أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th September,2001 العدد:10584الطبعةالاولـي الخميس 3 ,رجب 1422

مقـالات

الشورى في الاسلام
احمد بن علي احمد الريعان
قال شيخي يرحمه الله: يخطىء السواد الاعظم من الناس في مفهوم نظام الشورى.. ونشأته!! فيعتقدون انه نوع من الترف الحضاري جاء محصلة للتقدم العلمي في اوروبا!! وكرد فعلي للتسلط الكنسي الذي حجر على العقل.. فجعله تابعاً لسلطة الكهنوت في كل حركة واستدارة.. بل وصل الامر الى التصفية الجسدية للعلماء.. الذين طالبوا بتحرر العلم والعقل من تلك التبعية الاستبدادية المتحجرة!! فكانت الديموقراطية هي المنقذ!!
والشورى هي تبادل الآراء والخبرات المختلفة حول قضية من القضايا واختيارها مع اصحاب العقول والافهام حتى يختار اصوبها واحسنها واقربها الى الكمال.. ثم يوضع القرار موضع التنفيذ بمباركة الجميع واستعانتهم وتوكلهم على الله.. لتحقيق الاهداف التي تحقق المصلحة العامة بأقل وقت.. واقل تكلفة!! والمتتبع للتسلسل التاريخي لتطبيق الشورى يلحظ انها سبقت قيام الدولة الاسلامية فهي تشمل نظام ادارة الحياة.. والقرآن الكريم شاهد على ذلك وقصة الملكة بلقيس اكبر دليل على ذلك!! يقول الله على لسانها: (يا ايها الملأ افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون) النمل الآية 32..
ولعمري ان هذه المرأة وبهذا المنطق الحكيم والسلوك القويم ضربت مثلا رائعا على اهمية الشورى في ادارة البلاد والعباد.. بل كانت في هذا اعقل واحكم من كثير من الرجال!! الذين لم يفكروا الا بالقوة.. والقوة وحدها!! ولم يكونوا كمثلها في رجاحة العقل.. وحسن التصرف!! وحين بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الحق والرحمة كانت الركيزة الاساسية لقيام الدولة الاسلامية هي التوحيد عقيدة ومنهاجا والشورى ادارة وحكما.. وهذا منطقي.. فالله عدل.. ويحرم الظلم.. فالظلم يتنافى مع حكمة الخلق.. وعلة المخلوق!! وعدالة الخالق!! والشورى يؤدي تطبيقها السليم الى تحقيق العدالة الالهية التي قام عليها الخلق كله!! فكان لابد ان يهتم الرسول بتعميق وتطبيق هذا المبدأ العام في ادارته لتلك الدولة الفتية والله يقول: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) الاحزاب الآية 21. فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت اكثر مشاورة لاصحابه من رسول الله فقد استشارهم في القتال في معركة بدر بقوله: (اشيروا عليّ ايها الناس..) وكررها اكثر من مرة.. واستشارهم في غزوة احد.. والخندق.. وقتل الاحابيش في غزوة الحديبية.. بل انه استشار بعض المسلمين في بعض شؤونه!! واستشار النساء في بعض اموره.. وهكذا كانت الخلافة الراشدة من بعده فقد تجلى مبدأ الشورى في سقيفة بني ساعدة وحين استقر الامر على تولي رئاسة الدولة لابي بكر بايعه المسلمون دون اكراه!!
والشورى واجبة على كل حاكم.. وهذا الاستنباط ليس من بنات افكارنا او شطحات السنتنا.. او بدعة مخترعة.. بل انه امر لازم مستنبط من قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله) آل عمران الآية 159. فكلمة «شاورهم» فعل امر يدل على الوجوب ما لم ترد قرينة تصرفه عن الايجاب الى الندب. واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي واشرف خلق الله ولا ينطق عن الهوى امره الله بصيغة الامر ان يستشير اصحابه واوجب عليه ذلك فالشورى في حق غيره من الحكام والامراء اوجب.
والتوكل امر لازم على كل مسلم بل هو من سماته!! واذا كنا نقرر عن يقين لا يرقى اليه شك ولا يدنو منه وسواس بأهمية الشورى فيكفينا ان الله انزل على نبيه سورة سميت بالشورى وتحدث فيها عن صفات المؤمنين وجعل حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تقوم على الشورى بل ان امرهم كله شورى بينهم فاقتران الصلاة والصدقة واجتناب الفواحش بالشورى يدل دلالة قاطعة على اهميتها قال تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون، والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى الايتان 37، 38) فاذا كانت الصلاة عماد الدين.. فالشورى عماد الحكم فعن طريقها يتحقق العدل الذي هو اساس الملك!! والشورى تكون في كل الاحوال والامور ما لم يُسن عليه في القرآن الكريم او السنة النبوية الصحيحة.. الشورى اجتهاد وكما قيل لا اجتهاد مع وجود نص صريح.. وقد سأل الخباب بن المنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فقال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلاً انزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه او نتأخر عليه ام هي الحرب والمكيدة. فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بالثانية فأشار عليه الخباب بمشورة كانت الاصوب، فقال الرسول: لقد اشرت بالرأي.. وحدث مثل هذا في غزوة الخندق وغيرها.. اما ما ذهب اليه البعض من ان الرسول لم يستشر اصحابه في صلح الحديبية فذلك لان صلح الحديبية وحي من الله لرسوله وبه نص صريح، وكذا اصرار وتصميم ابوبكر على قتال المرتدين الذين منعوا الزكاة رغم اختلاف بعض الصحابة في قتالهم ومنهم عمر بن الخطاب.. لكن حين جادلهم ابوبكر بالحجة الدامغة وذكرهم وبين لهم ان الزكاة ركن من اركان الاسلام وان هذا الامر ليس محلا للاجتهاد فالله يقول: (فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم (التوبة الآية 5). عندها اقتنع عمر ومن معه وساروا جميعا لحروب المرتدين. اما كيفية الشورى فلم يلزم الاسلام المسلمين بكيفية معينة او عدد معين بل ترك هذا للمسلمين انفسهم ان يختاروا الطريقة المثلى والعدد المناسب المؤديان لتطبيق مبدأ الشورى وبما يتناسب وتطور الحياة وتقدمها وتعدد الاساليب والاجراءات والامكانات المتاحة.. وهذا من عظمة الاسلام وحكمة الخالق فما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لمجتمع آخر.. وما يصلح في زمن ما قد لا يصلح في زمن آخر.
فالمرونة في تطبيق الشورى.. اهم ميزة فيه وتتماشى منطقيا مع المسمى والتطبيق.
ويشترط في اهل الشورى ان يكون مسلما بالغا عاملا راشدا حرا ذكرا عالما بالشريعة الاسلامية عاملا بها! والا يزكي نفسه لقوله تعالى: (فلا تزكوا انفسكم) (النجم الآية 32) وقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن سمرة: يا عبدالرحمن لا تسأل الامارة فإنك ان اعطيتها من مسألة وكلت اليها.. وان اعطيتها من غير مسألة اعنت عليها!!
ويحدثنا الخليفة الراشد الرابع علي ابن ابي طالب رضي الله عنه وعمن سبقه عن فوائد الشوري فيجعلها بسبع خصال قمة في البلاغةودقة في التعبير فيقول هي: استنباط الصواب.. واكساب الرأي.. والتحصين من السقطة.. وحرز من الملأمة.. ونجاة من الندامة.. والفة القلوب.. واتباع الأثر.. واضيف: واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بأقل وقت وتكلفة!! وقد قيل: لا ندم من استشار.. ولا خاب من استخار..
اختم مقالي هذا بأنه في ظل السياسة الشرعية الراشدة الرشيدة التي اقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفى اثرها الخلفاء الراشدون والمتمثلة في تطبيق مبدأ الشورى.. قامت دولة العدل والقسط وبسطت نفوذها على ارجاء المعمورة وتهاوت تحت اقدامها اقوى حضارتين آنذاك (الفرس والروم) فاستطاع هؤلاء القلة بعددهم الكثر بأيمانهم ان يبنوا دولة متكاملة في فترة زمنية قياسية في تاريخ الدول.. فقد كانوا جميعا قرآنا يتلى وآيات تطبق من قمة الهرم الى قاعدته لا فرق بين حاكم ومحكوم الا فيما استخلف كل منهم عليه فشيدوا حضارة اسلامية راقية كان لها الفضل بعد الله على البشرية برمتها حتى تقوم الساعة.. يقول ابن القيم (يرحمه الله) ان الله ارسل رسله وانزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت عليه السموات والارض. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
'جامعة الملك فيصل بالدمام

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved