أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th September,2001 العدد:10591الطبعةالاولـي الخميس 10 ,رجب 1422

محليــات

لما هو آت
لكِ وحدكِ 67
د. خيرية إبراهيم السقاف
أمَّاه...
يا نوَّارة...
فوق كفيْكِ أريد النَّزف، عن كلِّ قطرةٍ، تنفر بها جباه البشر، في زمن النَّزف الذي لا يتوقَّف...
وفوق كتفيكِ أريد اليقظة، من غفوة النَّهار، حيث يُخدِّره النَّاس، ومن صهيل اللَّيل حيث يكرُّون فيه، ويفرُّون...، ومن لهيب الثَّلج، في صقيع تابوتٍ ترقد فيه الحقائق...
و... يا نوَّارة كلُّ ما يعتصرني في لجَّة الثَّرى...، واختناق الموج...، ووخز السَّراب...
يأخذني إلى طمأنينة كفَّيكِ...، ودفءِ كتفيْكِ...
وإلى نهرٍ بين حاجبيك، يموج النُّور فيه يموج...
فأهرب إليه، من سطوة الظلام الذي ينغمس فيه الإنسان...، يُرسل كوابيس الخوف تسدل أجنحتها فوق هامات النَّاس...، فلا يُرى منهم أحدٌ...، تمرق بهم أقدامهم، وتنسلَّ بهم أجسادهم، ويتركون هنا، وهناك بقايا نواياهم، وآثار أفعالهم...
يا نوَّارة...
هذا الانبثاق لجسد المعنى...، أقطف من جوفه بذوراً تكفي مؤونةً للطريق...، حتَّى أصل إليكِ...
ففوق أديم السَّحاب، قرأت رسالة الزَّمن...، فقد خطَّها بقطراتٍ من جباه البشر...
وتركهم في غيظهم يتقلَّبون...، وآهٍ يا نوَّارة، من كلِّ رسائل البياض التي كنتِ تخطِّينها لي...،
وتحتفظين لي بها في صندوق الذاكرة...
قلتِ لي يوماً إنَّني سوف أحتاج لأن أفتح هذا الصندوق، في كلِّ مرَّةٍ أحتاج فيها إلى شيءٍ منه...، وفي كلِّ مرَّة، يكون الاحتياج، يختلف عن المرَّة التي أفتحه فيها وأمضي...،
اليوم يا نوَّارة... لستُ وحدي من يحتاج إلى رسائل البياض...، إنَّني أنثرها منكِ فوق سُحنة المدى...، على انتشار جباه البشر...، كي أظلِّل هاماتهم من حريق الشَّمس، وهم عراة يقفون في أتونها، ويلتسعون بزمهريرها...
اليوم أتذكَّر الظلَّ الظَّليل، الذي كنتِ تدْعين الإله العظيم في كلِّ مرة أسمعكِ فيها تخاطبينه وتناجينه أن يضمَّنا معاًَ، تحت ظلِّه، «يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه...»..
يا سيِّدتي: أذكر أنَّكِ كنتِ دوماً تتشوَّقين لِلِقاء النُّور الأسمى...، ومثلُكِ اللَّحظة أتشوَّق إليه...، لا أدري كم من المسافة لما تزل، تفصل بين قطرة النَّزيف، من رسغ الحياة، ترعف كالمزراب في أمسياتٍ شتائية، أو صباحاتٍ صيفيَّة، حتى تغرق، وتسيل...، وهي تكتسح في جريانها كلَّ التَّفاصيل التي تمرُّ بها...، وبين جبلٍ يطلُّ على أودية السِّيول...، هذه المسافة، تفصل بين كفَّيْن تنبسطان بدعوة البياض، وبين كتفيْن تنهضان لدعوة السِّكون...
يا نوَّارة: أيُّ سرٍّ في بياضكِ، وسكونكِ؟!
وأيُّ سرٍّ بين جباه النَّاس، وأقدامهم!!....
أوَلا يكون من اللاَّئق بهم الآن أن يدسَّوا أيديهم داخل أفواههم، كي يُلجموا فيها سريان السَّراب، وبقايا اللُّعاب؟...
يا سيِّدتي: أما آن الحديث في غفلة الكلام، والكلام في صحوة الغفلة؟!
ألا يتمُّ ذلك، في رجفة السُّكوت، وفي عنفوان الموت؟، والسُّكوت يحيط بكلِّ الأصوات العالقة في لهاة الفجيعة؟!.... والموت يتباهى بين أروقة الأضواء؟
يا نوَّارة...
تلك معضلة النأي عنكِ...
على الرَّغم من أنَّكِ الأقرب حدَّ الوريد...
فإنِّكِ الأبعد حدَّ المدى...
ولأنَّكِ الأقرب، فإنَّكِ كتف اليقظة...، وكفُّ المُضاء...
ولأنَّكِ الأبعد. فإنِّكِ فجيعة الفقد...، وخوف الشِّتاء...
لكنَّكِ حتماً تنهضين بين الحرف، والآخر، مسافةً في تركيب الكلمة...
وتبرقين بين المعنى، وشارة الدلالة، في كيان ما كان، ما يكون، وما سوف يكون، معنى في كُلِّ الذي يكون...
فهلاَّ تأتين في حلكة الذي يكون...؟!
كي يغلق الإنسان صندوق الذكريات، وتنبسط بين عينيه آماد البياض؟
و... فضلاً...
لن أنسى أنَّكِ هنا...
ولن ينسى الآخرون، أنَّ كل َّ شيء إلى بقاء...
فإلى أيِّ الألوان سيكونون؟...
هل سيفترشون الخضار، ويتفيأون البياض؟
أم سيفترشون الأتون...، ويحملهم الأحمر؟
هل سيصمتون...؟ أم سينطقون؟
أنتِ يا نوَّارة... من سيحمل لي سارية راية البياض...، ويمدَّ لي ظلَّ الخضرة، ورداء القطرة...، في عنفوان الكلام وصهيل الصمت..

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved