أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th September,2001 العدد:10584الطبعةالاولـي الخميس 3 ,رجب 1422

مقـالات

ضحى الغد
طالبان
عبدالكريم بن صالح الطويان
* أقبل الابن ذو الشارب الأسود في ظل والده الشيخ الهرم، حث الشيخ خطاه المثقلة بالسنين، وبيده ملف أخضر ينتقل به من مكتب إلى مكتب ليُنهي اجراءات قبول ابنه في الجامعة!
لم يأت الأب شافعاً بل جاء معقباً خلف اجراءات إدارية بسيطة، وسأله موظف شؤون الطلاب:
لماذا تكلف نفسك، دع ابنك يُتابع أوراقه بنفسه!
وابتسم الشيخ قائلاً:
معك عِلْم عيال هالوقت!
ورد الموظف ابتسامته، وهو يقول:
لست وحدك كثيرون يتتبعون أثر معاملات أبنائهم!
أما الطالب الآخر فهو «محمد المنصور المنسلح» شاب دون العشرين، كفيف البصر، أقبل على (معهد بريدة) في أوائل السبعينات الهجرية، ودخل على مُسجل القبول، فقال له المسجل: لقد اكتمل العدد في المعهد لا مكانَ إضافيا لطالب واحد! وسأله الطالب عن فرص التعليم المماثلة خارج بريدة، فقال له: دار التوحيد بالطائف، وعليك أن تقابل معتمد المعارف الشيخ (ابن مانع) في مكة أو لتأخذ موافقته، وركب الطالب الكفيف مع أول سيارة ركاب ذاهبة إلى مكة وهناك أخذ يسأل عن (معتمد المعارف) يقول: كان الوقت صيفاً، وليس في جيبي سوى قروش معدودة، وقد بلغ مني العطش مبلغاً! وسمعت منادي الشراب البارد، يذكر التمر الهندي، والليمون، فأقبلت عليه متحسساً موقعه، فاصطدمت بطاولته التي صف عليها كؤوسه الزجاجية فاختل توازنها وسقطت الكؤوس على الأرض وتحطم أكثرها! وأخذ بتلابيبي يطلب دفع قيمتها أو الذهاب إلى الشرطة، وفي مكتب الشرطة انتهى الموقف مع صاحب الليمون البارد بصعوبة، فماذا عسى المدعي أن ينال من شاب كفيف غريب معسر!
وخرجت أبحث عن غايتي التي جئت من أجلها، وهي مقابلة الشيخ (ابن مانع) فقيل لي : ابحث عنه في أروقة الحرم، فلقيته هناك، وسلمت عليه، وقلت له: أنا طالب علم، جئت أطلب موافقتك علي تسجيلي في (دار التوحيد)!
فقال لي: احضر غداً في منزلي، يقول: فدخلت عليه في أول النهار، فإذا في منزله عدد من علماء مكة، فسألني عن اسمي، ثم أخذ يُلقي عليّ أسئلة بسيطة في النحو والفقه والأدب، فإذا جاوبته على السؤال، التفت إلى الحاضرين وهو يبتسم ويقول: أترون ان في نجد علماء متمكنين! ثم قال لي: لقد قبلناك يا بني، وهذان ريالان اركب بهما إلى الطائف! فخرجت من عنده لا رفيق ولا قائد لي! وركبت إلى الطائف التي وصلناها في منتصف الليل، وسألني صاحب السيارة: أين مقرك؟ قلت له: دار التوحيد، فأجاب بضيق: لا أعرف هذا المكان، انزل هنا وستجد من يدلك فنزلت في الليل البهيم متوكلاً على الله، لا أسمع حساً لإنسان! وتلمست بيدي أقرب جدار فاستندت عليه، وقلت في نفسي يطلع الفجر، وتؤذن المساجد فأعرف طريقي ان شاء الله فانتظرت بقية الليل الطويل، حتى أذن مسجد قريب مني، فقصدت صوته، وأديت الفريضة مع الجماعة، وسألت عن (دار التوحيد) فقيل لي إنها في (قروى) حي من أحياء الطائف، ووجهوني إلى طريقها، فخرجت إليها ماشياً بعد صلاة الفجر، وما وصلت إليها إلاّ وقد أضحى الضحى! وسألت عن مديرها فقيل لي إنه الشيخ: (عبد المالك) فدخلت عليه، وألقيت السلام، وناولته خطاب الشيخ (ابن مانع) فقرأه، وسألني، هل تريد الإقامة (بر) أو في (المهجع)؟ وعرفت أن المهجع هو سكن الطلاب الداخلي، فقلت في(المهجع)! ثم قادني إلى الفصل، وأمضيت عاماً دراسياً انتقلت بعده إلى معهد الرياض العلمي!
هذا الطالب الكفيف المكافح، أمسى فيما بعد (الشيخ: محمد المنصور المنسلح) أحد كبار علماء المملكة العربية السعودية، انتقل إلى رحمة الله في العام 1420ه، قصَّ ذكرياته هذه على زميله الشيخ القاضي! (حسن الفريح)(1) الذي حدثني بها!
ليعذر بعضنا بعضاً!
* بعث الأستاذ : ناصر بن عبدالرحمن القفاري، هذا النص الذي كتبه من واقع تجربته في الحياة، وهو مُعلم أمضى في التعليم قرابة ثلاثين عاماً:
«الملاحظ عند كثير من الناس في هذا الزمن، الغضب لأتفه الأسباب، فضعف التحمل هو السمة البارزة في هذا الوقت!
ولو رجعنا إلى الناس قبل سنوات ليست بالبعيدة لوجدناهم أكثر تحملاً وتجلداً فالناس في ذلك الزمان يتعاملون مع بعضهم دون تحفظ وقد يقع بينهم الكلام القاسي والمزاح الثقيل في ظروف معيشية قاسية، ومع هذا عاش الناس يعذر بعضهم بعضاً!
وفي هذا الوقت ما أحوجنا إلى الرفق بالناس، وتلمس الأعذار لهم ومسامحتهم وعدم تحميلهم ما لا يُطيقون وعدم الاكثار من معاتبتهم حتى نعرف ظروفهم سواء كان ذلك في العمل أو مع الطلاب في المدرسة أو في المصنع والشارع!
وقد أعجبني أحد الفضلاء عندما أخطأ في حق سائق سيارة وصدم سيارته الجديدة ونالها بعض الأضرار وحينما نزل صاحب السيارة مغضباً بادره الرجل الذي وقع منه الحادث بقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً، وثانياً: ما دفع الله كان أعظم، وثالثاً: اعترف بالخطأ، ورابعاً: أنا مستعد لتصليح سيارتك بالكامل! فلما سمع صاحب السيارة المصدومة، هذا الكلام الجميل انطفأ غضبه، واطمأنت نفسه، وعذر الرجل، وتنازل عن حقه!
فالواجب علينا أن نُقدر ظروف الناس لكثرة الضغوط عليهم في البيوت والعمل والشارع حتى نكون إخوة متحابين مترابطين متسامحين يعذر بعضنا بعضاً»!
(1) «حسن بن محمد الفريح» من خريجي كلية الشريعة بالرياض عام 1384ه، ومن تلامذة الشيخ (عبداللطيف بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله تولى القضاء في الخرج ثم في الأسياح ثم في (الذيبية) بمنطقة القصيم طلب الإحالة على التقاعد بعد أن أمضى ثلاثين عاماً في القضاء.
بريدة ص ب 10278

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved