أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 19th September,2001 العدد:10583الطبعةالاولـي الاربعاء 2 ,رجب 1422

محليــات

لما هو آتٍ
في حضرَته...
د.خيرية إبراهيم السقاف
هل خطر لك أن تسأل عن علاج للحزن؟...، وقبلاً، أنت تحزن...، وكثيراً ما تصف نفسك بالحزين،... غير أنَّك وأنت تُعرِّف الحزن لا تُعرِّفه...، أنت تصفُ نفسَك، تدخل في تفاصيلك...، وقد تكتفي بإعطاء صورةٍ عامةٍ عن لوحة داخلك...، أمَّا الحزن، فما عرَّفته لأنَّك ما عَرَفْته...
هل جاءتك هواجس الطيور في رحلات المواسم تذهب في جماعات...، ويحدث أن يخرج من سربها نفرٌ أو آخر...، ثم لا يعودان لها...، فتذهب، ويبقيان يحومان في كلِّ صوب؟...، هل وخزك شيءٌ في صدرك، وأنت تتابع لحظة الضَّياع، ومن ثمَّ الاغتراب؟...، هذه اللَّحظة ينطق الحزن.. ينطق...
وهل شاهدت لحظةَ كيف تتلعثم الكلمات فوق شفتيك، عندما تفاجئك الأحداث...، وتنوء بها قدرة التعبير عندك...، إنَّ الشَّفتين حين لا تقدران الانفراج عن مخارج الحروف، وتختلط الحروف دون أن تؤدي على شفتيك معانيها...، في تلك اللَّحظة يصرخ الحزن... يصرخ...،
بين فَقْد سرب الطيور نفر أو آخر...
وعند فقد اللِّسان «نفر» من الحروف...
اغترابٌ... وفي لحظات الاغتراب يحضر الحزن...
الحزن زائر خلف ضحكة، وخلف دمعة، عند حضور، وعند غياب، مع شهقة، ومع زفرة...
رماديٌّ يأتي بديْماتٍ لا تهطل، لكنَّها تحوم في مساحات البياض، فتجلِّي عن وجوده...،
هو لونٌ لا من يستطيع تحديده، وصوتٌ لا من يقدر أن يقنصه...، وكلامُ لا يكتمل...،
لكنَّه حسٌ صارخٌ، حادٌّ، موخزٌ، يدّعي...، يُضحك، ويُبكي، يوجع، ويخدِّر...،
ومعه لا يحضر التَّعبير، وبه يكون التَّعبير،
وفي حضوره تغيب أصواتُ كلِّ شيء، وتحضر أصوات كلِّ شيء...
وهو ليس مرضاً يُقلق، كما أنَّه ليس عافيةً تُطمئن...
ومع أنَّه ليس مرضاً غير أنَّه يحتاج عند حضوره إلى مرافقة العلاج، على الرُّغم من أنَّه علاج...
نقيضٌ وآخر، ومتناقَضٌ وآخر...
ومن يكون في حضرته يبحث عن علاج...
فهل فكَّرت عند حضوره في العلاج منه؟!
كيف تفكِّر أن تبرأ ممَّا لا تعرف، وتعرف أنَّك لا تعرف، وتصف الحزن، ولم تستطع أن تلملم كنهه، أو تبحر في كينونته؟
الحزن ليس داءً، ولأنِّني سبق أن قلت إنه نبعٌ للتَّطهير...، فإنني أؤكد لك أنَّك بحاجة لأن تذهب في معيّته إلى حيث مجراه، كي تغمس نفسك في مجرى التَّطهير...،
هناك على شاطىء المجرى... ستجد مركبةً... تقف شامخةً بكلِّ ما فيها من جواذب التَّطهير...،
هذه المركبة تجثم بثقلها...، وعمقها، وقوَّتها كي تأخذك إلى معرفة الحزن، ومن ثمَّ فكِّ طلاسم التَّمرد لكلمات الشِّفاه، ومعرفة اتجاه الطيور المغتربة عن سرب الجماعة منها...
ستجد نفسك واقفاً في العراء.
تلملم ما تناثر من ريش، وما تركته ذاتك من شيء...، وما قالته الطيور في لحظات الإيغال في التَّفكير في الحزن...
فيما يكون هذا «التَّكوين» الخاص جداً قد انتظر طويلاً عند باب الانتظار لمن يأتي يخرج من بوتقته كي يوسمه، أو حتى يلقي بسنَّارته عند حوافِّ القول، أو السَّماع كي تتلاقى الخيوط... وتدرك: ما الحزن؟، ومن ثمَّ أيمكن أن تنادي له بعلاج؟
أو منه؟...
في تلك، يمكنك أن تدرك أنَّ تلك السَّفينة المركبة التي كانت تقف بجوار الشاطىء في شموخٍ هي الصَّبر...، ذلك لأنَّ الصَّبر وحده ما يمكن أن يمنحك المعنى الحقيقي للحزن.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved