001 العدد:10583الطبعةالاولـي الاربعاء 2 ,رجب 1422

الثقافية

قصة قصيرة
رحلة في كوامن الزمن
محمد بن صالح القرعاوي
استوقفته تلك الكلمات حين مر ببصره على البطاقات الكثيرة الداعية لحضور حفلات الزفاف في هذا الصيف، تشابكت الحروف أمام عينيه مع تلك الألوان الزاهية اللامعة على الورق الصقيل....!
دخلت عليه ابنته غادة ذات العامين وهي تردد بلثغتها المحببة باه... باه.. نظر إليها وهو يستعرض تلك البطاقات وقد وقف بصره عند كلمات تلك البطاقة التي تدعوه لحضور حفل زفاف أحمد بن.. على كريمة المرحوم..! لم يستوقفه اسم العريس بقدر ما تبدل اسم المرحوم ليقرأ اسمه مكتوباً...! نعم..! اسمه مكتوب على البطاقة في ذلك الزمن القادم..، توارت الحروف أمام عينيه..!!
نظر إلى ابنته ذات العامين وقد حان زفافها...! تنقلت عيناه بين تلك الجموع التي حضرت حفل الزفاف حينها...!! تسمرت عيناه عند مدخل قاعة الاحتفالات.. ليرى الحضور بملابسهم البيضاء ومشالحهم المختلفة... وقد لبوا دعوة حفل زفاف.. على غادة كريمة المرحوم/....!!
تراءت له تلك الساعات التي يكون فيها وحيداً في مراحل الغياب....! الكل مدرك حضوره في ذلك الاسم المتمم لاسم العروس...!! يتجول داخل القاعة..!! بعض الوجوه غريبة عليه.... أهم أولئك الأطفال..؟
يسمع أصوات المهنئين والداعين لهم بالبركة والتوفيق... تجرحه تلك التساؤلات التي يسمعها من أشخاص يعدهم من سقط المتاع... (كم خلف المرحوم من البنات؟.. الله يعين أميمتهن).
يسمح الحوارات داخل القاعة (البنات غثا.. تبلش بهن لين تودعهن القبر...، المرحوم ما فكر وش يبي يصير على البنات... المرحوم ما حسب لتعب أميمتهن.... المرحوم ما راعى تغير الزمن... وش خلف لهن من ثروة...! عسى الوصي قام بالواجب....!)
يتذكر هل قام بجرم في حياته عندما رزق بعدد كبير من البنات...! أم أن الواهب الله....؟
سنة كونية لماذا يعترض عليها هؤلاء....!
أم لم يجدوا حديثاً يتبادلونه في هذه الدعوة غير سيرة المرحوم.. لتكون فاتحة الحديث...! ومن ثم ينتقلون في الانتقادات لمن حولهم.. ويسرحون في أمور الدنيا!
تعود به التأملات إلى ابنته وهي تعبث في بطاقات الدعوة.. يقرر أن يفعل شيئاً لكي يقيهم غوادر الزمان.... يقسم الممتلكات بينهم... يضع في البنك حسابات لهم.. ولكن..! لا يدري كيف مر بخاطره الراتب لا يفي.. كيف إذن.. وخرجت آهة من صدره تنم عن ضيق ذات اليد.. العيش على وتيرة هذا الزمان لن يبقي لهم مدخراً.. المطالب كثيرة...! فجأة...! صرخت البنت....!
انقطعت سيرة المرحوم.. حينما حمل ابنته وبدأ بمسح الدم من على شفتيها بعد أن جرحتها حدود البطاقة...!
الساعة تحمل هم الزمن وتلقيه على عاتقه.. ينظر إلى ورقة التقويم....! كره قدوم الإجازة الصيفية.. حضور الأعراس.. يكلفه الكثير...!
تمنى قوة خارقة تنتشله إلى صفوف...، تذكر القناعة كنز لا يفنى...! متى...؟ أفي هذا الزمن؟.. إنها قوالب مثبطة عن السعي الحثيث في طلب الزرق...! يعاوده التساؤل العصيب...!
كيف؟ ومن أي طريق؟ هل أتركهم أم...؟
يعود لسيرة المرحوم.. وتلك الحوارات الغبية من حاضري حفل الزفاف...! يحقد عليهم.. أين هم ليروا ما أنا فيه من الحيرة...؟
ساعات الاحتضار لأفكار يتجول بها العقل عبر مراحل الزمن تصبح مقومات لأنفاس اليأس من وجود الحلول لمشاكل هذا العصر..
تمتم بحوقلة لعلها تنفث عنه كتل اليأس المتكورة في طرقات دخله المادي الموصل إلى حسابه الوحيد....! لملم شتات البطاقات المبعثرة على أرضية الصالة.. الله يوفقهم جميعاً.. همّ أن يحرق جميع البطاقات حتى لا تستعمل بالضغط عليه لحضور هذه الحفلات من قبل أولاده المتلهفين لمشاركة الأقارب أفراحهم.. ولكن..! هو واقع بين نارين حسب ما تسير به الحياة.. فمصاريف الأفراح تعادل مصاريف السفر.. فأين المفر..
خرج وهو يضع غترته على كتفه لا يلوي على شيء.. ابنته تتبعه للباب الخارجي وهي تتشبث في الخروج معه.. هو سادر في هواجيسه ويغلق الباب دون أن يدرك أن وراءه أحداً.. سمع صراخ ابنته من خلف الباب، رجع ولكن كان المفتاح بين تلك البطاقات قد نسيه في ظل تزاحم الأفكار..
احتضن ابنته وركب السيارة ليتخذ القرار.. ومن بين ذلك الموج المتلاطم عبر الشارع الفسيح تميزت سيارته بالسير البطيء تحت رحمة الأبواق العالية لتعطيله حركة المرور... لا يسمع من حوله رغم هدير السيارات فقد كان في لجة الحسابات المعقدة.. لبند العطلة الصيفية.. وقف عند الصراف الآلي.. استعلم عن الرصيد.. قرأ كشف الحساب.. تمتم بكلماته وابنته تنظر إليه تدرك معنى ركوب السيارة.. تبسم لها.. لكم الله يا عيال المرحوم.. سنبقى ونحتفل مع الأقارب ونعتز بصلة الرحم.. اشترى لصغيرته تذكرة الركوب.. وقفل راجعاً.. يرتب حضور الأفراح.. تمت
DALO46@YAHOO.COM

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved