أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 19th September,2001 العدد:10583الطبعةالاولـي الاربعاء 2 ,رجب 1422

الثقافية

أدباء عرب يكتبون بلغات عالمية جورج شحادة
محمود قاسم
انه موضوع انساني عالمي، حين عثر أهل احدى المدن الساحلية الصغيرة التي تطل على البحر المتوسط على وليد، والى جواره مبلغ كبير من المال، ووصية بها اشارة ان المبلغ ملك لأم الطفل التي حملت سفاحا وصار عليها ان تأخذ المال والعار معا.
هل يمكن لرب أسرة ان يقبل المال مهما تعاظمت قيمته مقابل ان يمس العار بيته؟.
ليس هذا فقط، بل ان الشك راح يساور كل رجل في المدينة الصغيرة ان زوجته لعلها تكون الخاطئة، وبدأت البيوت الآمنة تنشرخ، وساد القلق حتى تبددت المشاعر النبيلة التي كانت تغلف المكان.
هذا هو المحور الرئيسي لمسرحية «مهاجر برسيبان» للكاتب اللبناني جورج شحادة «أحد أشهر اللبنانيين الذين يكتبون باللغة الفرنسية».
هو شاعر وروائي وكاتب مسرحي. ولد في بيروت عام 1907 في أسرة يتكلم أبناؤها اللغة الفرنسية، فكان لابد له أن يكتب بهذه اللغة عندما شاء له القدر ان يصبح أديبا.
نشر شحادة مجموعة قصائده الأولى وهو في الحادية والعشرين من العمر، وبدا فيها متأثرا بالشعر السريالي الذي كان قد ولد لتوه على أيدي المدرسة السريالية بقيادة أندريه بريتون، وبول الوار.
وفي عام 1930 نشر جورج شحادة روايته الأولى، والوحيدة، تحت عنوان «رود وجون سينج» وكان أسعد يوم في حياته حين جاءته رسالة من الشاعر الفرنسي بول الوار، عبر فيها عن رأيه في ديوان الشعر الذي قرأه له بعنوان «شرارة» وقال في الرسالة «ترك كتابك في قلبي أثرا لا يمكن تصوره».
وهل يمكن لكاتب عربي ان يشعر بالغبطة أكثر مما أحس به جورج شحادة وهو يقرأ مثل هذه الكلمات؟.
لذا وجد نفسه يكتب بلا توقف كي يثبت لنفسه انه الشاعر المبدع الخصب، فصدرت له في مدة وجيزة ثلاثيته الشعرية التي تحمل اسم «أشعار» حدث ذلك عام 1949، وبدا كأنه يقول لبول الوار «شكرا، اتمنى ان أكون عند حسن ظنك».
وهنا قرر ان يتجه الى المسرح وفي تلك الفترة في أوائل الخمسينات كان فرسان المسرح الطليعي قد ظهروا ومنهم يوجين اونسكو. وآرتور آداموف، وصموائيل بيكيت، وقرر شحادة ان يكتب مسرحا باللغة الفرنسية يختلف تماما عما يكتبون، فاتجه الى المسرح الملحمي، وجاءت مسرحياته كالتالي:
مسرحية «السيد بويل» عام 1951، و«سهرة المثال» عام 1954، وقصة فاسكو عام 1953، و«زهرات البنفسج» عام 1960، و«الرحلة» في العام التالي. أما مسرحيته التي صنعت له اسما في الأدب العالمي فهي «مهاجر برسيبان» المنشورة عام 1965. والتي ترجمها فتحي العشري الى اللغة العربية. وهي المسرحية التي تحولت الى فيلمين مصريين هما« الرغبة والثمن»، و«بنات ابليس».
ظل جورج شحادة مقيما في لبنان وكتب هناك آخر ديوان له باسم «الثوب هو الأمير» عام 1973، لكن ما ان اندلعت الحرب الأهلية حتى قرر ان يعيش في فرنسا، وهي المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك بسبب الشيخوخة، وفي فرنسا قام بتجميع «مختارات بيت الشعر الواحد» باللغة الفرنسية، ثم كتب ديوانه «سباح الحب الوحيد» في عام 1985، وذلك قبل ان يرحل عن عالمنا في عام 1989. ولم تكن الحرب الأهلية قد وضعت أوزارها بعد.
تميزت كتابات جورج شحادة باهتمامه بالمفرد اللغوي الأصح للتعبير عما يجيش بالانسان، ويقول عنه الطاهر بن جلون، انه يستخرج كلماته من نبع نقي عميق، ومن حديقة داخلية، بها المراعي وتتولد فيها الصورة مغسولة بالمياه العذبة قبل ان تغدو ظلا، لقد مزجت كتاباته الأولى بين تأمل الحياة اليومية والرؤى الخيالية والسريالية.
ويأخذ بن جلون قصيدته التالية كنموذج لما اتسمت بها كتابات شحادة من صفاء نفسي حقيقي:
أمي كانت تضيء المصابيح لتبعد عنا الظلام
كانت تعد أعمارنا على الأصابع
عندما تدق ساعة الحائط
أمي كانت تتكلم في الوقت الذي يمر وهي تبتسم
والرجال الذين ساروا في دربها
الآن وقد مات القمر اين أنت أيتها الأفكار الرائعة
الحب له أسنان من الحلوى
الطفولة التي كنت تبكين على خدودي انها وليدة المساء
النضارة الأولى للأعشاش
تحلم الصبية قليلا
وهي تتلفت حولها
الآن بات الليل يكرر نفسه الى مالا نهاية
والأشجار تختبىء في أوراقها
والصمت يصل من بعيد
من الملاحظ ان جورج شحادة قد حاول التمكن من اللغة الفرنسية في الوقت الذي عجز تماما في التعبير شعرا باللغة العربية، ومن هنا جاء التميز المرتبط بالتحدي.


أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved