أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th September,2001 العدد:10591الطبعةالاولـي الخميس 10 ,رجب 1422

الثقافية

نهار جديد
عيب الثقافة أم عيوب المثقفين؟!
عبدالله سعد اللحيدان
من الطبيعي والإيجابي وجود ثقافات مختلفة ومتباينة عن الأمة الواحدة أو المجتمع الواحد إذا كانت العلاقة بين هذه الثقافات إيجابية وكانت أساليب المثاقفة بين أصحابها مثقفة وحضارية تهدف الى رقي الثقافة والمجتمع وتصبّ في صالح الانسانية والانسان والحضارة.
ولكن الذي ليس طبيعيا ولا إيجابيا هو وجود صراع بينها وبين أصحابها أيضا ولأهداف ليست ثقافية ولا حضارية ولا إنسانية، وهذا ما يثير الأسئلة حول وجود بعض هذه الثقافات وجدوى وشرعية استمرارها انسانياً وما يمكن أن تسببه للأمة أو المجتمع من تقدم ورقي أو تخلّف وانحطاط.
ويثير أسئلة اخرى حول ماهية هذه الثقافة وجوهرها، وهل العيب يكمن فيها فكراً وأساليب وأهدافا أم في أصحابها وطريقة استغلالهم لها وتوظيفهم امكاناتها في عكس ما وُجدت له أصلا، وهل هي من الضعف بحيث يسهل على كل من أراد استغلالها لتحقيق أهدافه الخاصة.
وجود هذه العلاقات غير الطبيعية بين هذه الثقافات ووجود أشخاص يستغلونها لأهداف ومصالح شخصية ومادية ووجود نقاط ضعف في هذه الثقافات بحيث يسهل اختراقها وتطويعها لأغراض ليست من ماهيتها ولا توضع في خانة الأهداف التي وُجدت من أجلها، كل ذلك دليل على ان في وجودها أو بعضه وفي استمرارها أو بعضه خطأ ما يجب الكشف عنه وخلل يجب تصحيحه وانحراف ينبغي التصدي لتقويمه، وبخاصة ان بعض المثقفين والمبدعين الأقوياء استطاعوا وفي فترات وفُرَص أتيحت لهم أن يعدلوا من مسار بعض الأفكار وينحرفوا بها تعديلاً وانحرافا سلبيّين لا علاقة لهما بتطوير هذه الافكار وتجديدها ولا يهدفان الى مصلحة حضارية أو انسانية ولا يخضعان لأي قانون من قوانين التطور الاجتماعي أو مراحل تطور ونمو الثقافة والفكر والإبداع.
في الشعر مثلا، لم يكن ما فعله محمود سامي البارودي إحياء إيجابيا بقدر ما كان عودة وردّة وانتكاسة شعرية عربية كبرى بعد قرون كثيرة من محاولات التجديد في الشعر العربي منذ محاولات التجديد التي بدأها بشار بن برد وأبو نواس وأبوتمام مرورا بمئات المحاولات التي انتجت الاوزان المولّدة والموشحات وابتعدت بالشعر العربي عن الأنماط القديمة المكرورة المستهلكة التي لم تكن تصلح إلا لزمانها وانسان ذلك الزمان والذي عمل البارودي على محاولة إحيائها وساعده على ذلك قوته الثقافية وقدراته الصياغية وظروفه الاعلامية المصاحبة، ووجود نقاط ضعف في هذه الأنماط القديمة والمحاولات التي تلتها جعلت من مهمة الباردوي أكثر سهولة ممّن يحاول الآن إلغاء أو تهميش شعر التفعيلة أو قصيدة النثر وهما النقلة الاولى والكبرى والتغيير الجوهري الوحيد في الشعر العربي ومنذ وجوده حتى الآن.
ومن الطبيعي والإيجابي وجود شعر خليلي موزون مقفى ووجود شعر تفعيلة وقصيدة نثر في هذه الايام ولكن بدون ان تتحول العلاقة بين مريدي هذه الأنواع الثلاثة الى حرب لا علاقة للشعر بها وبشرط أن يُراعى في حجم وجود كل منها وسيطرته وانتشاره التطور المادي والحضاري والثقافي المصاحب لهذا العصر وإنسانه الجديد وذائقته الجديدة، ومن الممكن استمرار وجود هذه الانواع الثلاثة متجاورة وتحديد استمرارها من عدمه بعوامل التطور والرقي والتحديث المصاحب لوجودها وبحيث ينتهي ما لم يعد صالحاً لإنسان العصر وذائقته ويبقى ويتطور ما يواكب هذا الانسان وذائقته وفي تطور متواصل لا يفرض على انسان المستقبل إبداع الماضي او الحاضر ومعاييره الجمالية والذوقية بقدر ما يترك له الفرصة الثقافية الحضارية والجمالية لإيجاد إبداع مستقبلي يلبي حاجاته ورغباته الروحية والجمالية في المستقبل.
وهنا نلاحظ ان استمرار وجود وسيطرة بعض الانواع والأنماط الابداعية وبعض الأفكار والثقافات والقناعات لا يعود الى جوهرها وماهيتها وقوة بناها وصلاحيتها للوجود المتجدد بقدر ما يعود الى رغبات ومصالح وأهداف أصحابها وقدرتهم على فرضها على الآخرين، وهذا واضح من لجوئهم إلى أساليب ووسائل لا تقوم على الحوار والمثاقفة والإقناع بقدر ما تقوم على الفرض والتخويف والتهديد وتصل الى استغلال قوة الأعراف الشائعة بالقوة ايضا لفرض ثقافاتهم وإبداعهم وإلى درجة اتهام كل من يحاول التجديد أو الخروج عن قواعدهم وأعرافهم الثقافية والإبداعية بالخروج على الأعراف الشائعة وعلى القناعات السائدة واستعداء هذه الأعراف والقناعات وأصحابها عليه.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved