أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th September,2001 العدد:10591الطبعةالاولـي الخميس 10 ,رجب 1422

القرية الالكترونية

النافذة
حميمية التواصل
م/ مشبب محمد الشهري
كان لي صاحب عزيز علي جداً كانت اللحظات التي أسمع فيها صوته من أسعد اللحظات في حياتي طلب الرزق وظروف الحياة فرقت بيننا إلا إن تلك اللحظات الهنيئة التي أسمع فيها صوته لم تنقطع فكنا نتواصل باستمرار من خلال الهاتف، وكنا نتبادل القفشات والتعليقات على بعض، ونستعيد ذكريات الماضي وشقاوة الطفولة كانت تلك اللحظات التي نسرقها خلسة من طاحونة المادية ونروح فيها عن النفس في زمن أصبحت الابتسامة أو الفرحة عملة نادرة. كانت للنفس كالغيث إذا همى على الأرض القاحلة لقد كانت كالنسمة التي تخفف عنا هجير الحياة اليومية التي لم نعد نسمع فيها إلا فحيح الآلة.
استمر ذلك حالنا حتى أتى اليوم الذي أغتيلت فيها سعادتنا (أو سعادتي على الأقل)، وذلك عندما تلقيت تهاني العيد السعيد من صديقي الحميم عبر البريد الإليكتروني بعد ذلك لم أعد أسمع صوت صديقي إلا في النادر واستمر التواصل بيننا في الغالب من خلال صقيع البريد الإليكتروني أو رسائل الجوال لم تكن هذه حالتي مع ذلك الصديق فحسب بل كانت مع جميع أصحابي.
كما أنني متأكد إن هذه الحالة ليست فردية بل هي منتشرة بين الناس، وسوف تنتشر أكثر عندما تعم تقنية الاتصالات وتقنية المعلومات بقية أفراد المجتمع.
وهنا لا بد من تسجيل كلمة وهي أن لا اعتراض على استخدام التقنية بل بالعكس البريد الإليكتروني يعد من أعظم ما قدمته التقنية من وسائل الاتصال، ولكن المشكلة تكمن في استخدامه بديلا عن التواصل الحميمي بين الأقارب والأصحاب ثم إن ذلك ضريبة التحضر لا بد من دفعها مثل كثير من الأشياء الكثيرة والجميلة التي ضحينا بها في سبيل العصرنة في البدء كان التواصل المباشر بين الناس وجها لوجه حيث يصاحب اللغة الصوتية بعض الانفعالات كحركات العينين واليدين وحركات الشفاه، وتغيير ملامح الوجه، مما يضفي على التواصل البعد الإنساني، من فرح وحزن وغضب وعطف وغير ذلك من الانفعالات ثم أتى التواصل الكتابي الذي خلا من هذه الحركات والانفعالات.إلا أن بعد ذلك أتى التواصل الصوتي بواسطة التلفون والذي أعاد على عملية التواصل بعض التفاعل الإنساني مثل الغضب والحزن والعطف الخ. ويمتاز التواصل المباشر والتواصل من خلال التلفون بالتفاعلية المباشرة بين طرفي الاتصال بينما لا توجد هذه الميزة في حال التواصل الكتابي إلا إن التقنية لم تقف عند التواصل الكتابي خلال الإنترنت بل تعدت ذلك إلى تواصل أوسع نطاقا يمتزج فيه المكتوب مع المسموع كذلك مع المرئي سواء ثابتا أو متحركا مكونا رسالة اتصالية أوسع وأشمل وذلك بما يعرف بتقنية الوسائط المتعددة مع العلم ان هذه التقنية لا زالت محدودة وذلك لتطلبها سرعة اتصال عالية.
في الوقت الحاضر يوجد هناك سباق محموم بين شركات التقنية للوصول إلى الآلة التي تستطيع محاكاة البشر أو بكلمة أخرى محاولة أنسنة الآلة (جعلها تتصف بالصفات الإنسانسة) حيث يوجد هناك بحوث عديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
والمحاولات حثيثة لجعل الآلة أقرب ما تكون إلى الإنسان آلة تفكر وتحاور وتناور محدثها وفهم انفعالاته وبعد أعزائي القراء دعونا نسدل الستار على مشهد محاولة الارتقاء بالآلة لمحاكاة الإنسان لتنفتح الستارة على مشهد آخر مشهد الإنسان وهو يلهث خلف الآلة ويزداد التصاقا بها في الوقت الذي يزداد انعزالا وبعدا عن بني الإنسان وأصبحنا نسمع عن وجود عيادات ومصحات في الدول المتقدمة لعلاج الناس من الانعزالية والإدمان على الإنترنت وما يترتب على ذلك من أمراض اجتماعية والسؤال الذي لا أشك أنه قد عن لكثير منكم هو عن ما ستؤول إليه نهاية هذه المسرحية، وهل سيؤدي التعامل مع الآلة إلى مزيد من ضمور التواصل بين البشر أم أن التقدم في وسائل الاتصال وأنسنة الآلة إن صح التعبير سوف يعيد الحميمية إلى التواصل بين البشر؟.
mmshuhri@yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved